لكل السوريين

يرحل من يرحل.. ممرضو الساحل بين الواقع المؤلم والحاجة الملحة

تقرير/ أ ـ ن

التمريض في مشافي طرطوس ومراكزها الصحية، هو قطاع منهك، بشكل إضافي بمنهجية حكومية متعمدة، يعاني من انهيار عام، وكأننا على مشارف كارثة صحية قرعت أجراس انذارها منذ سنوات عديدة، فالجهات الحكومية المعنية في طرطوس غير مكترثة بهول ما نحن عليه اليوم وما سيؤول إليه الوضع مستقبلا، وماضية بسياساتها التطفيشية المفقرة تحت شعار ليرحل من يريد الرحيل، انه قطاع حيوي مهم جدا وعلى مشارف التهلكة يتأرجح من بقي فيه على شفير الموت تعبا أو جوعا او الشحاذة دون أدنى حس بالرحمة أو الإنسانية، قطاع التمريض الهام الذي يعد بمثابة العمود الفقري للقطاع الصحي بات الآن منهكا، وذليلا ومن منسيات الحكومة، حاله حال العديد من القطاعات الهامة، لطالما ترافقت مهنة التمريض عبر العصور بالكثير من وصوف الإنسانية والرحمة، فمن ملائكة الرحمة إلى حمائم السلام وغيرها، دون تسليط الضوء على واقع هذه المهنة المتعب والخطير بآن معا.

تقول الممرضة سمر في مشفى صافيتا الوطن تقول: نحن العاملون بهذا القطاع هم الساعد الأيمن للأطباء، سواء في المستشفيات أو المراكز الصحية، ونستطيع القول بأنهم عصب القطاع الصحي دون مبالغة، مما يفرض عليهم واقع عمل مجهد، من العمليات إلى متابعة المرضى والتحاليل والضمادات والأدوية والمراقبة، ونظام مناوبات قاسٍ، وتضيف انه لا توجد لدينا لا أعياد ولا عطلا رسمية، والكثير الكثير من التعب والارهاق، إضافة إلى أننا الفئة الأكثر عرضة للأخطار المهنية، على اعتبار أننا الأكثر احتكاكاً بالمرضى وفي مواجهة مباشرة ومتواصلة ودائمة مع الأمراض المعدية والفتاكة، وهنالك عمل هائل من العمل الملقى على عاتقنا، وما يفترض وجوب انصافنا  بأبسط حقوقنا ، التي وللأسف باتت من منسيات الجهات المعنية، التي تعتبر مهنة التمريض خارج سلم أولوياتها.

السيد ماهر وهو ممرض قديم في مشفى الدريكيش يقول: لا يوجد توصيف وظيفي لمهنة التمريض، ولم يتم تشميلنا بالوجبة الغذائية الوقائية، رغم قيامنا بأعمال مجهدة، ولا حوافز، بالإضافة إلى طبيعة عمل خجولة لا تتعدى نسبة 4%، في حين أن فئات أخرى من العاملين في قطاع الصحة، كالأطباء وفنيي الأشعة والتخدير والصيادلة تصل طبيعة عملهم إلى 100% شهريا، إضافة إلى رواتبنا الهزيلة التي لا تسد الرمق، حالها كحال كل رواتب القطاع العام التي لا تغطي حاجة المواطن من طعامٍ وشراب وسكن، كذلك عدم وجود تمثيلٍ نقابي فاعل على الأرض، فوزارة الصحة لم تقم حتى اليوم بتفعيل نقابة التمريض، ولا استحداث صندوق تقاعد للممرضين، إضافة إلى كل البؤس أعلاه تأتي القرارات الحكومية الفذة لتزيد من معاناة هذه الفئة المنهكة والمستعبدة، وخير مثال على ذلك قرار وزارة التعليم العالي برفع الغرامة المفروضة على الممرضة الخريجة في حال عدم التحاقها بالعمل في المستشفيات العامة، إلى 7 ملايين ليرة، مع ملاحقة قضائية، كذلك شروط قبول الاستقالة أو النقل للمحافظة الأم، إلى جانب ذلك تم إيقاف قانون الأعمال المجهدة رقم ٣٤٦ لعام ٢٠٠٦ أي اعتبار السنة بالخدمة بسنة ونصف، أمام هذا الواقع الشنيع والحالك، وفي ضوء السياسات الحكومية التطفيشية والمورثة للموبقات، ومع غيابٍ كامل لأبسط الحقوق آلا وهو التقدير ، بات الممرض يعيش أياما سوداء مسدودة الأفق، يحاول جاهدا الهروب من واقعه القاتم الذي فرضته الحكومة، فأي جهد يبذله لا يسد الرمق.

نتيجة الواقع السيء الذي يعاني منه الممرضون، والذي دفعهم نحو التوجه باتجاه القطاع الخاص بداية، وحتى الاستقالة والهجرة خارج البلد بحثا عن فرصة عمل أفضل، الأمر الذي انعكس سلبا على القطاع الصحي بكل المحافظة، حيث شهدت السنوات الأخيرة هجرة واستقالة ما لا يقل عن 6000 ممرض وممرضة من أصحاب الكفاءات، فهل يعقل أن يضم مشفى، بورديات عملها المستمرة 24/24، وبأقسامه واختصاصاته المختلفة، 7 ممرضة وممرضا فقط، كل هذه الكوارث والحكومة ماضية بسياساتها التطفيشية دون رادع ولا مانع، هذه السياسات التي انعكست بكم الاستقالات الكبير والتسرب الواضح الذي عانى ويعاني منه هذا القطاع، والذي يؤدي إلى الكثير من التداعيات السلبية، بدءا بانخفاض العناية التمريضية بسبب ضغط العمل الناتج عن نقص اليد العاملة، مرورا بالخطر على حياة المرضى وانخفاض حالات الإنقاذ، وبالتالي ازدياد معدل الوفيات، وانتهاءً بزيادة تردي وتراجع الخدمات الصحية، والقطاع الصحي عموما، أن تأمين احتياجات المشافي من الممرضات بالشكل المطلوب سنويا يخفف الضغط أيضا على الموجودين في المشافي، في ظل الضغط الكبير الحاصل، يؤكد احد الأطباء في مشفى الشيخ بدر، لقد دمجنا أقسام الجراحة لنقص الكادر الطبي والتمريضي ولتخفيف الأعباء، لكن تضيف الممرضة جميلة: لا تكمن مشكلة هذا القطاع المنكوب بالنزيف الدائم ونقص الأعداد الكبير، بل أيضاً بسوء توزيع الكوادر الموجودة بسبب سوء التخطيط الحكومي ضمن سياسات التطفيش المتعمدة، رغم أعداد المقبولين الكبيرة في مختلف معاهد ومدارس وكليات التمريض، وأعداد الخريجين المتزايدة، إلا أن الأعداد التي تتخرج وتعمل في المشافي سواء العامة أم الخاصة تبقى خجولة، وذلك نتيجة ظروف العمل السيئة، فساعات العمل طويلة ونظام المناوبات لا يتوافق مع الأجور، فنجد الطالب وقد تخرج وهو مؤهل أكاديميا وذو كفاءة، ومتقن للعمل، إلا أنه يفضل السفر والهجرة على العمل في إحدى المشافي العامة أو الخاصة أو المراكز الصحية، ويبقى التساؤل: أين هؤلاء الخريجون المتزايدون عاما بعد آخر، مقابل التراجع بأعداد القائمين على رأس عملهم؟

إن هناك نقصا كبيرا في الملاكات الموجودة في المشافي العامة والخاصة بطرطوس وريفها، وتسرب عدد كبير من الكادر التمريضي والمهن الصحية من المشافي الحكومية، وإن تسرب الكادر التمريضي سببه أولا: قلة الدخل من جهة، وثانيا: لا توجد حماية للممرض، لذلك نرى من الضروري توسيع الملاكات واستيعاب خريجي الجامعات من كليات التمريض، فالسبب الأول لنقص الممرضين في المشافي هو عدم الإعلان عن مسابقات بتعيينهم.