بدأت الهيئة الوطنية للمفقودين في سوريا أولى خطوات عملها رسمياً بالإعلان عن انطلاق مرحلة التوثيق والبحث، وذلك خلال لقاء جمعها بهيئة العدالة الانتقالية وعدد من عائلات المفقودين والمفقودات، نُظم مساء الأحد في مطعم “أليسار” بمنطقة باب توما في دمشق القديمة. ويعد هذا اللقاء أول ظهور علني لرئيس الهيئة الوطنية للمفقودين، محمد رضا جلخي، منذ صدور مرسوم تأسيس الهيئة قبل نحو شهر ونصف.
رئيس الهيئة، محمد رضا جلخي، أكد خلال كلمته أن اللقاء يمثل “بداية حقيقية لمسار طويل وشاق”، مشيراً إلى أن عمل الهيئة ينطلق عبر خطة وطنية مكونة من ست مراحل تبدأ بالاستماع لعائلات المفقودين وتنتقل إلى البحث والتوثيق، وصولاً إلى الدعم والمساءلة. ولفت إلى أن الهيئة شكّلت فريقاً استشارياً من خبراء وطنيين ودوليين، مهمته أن يكون صوت العائلات حاضراً في جميع مراحل العمل واتخاذ القرار.
وأوضح الجلخي أن الهيئة لن تنجح من دون تعاون الجميع، بما في ذلك العائلات، والمجتمع المدني، والحكومة، والشركاء الدوليون، مؤكداً على التزام الهيئة بالشفافية الكاملة، والتشاركية، وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي والقانوني للعائلات، قائلاً: “نعدكم أن تُروى قصص المفقودين ولا تُنسى… فالقصة التي لا تُروى تموت مرتين”.
الهيئة الوطنية للمفقودين تأسست بموجب المرسوم رقم 19 الصادر في 17 أيار/مايو 2025، عن رئيس الحكومة الانتقالية أحمد الشرع، وتُعنى بالكشف عن مصير المفقودين والمختفين قسرياً، وجمع وتوثيق المعلومات المتعلقة بهم، إلى جانب إنشاء قاعدة بيانات وطنية، وتقديم الدعم القانوني والإنساني لعائلاتهم. وقد منح المرسوم الهيئة شخصية اعتبارية واستقلالاً مالياً وإدارياً، وكلف جلخي بتشكيل الفريق وإعداد النظام الداخلي خلال ثلاثين يوماً من صدور القرار.
في اليوم ذاته، صدر المرسوم رقم 20 الذي قضى بإحداث “الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية”، لتعمل على كشف الحقيقة حول الانتهاكات الجسيمة التي وقعت في سوريا، ومساءلة المتورطين، وتعويض الضحايا، في إطار المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية.
من جهته، أكد رئيس هيئة العدالة الانتقالية، اللواء عبد الباسط عبد اللطيف، أن مسار العدالة قد انطلق فعلياً، مشيراً إلى أن “محاكمة المجرمين بدأت عبر تقديمهم إلى القضاء”، وأن المساءلة لن تقتصر على فترة الثورة، بل ستمتد إلى ما قبلها، على مدار أكثر من خمسة عقود، تشمل مجازر وقعت في حماة وتدمر وجسر الشغور وغيرها.
وأوضح عبد اللطيف أن العدالة الانتقالية تعتمد على مسارين: الأول قضائي يشمل المحاكمات، والثاني غير قضائي يتضمن كشف الحقيقة، وجبر الضرر، وحفظ الذاكرة الوطنية، وإصلاح المؤسسات، وضمان عدم تكرار الانتهاكات. وكشف عن لقاءات عقدتها الهيئة مع أكثر من 40 منظمة محلية ودولية، وعن زيارات مرتقبة إلى جنيف ومحكمة الجنايات في لاهاي، دون ذكر تفاصيل إضافية.
اللقاء شهد تفاعلاً من عائلات المفقودين الذين رحّبوا بانطلاق عمل الهيئتين، لكنهم شددوا على ضرورة “عدم الاكتفاء بتشكيل الهيئات”، مطالبين بتسريع كشف مصير المفقودين والمعتقلين، خاصة من تم اعتقالهم على حواجز النظام السابق واختفوا قسرياً.
كما طالب عدد من الأهالي والمتابعين عبر مواقع التواصل الاجتماعي بالكشف عن مقار الهيئتين الرسمية، وإنشاء فروع لها في المحافظات، وهي معلومات لم تُنشر حتى الآن على المنصات الرسمية للهيئة الوطنية للمفقودين.
ويُعد ملف المفقودين أحد أبرز القضايا الإنسانية المطروحة بعد سقوط نظام بشار الأسد، إذ تُقدّر منظمات حقوقية عدد المفقودين بأكثر من 140 ألف شخص، معظمهم يُعتقد أنهم قضوا في معتقلات النظام ودفنوا في مقابر جماعية، لا تزال تُكتشف تدريجياً في مختلف أنحاء البلاد.