لكل السوريين

أزمة نقل ملكيات المركبات في اللاذقية… تعطيل إداري يفاقم الأعباء الاقتصادية والقانونية

اللاذقية/ سلاف العلي

منذ عدة أشهر، يواجه المواطنون في محافظة اللاذقية ومدنها أزمة متواصلة تتمثل في توقف عمليات نقل ملكية المركبات، ما أدى إلى تفاقم مشكلات اقتصادية وقانونية باتت ترهق كاهل الأفراد، وتلقي بظلالها السلبية على حركة السوق المحلية، وخصوصاً سوق السيارات المستعملة.

ويعود السبب الرئيسي لهذا التوقف، بحسب متابعين، إلى خلل كبير في النظام الإداري والفني الذي يرافق هذه العمليات، دون وجود مبررات أمنية أو طارئة تستدعي هذا التوقف. فالأزمة ناتجة عن أسباب تنظيمية وفنية بحتة، يأتي في مقدمتها عدم كفاية رخص السير التي تُصنع بعد سقوط النظام البائد، إضافة إلى أعطال في نظام الدفع الإلكتروني، وضعف التنسيق بين الجهات المعنية، وعلى رأسها وزارات النقل والمالية والداخلية.

ورغم ما أعلنته الجهات المختصة من إجراءات وخطوات لمعالجة هذه المشكلات، إلا أن آثار التوقف لا تزال واضحة في حياة المواطنين، الذين يواجهون يومياً صعوبات في إتمام معاملات بيع وشراء مركباتهم. وقد أدى هذا التوقف إلى ظهور نزاعات قانونية نتيجة عقود بيع لم تُستكمل رسمياً، بالإضافة إلى خسائر مادية ناتجة عن تقلبات أسعار السيارات، في ظل عجز المواطنين عن شراء مركبات جديدة نتيجة تراجع القدرة الشرائية، واعتمادهم المتزايد على سوق السيارات المستعملة، الذي يعاني بدوره من حالة شلل شبه تام.

سوء الإدارة وغياب التخطيط

المحامية إيمان إسماعيل، وهي من سكان مدينة اللاذقية، أوضحت أن الأزمة تعود في جانب كبير منها إلى “سوء التنظيم والإدارة”، بدءاً من قرار السماح باستيراد كميات ضخمة من السيارات دون توفير البنية الإدارية والفنية اللازمة لاستيعاب هذا الكم، مروراً بعدم وجود تنسيق فعّال بين الجهات الحكومية المعنية، وصولاً إلى غياب خطط طوارئ بديلة، كأنظمة دفع بديلة أو حلول إدارية مؤقتة.

وتشير إسماعيل إلى وجود آلاف الشكاوى المرتبطة بهذا التوقف، حيث باتت العلاقات بين البائع والمشتري محكومة بمشكلات قانونية ناتجة عن بيع وشراء غير مكتمل بسبب تجميد نقل الملكية. وتؤكد أن عودة نظام الدفع الإلكتروني لم تحل الأزمة بشكل جذري، إذ لا تزال القضايا الأساسية بحاجة إلى تحرك فعلي، لاسيما فيما يتعلق بربط المديريات وتفعيل العمل على نطاق شامل يشمل المركبات المسجلة في محافظة اللاذقية، مع وجود مطالبات واسعة بإصلاح آليات التنسيق بين الجهات الرسمية، واتخاذ قرارات أكثر فعالية تعيد الثقة في المنظومة الإدارية.

من جانب آخر، ظهرت مشكلة قانونية معقدة تتعلق بتشابه الأسماء ونقص البيانات الشخصية، والتي تسببت بإيقاف عمليات نقل ملكية السيارات. حيث أكد مواطنون أن هذه المشكلة قائمة منذ قرابة العام، وتكمن في أن الاسم الذي يصدر بحقه قرار حجز على الأموال المنقولة أو غير المنقولة، يظهر ثلاثياً فقط دون اسم الأم أو معلومات شخصية إضافية، ما يؤدي إلى توقف عملية نقل الملكية لأي شخص آخر يحمل الاسم نفسه، حتى وإن لم يكن هو المقصود بالحجز.

ويضطر المواطنون في هذه الحالات إلى استخراج ورقة “عدم مقصودية” من مديرية النقل في المحافظة التي صدر فيها قرار الحجز، الأمر الذي يتطلب السفر أحيانًا إلى محافظات أخرى، نتيجة تأخر الرد عبر البريد الإلكتروني أو إهماله من قبل الموظفين.

هذا الواقع، وفقاً لشهادات المواطنين، فتح الباب واسعاً أمام انتشار الفساد والرشاوى والسمسرة، حيث يقوم بعض الموظفين بطلب مبالغ مالية لتسريع المعاملات، في حين يعرض بعض التجار في المحافظات الأخرى إرسال الورقة المطلوبة مقابل مبالغ مالية، مستغلين غياب الرقابة وتأخر الإجراءات الرسمية.

كما تبين أن قاعدة بيانات قرارات الحجز تضم عدداً كبيراً من الأسماء التي تفتقر إلى معلومات كاملة، على الرغم من وجود قرار رسمي يمنع تعميم أي قرار حجز ما لم يكن متكامل البيانات، ما يزيد من تعقيد المسألة القانونية والإجرائية.

وفي سياق متصل، أوضحت المحامية أن نقل ملكية السيارة من البائع إلى المشتري يتطلب استعلاماً عن أي قرارات حجز على الأموال المنقولة وغير المنقولة للبائع، وفي حال كان مشمولاً بالحجز، تتوقف العملية فورا. وأضافت: “كنا نعالج بعض الحالات الفردية داخل المحافظة، لكن المشكلة اليوم أصبحت جماعية ومعقدة، لا سيما بعد ضياع أو تلف عدد كبير من الأضابير في مديريات النقل في بعض المحافظات نتيجة الأوضاع الأمنية السابقة، وهو ما يجعل الحصول على وثيقة عدم المقصودية أمراً بالغ الصعوبة”.

وتابعت: “هناك أيضاً موظفون يستغلون هذه الثغرات للقيام بتلاعبات وأعمال فساد، من خلال قبض رشاوى مقابل تسريع المعاملات أو تجاوز بعض الإجراءات”، مؤكدة أن إعادة تفعيل خدمة نقل ملكية المركبات، التي كانت متوقفة منذ سقوط النظام البائد، لم تواكبها إصلاحات تنظيمية وقانونية جذرية، ما جعل آثارها الاقتصادية والقانونية أكثر سلبية على المواطنين.

مطالب بالإصلاح الشامل

وفي ظل تفاقم الأوضاع، يطالب المواطنون والحقوقيون بضرورة اتخاذ إجراءات حاسمة لإصلاح النظام الإداري، وتفعيل الربط الإلكتروني الكامل بين مديريات النقل، ومعالجة مشكلة نقص البيانات، وتحديد المسؤوليات فيما يتعلق بتأخير المعاملات والفساد الإداري. كما يدعون إلى إعادة تنظيم العمل الإداري بما يكفل تقديم خدمات فعالة وشفافة، وتوفير حلول بديلة سريعة وموثوقة لحالات النزاع أو التعطيل.

ويبقى المواطن في اللاذقية، في ظل هذا الواقع، عالقاً بين أزمات متراكمة، وسط غياب واضح للإرادة الجادة في المعالجة، ما يعمّق فقدان الثقة بالمنظومة الإدارية، ويزيد من حالة الاحتقان الاجتماعي والاقتصادي في المحافظة.