لكل السوريين

حقيقة المعارضة السورية (2)

قوى الهيمنة العالمية كانت تتوقع أن النظام السوري لن يصمد كثيراً، وخاصة أن تلك القوى كانت صاحبة خبرة في إدارة هذا النوع من الأزمات من خلال الثورات الملونة في أوروبا الشرقية، وكذلك في العالم العربي في كل من تونس ومصر وحتى في ليبيا. ولكن التجربة السورية كانت مختلفة. فالنظام السوري يعتمد على العديد من الأجهزة الأمنية التي لها باع طويل في قمع الشعب وأية بوادر تطالب بالحقوق أو الديموقراطية. ثانياً ظهر للشعب السوري أن الإخوان المسلمين هم الذين يكمنون خلف الحراك أو الثورة، وهو التيار الذي لا يحبذه السوريون حتى ولو جاؤوا بلباس أخر.

ذكرنا سابقاً أن بعض الأطراف كانت مستعدة للمستجدات واتخذت تدابيرها لكافة الإحتمالات، وتركيا التي أقنعت القوى التي تتطلع إلى التغيير في سوريا لتجعل من تركيا رأس حربتها، وإستطاعت إخفاء مآربها وأهدافها الإستراتيجية التي تتطابق في بعض جوانبها مع توجهات قوى الهيمنة، هي التي اتخذت كافة التدابير اللازمة. ولهذا إختارت تركيا مدينة “عينتاب” لتكون مركزاً تدار منها كافة الأنشطة المتعلقة بسوريا، وإختارت “انطاكيا” لتكون مركزاً للأنشطة العسكرية. الخليج العربي وفي مقدمته قطر فتحوا فوهة كيس النقود إلى آخر مدى. وبذلك باتت الأبواب مفتوحة أمام الشاطرين، إنطلاقاً من ذهنية “حلال على الشاطر” التي هي من إفرازات تربية حزب البعث.

ومن التدابير التركية هو تكليف إستخباراتها “MIT” بالتعامل مع المعارضة السياسية، والإستخبارات العسكرية “JITEM” مع الفصائل المسلحة. ومنظمات مدنية مثل “KIZILAY” و “AFAT” و”IHH” للتعامل مع المنظمات الإغاثية، وبدأت بإنشاء مخيمات اللجوء على الحدود السورية قبل أن يكون هناك لاجئين. وعندما بدأ اللجوء بتشجيع من عملاء تركيا بدأ الفرز، فمن أراد التوجه إلى أوروبا تولت عصابات تهريب الأشخاص المرتبطين بالإستخبارات شأنهم، ومن أراد الإنضمام إلى الفصائل المسلحة تولت الإستخبارات العسكرية شأنهم. كل مؤتمرات المعارضة كانت تجري بإيعاز وإشراف من تركيا عن طرق الإخوان المسلمين سواء كانت في القاهرة “مرسي” أو تونس “الغنوشي”. ثم تكالب الشاطرون السياسيون من تجار الحروب والسلاح على المال السائب، وكذلك الذين حملوا السلاح وضمت القائمة أسماء من يتقاضى الرواتب من قطر أربعمائة ألف اسم حسب إعترافهم.

الدول المعنية بسوريا مدت يدها إلى المعارضة أيضاً، فكل دولة أو جهة معنية تعمل على تمرير سياساتها، ولهذا فالذين تم تكليفهم من لجان وأفراد كانوا “لإدارة الأزمة” وليس لحلها. وهؤلاء قاموا بخلق إمتدادات لهم داخل المعارضة. قليل جداً من المعارضة التي كانت تملك القيم والمبادئ، وتنتمي إلى صميم الشعب السوري وتشعر بمعاناته السابقة واللاحقة لم ينزلقوا إلى تلك الألاعيب، وهكذا تشكلت منصة موسكو ومنصة القاهرة ومنصة الرياض، ولكل منصة مجموعاتها وعواميدها. أما على الصعيد العسكري فحدث ولا حرج. قبل كل شيء كل الفصائل تطالب بإنشاء خلافة إسلامية ابتداء من المعتدلين أي الفصائل المرتبطة بالإخوان مباشرة، وصولاً إلى الفصائل السلفية والجهادية المرتبطة بالقاعدة وداعش.

الأمر الملفت أن المعارضة المسلحة لم تعترف ولم تقبل يوماً بالمعارضة السياسية على أنها تمثلها. والشرخ لا زال قائماً رغم محاولات التقريب والترقيع، مع أن ولي الأمر واحد. فبقي من في الخارج يتقاضى راتبه ومصاريفه ويترنح بين جنيف واستانبول، وبقيت المعارضة المسلحة تكر وتفر حسب مصدر رزقها. مرة تراهم في دمشق ومرة أخرى في حلب وأخرى يحاربون الكرد في عفرين ثم يتوجهون إلى ليبيا والقوقاز وحتى الصومال.

حمد بن جاسم القطري صرح في أحد لقاءاته في الإعلام أنهم صرفوا “137” مليار دولار على سوريا، وأوروبا تتحدث عن “40” مليار دولار كإعانة لللاجئين السوريين ماعدا أموال الإغاثة عن طريق منظمات المجتمع المدني أو المعونات العينية التي لا تدخل حسابات الدول. أين ذهبت كل هذه الأموال؟

كل هذه الأموال تقاسمها “الشطار” السوريون والشطار الأتراك والمافيا الدولية التي تاجرت بالسلاح الروسي الخردة من أوروبا الشرقية وأوصلتها إلى داعش ومشتقاتها بالقطارات التركية.

معارضة من هذه الشاكلة لن تفكر بالشعب السوري ولن تحقق شيئاً للشعب السوري، وهي وفصائلها الجهادية أبعد ما تكون عن الثورة السورية وتطلعات الشعب السوري. وللعلم كل من ينتمي إلى الإئتلاف وهيئة المفاوضات واللجان الدستورية يتقاضون رواتب طائلة، ومن المؤكد لوانقطعت رواتبهم سيتخلون عن مهامهم فوراً.

تلك كانت الخطوط العريضة أما التفاصيل فتثير الإقياء. الله يكون في عون الشعب السوري.