لكل السوريين

محافظة درعا.. اشتباكات واسعة وعنيفة قد تعيد المنطقة إلى المربع الأول

شهدت معظم أرجاء محافظة درعا اشتباكات واسعة تعتبر الأعنف والأكبر منذ أن سيطرت قوات الحكومة السورية على المحافظة بعد اتفاقيات التسوية والمصالحة التي تمت عام 2018.

كما شهدت المحافظة توتراً أمنياً شديداً بعد قيام قوات عسكرية بمحاولة اقتحام أحياء درعا البلد، مستخدمة المدرعات والدبابات والمدفعية، مما أدى إلى اندلاع اشتباكات في محيط المنطقة.

وهو ما اعتبرته الفصائل المحلية الخاضعة للتسوية خرقاً لاتفاقية التسوية والمصالحة، وبدأت بالانتشار في معظم المدن والبلدات، والاشتباك مع القوات العسكرية والأمنية، في محاولة لتشتيت قوات النظام وفك الحصار عن المدينة، وسيطرت على حواجز ونقاط أمنية وعسكرية، واشتبكت مع حواجز أخرى، مما أسفر عن سقوط قتلى وجرحى من الفصائل والجيش والقوى الأمنية.

وكانت الاشتباكات التي حدثت في محيط مبنى الري في المنطقة الواقعة بين بلدتي المزيريب واليادودة غربي درعا، من أعنف الاشتباكات، حيث قتل فيها أربعة من المقاتلين المحليين، بينهم قيادي.

فيما شهدت بلدة اليادودة مجزرة قتل فيها خمسة أشخاص، منهم ثلاثة أطفال وامرأة، بسبب انهيار منزلهم إثر سقوط قذيفة عليه، وقد تم انتشال آخرين من تحت الأنقاض.

وفي ظل هذا التصعيد استمرت مساعي لجان التفاوض لإيقاف الحملة العسكرية وخفض التصعيد، ونسبت مصادر محلية إلى هذه اللجان قولها إن اللجنة الأمنية التابعة للسلطات السورية وافقت على وقف الحملة العسكرية على درعا البلد، وإعطاء مهلة لتلبية مجموعة من المطالب، أحدها تهجير مجموعة من المقاتلين المحليين إلى الشمال السوري.

خرق اتفاق التسوية

عادت أجواء الحرب إلى المحافظة بعد محاولة الفرقة الرابعة وتشكيلات عسكرية أخرى، اقتحام مدينة درعا البلد من عدة محاور.

وقالت مصادر إعلامية محلية، إن الجيش استهدف درعا البلد وبلدات أخرى بقصف مدفعي، أدى إلى اندلاع مواجهات في العديد من قرى وبلدات المحافظة، بين الفصائل المحلية المسلحة، وعناصر الجيش والقوى الأمنية.

وأشارت المصادر إلى أن محاولة اقتحام درعا البلد جاءت بعد فشل جولات مفاوضات اللجنة المركزية، مع للجنة الأمنية التي تطالب بتسليم السلاح الخفيف، وإجراء تسويات للمطلوبين، وتهجير أشخاص إلى شمال سوريا، ونشر نقاط عسكرية داخل المدينة.

وقد تم التوصل إلى اتفاق بين اللجنتين قبل أيام من محاولة الاقتحام، إلا أنه تم نقض هذا الاتفاق، وتبادل الطرفان الاتهامات حول المسؤولية عن نقضه.

وذكرت مصادر إعلامية أن تجدد الاشتباكات والقصف المدفعي من الجيش على مناطق متفرقة في المحافظة، أدى إلى سقوط ضحايا من المدنيين، كما قتل مسلحون محليون من أبناء المحافظة خلال الاشتباكات، فيما وردت معلومات عن احتجاز العشرات من عناصر الجيش السوري من قبل الفصائل المحلية المسلحة.

السيطرة على الحواجز

سيطر مقاتلو القرى المنتفضة في درعا على معظم الحواجز في الريفين الغربي والشرقي، خلال مواجهات الهجمة العسكرية التي تشنها قوات النظام السوري على درعا البلد.

وأفادت مصادر محلية أن مقاتلين من أبناء ريف درعا هاجموا حواجز تابعة لقوات النظام، مما اسفر عن سيطرتهم على غالبية تلك الحواجز، وتكبيدهم خسائر كبيرة لقوات النظام خلال التطورات المتسارعة الأخيرة.

وبدأ مقاتلو أرياف درعا بالسيطرة على حواجز الفرقة الرابعة بريف درعا الغربي، ومنها حاجز الري الواقع بين بلدتي المزيريب واليادودة بريف درعا الغربي، ومعسكر الصاعقة العسكري، في بلدة المزيريب.

ثم تمت السيطرة على حاجز الكهرباء غربي مدينة طفس، وحاجز زيزون بريف درعا الغربي، وحاجز الأمن العسكري في بلدة الشجرة في حوض اليرموك غربي درعا، وحاجز البكار بين بلدتي تسيل والبكار بالريف الغربي.

كما شهد الريف الشرقي لدرعا تصعيداً لافتاً من قبل مقاتلي المنطقة لتخفيف الضغط عن درعا البلد المحاصرة، وتزامن مع الأعمال العسكرية في الريف الغربي، حيث استولى المقاتلون المحليون على دبابة من حاجز أم المياذن شرقي درعا، وسيطروا على حاجز الأمن العسكري في بلدة صيدا بريف درعا الشرقي.

وامتدت المعارك إلى بلدة كحيل المحاذية لصيدا، حيث سيطر المقاتلون على حواجزها، كما سيطر أبناء مدينة الحراك على الحواجز العسكرية في المدينة الواقعة شرقي درعا.

وشهدت بلدة النعيمة، التي تحاذي مدينة درعا من جهة الشرق، سيطرة مقاتلي المنطقة على حواجز الرادار، والسرو، ومزرعة النعام.

كما سيطر المقاتلون على بلدتي الغارية الغربية، والغارية الشرقية.

مفاوضات دون جدوى

بعد التصعيد العسكري في درعا البلد، ودخول قوات عسكرية إلى الأحياء السكنية على شكل مجموعات، لتثبيت النقاط التي تم الاتفاق عليها، وعودة هذه القوات لاستهداف حي البحار بقذائف الهاون، ومواجهتها بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة، وانسحابها من المنطقة، حسب مصادر محلية.

عقدت جولة جديدة من المفاوضات في الملعب البلدي بمدينة درعا، بين اللجنة الأمنية من جهة، واللجان المركزية ووجهاء من منطقة درعا البلد من جهة أخرى، وحضر هذه الجولة أعضاء من اللجان المركزية في المنطقة الشرقية، وقيادات من اللواء الثامن التابع للفيلق الخامس للمشاركة بالمفاوضات.

ولم تحقق هذه الجولة نجاحاً يذكر بسبب عدم قبول لجان التفاوض لشروط اللجنة الأمنية، ومن أبرزها الإصرار على وضع تسعة حواجز ونقاط عسكرية داخل أحياء درعا البلد.

ومع أن اللجان المسؤولة عن التفاوض لم تصدر بيانات حول بنود المفاوضات، أو ما تم التوصل إليه من اتفاقات، إلّا أن مصادر محلية مطلعة تحدثت عن نتائجها، وأكدت عدم نجاحها، وأشارت إلى موافقة اللجان على شرط تم وضعه سابقاً ويقضي بالتحاق المنشقين والمتخلفين عن الخدمة العسكرية خلال مدة أقصاها 15 يوماً، بعد إجرائهم للتسوية.

تضامن مع درعا البلد

بعد التصعيد العسكري في درعا البلد، والاشتباكات العنيفة والواسعة في محافظة درعا، صدر بيان عن أهالي المدينة يوضح التطورات الأخيرة، ويطالب بترحيل الأهالي إلى مكان آمن.

وقد تم توقيع هذا البيان باسم عشائر درعا، وتداولته العديد من صفحات التواصل الاجتماعي، وصفحات بعض وجهاء درعا.

وجاء في البيان “نحن أهالي مدينة درعا شيباً وشباباً صغاراً وكباراً، كنا ومازلنا دعاة سلم لا نرغب بالحرب أبداً، وخلال الأيام الماضية، أبرمنا اتفاقاً مع النظام السوري لحقن الدماء، ويؤمن الناس ويحفظ كرامتهم”

وحول التطورات الأخيرة جاء فيه “تفاجأنا صبيحة هذا اليوم بنقض بنود هذا الاتفاق، وباغتنا النظام باقتحام واسع لمحيط درعا البلد، سقط خلال ذلك شهيدان مدنيان، وعدة جرحى، وما زال القصف مستمراً لغاية تحرير هذا البيان”.

واختتم البيان باقتراح حل مستهجن حيث قال “ونظراً لأننا نرفض القتل لغيرنا والموت لأنفسنا، وأننا التزمنا بتنفيذ بنود الاتفاق، فأننا نحن أهالي مدينه درعا، نطالب بترحيلنا إلى مكان آمن، لتجنب الحرب التي ستكون ويلاً علينا، والله المستعان على ما يصفون”.

وكانت عشائر الريف الجنوبي من درعا قد أعلنت، وقوفها مع مدينة درعا البلد في مواجهة الحملة العسكرية لقوات النظام.

وقال “تجمع عشائر البدو في المنطقة الجنوبية واللجاة” في بيان له “إن تجمع العشائر يعلن وقوفه مع مدينة درعا البلد والمناطق المحيطة بها”.

وذكر البيان أن العشائر الجنوبية تعلن براءتها من جميع أبنائها الذين انتسبوا لقوات النظام السوري أو قاتلوا في صفوفه، مؤكدة على الحقوق المشروعة لأبناء درعا البلد بتلبية جميع مطالبهم من قبل النظام السوري، حسب البيان.

وفي محافظة السويداء المجاورة، أعلنت الهيئة الاجتماعية للعمل الوطني بالسويداء، وهي تكتل مدني معارض، التضامن والوقوف مع أهالي محافظة درعا، ضد ما وصفته بالعدوان الغاشم والحصار الجائر.

وجاء في بيان الهيئة الذي نشرته عبر الفيس بوك  “لا زال النظام وأجهزته القمعية يعمل ما في وسعه تنكيلاً وقتلاً وتدميراً لما تبقى من السوريين الرافضين لكل أشكال الهيمنة والاحتلالات وعلى رأسه الغزو الروسي ومرتزقته”.

وأضاف “كما دأب على خنق الأصوات المطالبة بالحرية، وكان آخرها الحصار والقصف الذي طال البشر والحجر لأهلنا في درعا”.

واعتبرت الهيئة في بيانها، أن القصف العنيف على درعا البلد والمناطق الأخرى، ما هو إلا لتدمير البيوت فوق رؤوس ساكنيها، “ضاربين بعرض الحائط كل القوانين والأعراف والمواثيق الدولية”.

وناشدت “كل الشرفاء والأحرار في هذا العالم والمنظمات الدولية والانسانية للعمل على وقف هذا النزيف للدم السوري”.

بوادر تهدئة

بعد سماعهم أخبار لجان التفاوض، وأقوال محافظ درعا، وتصريحات ضباط اللجنة الأمنية، حول التوصل إلى حلول من شأنها أن تفضي للتهدئة والحل السلمي، وتأكيدات مصادر من لجان التفاوض، بأن اجتماع اللجان المركزية في المنطقة الغربية والشرقية ولجنة درعا البلد من جهة، مع ضباط اللجنة الأمنية في مدينة درعا من جهة أخرى، كانت إيجابية والأمور تتجه إلى الحل السلمي سريعاً.

عاد العشرات من أهالي درعا البلد إلى منازلهم.

وتم إطلاق سراح العساكر والضباط الذين كانوا محتجزين لدى المقاتلين المحليين بريفي درعا الشمالي والغربي، وفي العديد من قرى المنطقة الشرقية من محافظة درعا، بعد وساطات من وجهاء المنطقة، ومن قيادات في اللواء الثامن التابع للفيلق الخامس.

كما تم سحب العديد من الآليات الثقيلة والعناصر التي يتبع معظمها للفرقة الرابعة من معظم النقاط في درعا البلد، ومن المنطقة الغربية والشمالية الشرقية.

وأعلنت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، استئناف امتحانات كليات فرع جامعة دمشق في درعا، وكذلك امتحانات المعاهد التقانية التابعة للمجلس الأعلى للتعليم التقاني في المحافظة وفق البرنامج المحدد لها بعد أن أعلنت قبل ساعات، تعليق الامتحانات في مختلف كليات فرع  جامعة دمشق في مدينة درعا، لحين استقرار الوضع الأمني.

يشار إلى أن قوات النظام والمليشيات الموالية لها فرضت في الخامس والعشرين من شهر حزيران الماضي، حصاراً على درعا البلد، التي يقطنها أربعون ألف نسمة، بعد رفض الفصائل المسلحة تسليم السلاح الخفيف، باعتباره مخالفاً للاتفاق الذي تم بوساطة روسية عام 2018، ونص على تسليم السلاح الثقيل والمتوسط فقط.

ويذكر أن هذه الاشتباكات العنيفة والواسعة في محافظة درعا، تشير إلى نقاط في غاية الأهمية،

حيث تثبت مجداً هشاشة الوضع السوري، وقابليته للانفجار في أي وقت، وربما إعادته لنقطة الصفر، بعد أعوام من المصالحات والتهدئة.

كما تشير إلى أن المسلحين الذين قبلوا المصالحة مع النظام، وتسليم الأسلحة الثقيلة، والبقاء في مناطقهم مع سلاحهم الخفيف، لم يسلموا كل الأسلحة الثقيلة آنذاك، حسب ما نصّت عليه اتفاقيات المصالحات والتسوية.

وإلى أن رفض مقاتلين متطرفين الخروج إلى مناطق الاحتلال التركي في شمال البلاد، أسهم إلى حد كبير في إشعال فتيل هذه الجولة من الاشتباكات العنيفة.

ولا يستبعد المتابعون للشأن السوري وجود أياد خارجية تعمل على توتير الوضع في جنوب سوريا مجدداً، بهدف إعادة خلط الأوراق، وتوتير الأوضاع أكثر في مناطق البلاد الأخرى.