لكل السوريين

السليقة مؤونة البرغل من أعمدة التراث في الساحل السوري

اللاذقية/ سلاف العلي

يتوفر البرغل الجاهز بكثرة في الأسواق والمحلات التجارية إلا أن بعض الاسر القروية في الساحل السوري ما زالت تحرص على إعداد مؤونة البرغل بنفسها لتستعيد ذكرياتها الحميلة وأيام الخير والبركة .

أن الريف في الساحل السوري يتميز بالعديد من الأكلات الشعبية التي ورثها عن الأجداد، ولكل منها طقوسه ومناسباته الخاصة، وان البرغل مكون رئيس في العديد من الأكلات الشعبية ومعظم العائلات في الريف تقوم بأعداده بعد انتهاء موسم الحصاد مؤونة لفصل الشتاء.

مع انتهاء موسم حصاد القمح والرجاد والدراسة، تنهمك النسوة هذه الأيام التموزية بالتحضير لموسم السليقة للحصول على مؤونة البرغل ، وهي أجواء موسمية مفعمة بالتعاون والمحبة والفرح، وتقوم كل عائلة بتقدير حاجتها من هذه المادة الأساسية لمؤونة البرغل، حيث يتم غربلة القمح لتنقيته من حبات التراب والحصى والقش والشوائب الأخرى المرافقة لعملية الحصاد والدراس حيث كانت قديما تتم على لوح خشبي يجره الحمير، ومن ثم تم استعمال الدراسة الحديثة وهي آلة يشغلها الجرار (التركتور) لاستخراج القمح من السنابل، وبعدها يجب تصويل القمح أي نقعه في الماء لفترة محدودة بغية تنظيفه من الغبار .

وثم تجهيز مكان السلق وموقد الحطب وإشعال النار لوضع الحلة والتي هي عبارة نصف برميل مقصوص، بحيث تصبح الوعاء الذي يوضع القمح في داخلها ويسكب فوقه الماء لحد الانغمار لإتمام عملية السلق.

تتراوح مدة السلق بين الثلاث إلى أربع ساعات، وذلك تبعا لنوع القمح وقساوته، وبعد تفتح حبات القمح وانتفاخها تخفف النار، ويترك القمح يغلي رويدا فوق نار هادئة، وتغطى السليقة بقطعة من القماش لبعض الوقت لاستكمال مرحلة النضج عبر البخار، وبعدها تفرغ السليقة من الحلة وتنشر على سطح المنزل لثلاثة أيام متتالية مع مراعاة تقليبها وتعريضها لأشعة الشمس، لتجف حبات القمح بشكل تام

السيدة ام شعبان وهي منذ حوالي الأربعين سنة يسلقون القمح ليعملوا البرغل اخبرتنا: أنه وبعد انتهاء حصاد القمح وجمع الموسم نقوم بتحضير قسم من المحصول للسليقة ومنذ ساعات الصباح الباكر تبدأ التحضيرات حيث يتم تنظيف القمح من الحصى الصغيرة والأتربة بعدها يغسل القمح بالماء لعدة مرات حتى ينظف تماما ثم تأتي عملية سلق القمح بواسطة الحلة الكبيرة وهي عبارة عن وعاء من الحديد يوضع القمح فيها وتضاف إليه كمية من الماء ويوقد تحتها الحطب وتحرك فترة الغليان حتى لا يلتصق القمح بالحلة، وتستمر عملية الغلي حتى درجة النضج ليتم نقله فيما بعد الى سطح المنزل لتعريضه لأشعة الشمس ويترك فترة حتى ينشف ويجف من الماء وبعدها يؤخذ الى المطحنة ليجرش ويحول الى برغل.

السيد الأستاذ المتقاعد أبو حبيب أوضح لنا: ان عملية إعداد البرغل، تبدأ بجمع السليقة عقب جفافها، وفي هذه المرحلة لا بد من إعادة غربلة القمح المسلوق مجددا من أجل ضمان نقائه وخلوه من أي شوائب قد تنجم عن عملية السلق والتجفيف، ليتم تعبئته بأكياس وإرساله للجرش (الطحن) في المطحنة

بعد إتمام عملية الجرش، نقوم بفرز القمح المجروش بواسطة (الغربال) إلى ثلاثة أنواع مختلفة وهي: برغل المؤونة بنوعيه (الناعم والخشن)، وهذا النوع يصبح جاهزا للطبخ والتخزين فور جفافه وإضافة قليل من الملح الخشن إليه، وايضا البرغل الناعم جدا يستخدم في صناعة (الكبة) وبعض الحلويات المحلية.

السيد أبو يحي وهو موظف متقاعد أضاف: ان عملية إعداد وتحضير السليقة لا تنحصر على مشاركة الجيران والأقارب فحسب، وإنما تشكل عيدا للأطفال الذين يتجمعون حول الحلة وبحوزتهم صحون صغيرة، بانتظار تناول حصتهم من السليقة ثم يضيفوا إليها السكر او الملح، ليتلذذ الأطفال أكثر بنكهتها. طقوس السليقة لا تكتمل دون ضحكات الأطفال الذين يتجمعون حول الحلة وبحوزتهم صحون صغيرة بانتظار تناول حصتهم المحلاة بالسكر.