لكل السوريين

العبودية

صالح مسلم

مصطلح  مكروه خاص بالبشرية، يعبر عن الخنوع التام للإنسان بما لا يليق بالإنسانية، فما دام هناك عبيد يعني أن هناك أسياد في مجتمع ما. وتحويل البشر إلى عبيد مسار طويل معاش على مدى التاريخ البشري المكتوب، تطورت وسائله وأساليبه حسب تطور ذهنية الإستعباد ونفوذ احتكار السلطة والثروة لدى الذين يتحكمون بالمجتمعات.

بعد الحضارة النيوليتية التي تعبر عن الحرية والمساواة بين البشرية، سادت الحضارة السومرية التي اعتمدت العبودية أساساً لها من خلال الزيغورات التي مثلت طبقات المجتمع السومري على شكل كهنة (رهبان) وأعوانهم من الإداريين (السلطة) والعامة (العبيد). وكانت أول شكل للدولة في التطور البشري، ثم تطورت المفاهيم والهيكليات وصولاً إلى شكل أو هيكلية الدولة في عصرنا الراهن.

مع تطور العلاقات المجتمعية تطورت العبودبة ومفاهيمها أيضاً، فهناك فرق بين العبودية والأسر. العبودية تعني استسلام الفكر والإرادة، بينما الأسر يعني خنوع الإرادة والفعل دون قناعة في الفكر. ففي المجتمع السومري استطاع محتكرو السلطة والثروة إقناع عامة المجتمع بالوهية الرهبان وقدسية أدواتهم (السلطة)، بحيث بات المجتمع مقتنعاً بهذه الألوهية وقدسية أدواتها وأي خروج عن هذه الهيكلية (عباد الله) محكومة بالموت عقاباً أو جوعاً. أما الأسير فهو الذي غير المقتنع بهذه الهيكلية ويبحث عن البديل بفكره ويعمل على التخلص من سلب إرادته. ومثلما يمكن أن يكون الفرد أسيراً يمكن أن يكون المجتمع أسيراً لدى إحتكارات السلطة والثروة.

المسيرة البشرية بدأت بالصراع بين الخير والشر، وهذه الجدلية استمرت إلى يومنا الراهن وتطورت مفاهيم ومصطلحات كثيرة جداً إنطلاقاً من هذه الجدلية بل ونتيجة لهذا الصراع، مثلما ظهرت قيم فردية ومجتمعية عديدة مبررة لأحد طرفي هذه الجدلية سواء للخير أو للشر لدرجة أن الفرد العادي في عصرنا الراهن بات يخلط بينهما ولا يعلم هل ما يقوم به هو لصالح الخير أو هو يخدم الشر.

مفهوم العبودية أيضاً مع مرور الزمن تعرض للتغيير والتبديل والتغليف بحيث أصبح البعض يمارسها طوعاً وهو غير مدرك لعبوديته. فلدى السومريين كان الكهنة في الطبقات العليا يتحكمون بالمجتمع من خلال طبقة السلطة (الإداريين) الذين هم خلفاء للكهنة لدى مجتمع العبيد، أي أن الحاكم هو خليفة الإله على المجتمع، وقد يكون هذا الخليفة شخصاً (ملكاً أو رئيساً) أو سلطة متمثلة في دولة تتحكم بها فئة (مونارشية أو اوليغارشية أو حزباً سياسياً)، وكأن هذا أمر طبيعي للتطور البشري يجب التسليم به.

يبقى أن الإنسان هو الأساس والمجتمع البشري هو الذي أفرز هذه المفاهيم والمصطلحات ، والمجتمع البشري هو الميدان الذي يجري فيه هذا الصراع الأزلي بين الخير والشر أو الفضيلة والرذيلة. ومادام المجتمع باقياً ويتطور فذلك يعني انتصار الخير على الشر والفضيلة على الرذيلة. وبمعنى آخر صراع بين الحرية والإرادة الحرة من طرف واحتكارات السلطة والثروة وعبوديتها من الطرف الآخر.

في عصرنا الراهن باتت إحتكارات السلطة والثروة تمارس شتى أشكال ووسائل الأسر والإستعباد المبتكرة التي اكتسبت الخبرة عبر التاريخ على المجتمعات والأفراد في سبيل إستمرار سلطتها ونفوذها، فهي تضع المجتمع في الأسر من خلال أجهزة القمع والحروب وخلق الأزمات الاقتصادية، بحيث لا يجد المجتمع سوى اللجوء إلى أداته المتمثلة في الدولة وأجهزتها ملاذاً للبقاء، وعندها، يتم التحكم بالأفراد إما جنوداً في حروبها أو عبيداً للمال في خدمة أجهزتها ومكائدها أما من تبقى فيصبح هدفاً لألاعيبها وإغتيالاتها.

السبيل إلى تجنب العبودية والوقوع في شركها يمر عبر المجتمع الواعي المسيس المنظم الذي يلتزم بالمبادئ الأخلاقية التي تأسس عليها المجتمع البشري، فالمجتمع السياسي الأخلاقي المنظم هو الحصن الحصين للبشرية. وإحتكارات السلطة والثروة التي تسمى بالحداثة الرأسمالية تحاول تقويض هكذا مجتمع أينما وجد.

شاهدنا أمثلة بارزة على كل ماورد آنفاً على أرض الواقع في سوريا منذ عشر سنوات التي هي عمر الثورة السورية، ومعرفة هذه النماذج والإستدلال عليها يحتاج قليل من التمعن والتفكير العميق فيما مر علينا من أهوال ومصاعب، وما علينا سوى استنباط الدروس والعبر لنتمكن من عدم تكرارها، والعمل على توثيق الإرتباط بالقيم المجتمعية المثلى وتوثيق العلاقات المجتمعية الأصيلة النابعة من خبرة وتجارب الآباء والأجداد. وذلك هو سبيل الخلاص من براثن عبيد الدولار والسلطة.