حماة/ جمانة الخالد
تعلّمت أم عبدو (42) عام، مهنة صناعة القش من والداتها، لتحافظ على واحدة من المهن القديمة التي شارفت على الاندثار بكثير من الحرفية والإبداع.
أم عبدو، امرأة من بلدة الشيحة غربي حماة، والتي توفي زوجها نتيجة حادث تعرّض له أثناء عمله في معمل للرخام، ولديها أربعة أولاد أكبرهم في السادسة عشر من عمره، وجدت نفسها مجبرة على إعالة أولادها، فما كان منها إلا أن بدأت باستثمار هذه الحرفة.
تقول المرأة أنها تعلمت مهنة صناعة القش من والدتها قبل أن تتزوج، وتعمل الآن بصناعة أدوات من القش وتبيعها في أسواق حماة، المرأة الأربعينية وجدت في هذه المهنة منفذاً لتأمين قوت يومها ومهرباً من قسوة الواقع الذي تعيشه.
بدأت أم عبدو بصناعة الأدوات، واعتمدت على مهارتها وإبداعاتها بصناعة أشياء جديدة من القش، بعيدة نوعًا ما عن التراث، تحاول المرأة أن تضفي شيئاً من فنها، وتقول أنها بدأت بتعليم بعض النساء على هذه المهنة، حتى يمكنهن الاعتماد على أنفسهن.
وعن أنواع القش المستخدم في هذه الصناعة، أوضحت أم عبدو أنها عبارة عن نوعين، قصل طبيعي يتم استحضاره من سنابل القمح والشعير، وقصل صناعي ينتشر في الأسواق ومعامل الحصر.
يتم نقع القصل الطبيعي بالماء قبل ساعتين من استخدامه لترطيبه، ثم لفه بمنشفة ليكون جاهزًا للبدء بالعمل، ويمكن صباغة القش بألوان متعددة وفق الرغبة والطلب، واستخدام زخارف ورسوم وكتابات متنوعة على الأطباق، ما يعطيها منظرًا مميزًا.
ويُستخدم في نسج أطباق القش مخرز أو مسلة، وهي عبارة عن خشبة وُضع في رأسها مسمار مبرود، وتستخدم حشوة من ذات القصل، وتحتاج هذه الصناعة إلى كثير من الدقة والحس الفني، والتحلي بالصبر الذي تطلبه مزاولة هذه الحرفة.
وتعتمد عليه مصدرًا للدخل بعد زيادة الطلب على إنتاجها الفريد والمميز، وتعتبر صناعة القش من المصنوعات التراثية التي اشتهرت به مدينة حماة وريفها، لكنها مهددة بالاندثار مع تطور الصناعات وأنماط الحياة، غير أن حنين البعض إليها، وإقباله على تعلمها وعلى شرائها، أعاد لتلك الحرفة أهمية مضاعفة، خصوصًا لاعتمادها على مواد أولية بسيطة يمكن تأمينها من البيئة المحلية.
أم عبدو تجد في هذه المهنة متنفساً عن الواقع السيء، وحقلاً للتنفيس عن حزنها الذي تعانيه، والأهم من ذلك أنها بدأت تعتمد عليها في الإنفاق على أطفالها الأربعة الأيتام.
” تعلمت المهنة في البداية كنوع من الشغف، وكنت أتخبط بكيفية تدبير أموري مع أطفالي، وأنا لا أملك الخبرات أو المهارات أو الشهادات التي تساعدني في إيجاد عمل ما، غير أن تعلمي لمهنة القش شكّل لي بداية جديدة”.
وما لفت انتباه أم عبدو هو الإقبال اللافت على شراء منتجاتها من قبل أصحاب المحال التراثية، ممن يفتقدون لهذه الأواني، ويدفعهم لاقتنائها.
ومع تردي الأوضاع المعيشية، وانتشار الفقر والغلاء وانعدام الفرص، تندفع الكثيرات لتعلم المهن التقليدية التراثية التي لا تحتاج إلى رأس مال كبير، وإنما أدوات بسيطة، وبعض الحرفية والمهارة، لينتجن أدوات فنية فريدة تشكّل مصدر رزق لهن يغنيهن عن الحاجة والسؤال.