حماة/ جمانة الخالد
تقع قلعة أبو قبيس وهي حصن وموقع أثري في منطقة السقيلبية بمحافظة حماة في سوريا، في موقع جبلي رائع تحيط به الغابات والطبيعة الرائعة
تتميز محافظة حماة السورية بشكل خاص بقلاعها وحصونها، إذ تعد ثاني مدن سوريا من حيث العدد، بعد طرطوس، وهي تحتوي ما يفوق العشرة منها، أهمها قلعة حماة ومصياف والمضيق (حصن أفاميا) وشيزر والرصافة، وكذلك قلعة أبو قبيس التابعة لملحقات مصياف والواقعة في منطقة أبو قبيس، التي تبعد عن العاصمة دمشق 230 كيلومتراً.
وتشتهر المدينة التي تتوسط سوريا بتاريخ عريق ومواقع أثرية تعود إلى فترات زمنية مختلفة، تقدم دلالة واضحة على دورها الاستراتيجي والحضاري.
يقع حصن أبو قبيس في منطقة الغاب، متموضعاً على إحدى أعلى قممها وممتداً على سفوح جبال اللاذقية الشرقية، وهو يتبع لقرية أبو قبيس التي تحتوي أيضاً نهراً ومحمية وجبلاً تحمل الاسم ذاته، وكذلك تحتوي وادياً ممتداً بين الجبال يزود الطريق الموصل إلى الحصن بالمناظر الطبيعية الساحرة، إذ تشكله صخور الكارست الممتزجة بالتنوع الحيوي الفريد للمنطقة، بين أشجار تشكل امتداداً للغابات الكثيفة وينابيع دائمة الجريان ومساقط وشلالات مائية.
كما تتميز القرية بالعديد من البقايا الأثرية الموزعة بين أبنيتها التي يعود معظمها إلى العهد الروماني، من مساكن وكنائس قديمة وآبار حجرية وينابيع أثرية، واكتشافات عديدة تتوالى من تلك الحقبة.
وتطل القلعة على سهل الغاب المنبسط بتدرجاته اللونية الملفتة وتقطيعاته الهندسية الدقيقة والمحاط بالجبال الساحلية، وتشرف على مجموعة من القلاع والمواقع المهمة مثل قلاع سيزر والمضيق وأفاميا، وعلى محافظتي حماة واللاذقية ومنطقة جبلة ومدينة مصياف.
على الرغم من صعوبة تحديد الفترة الزمنية التي بُني فيه هذا الحصن، فإن المصادر تجمع على أن الرومان كانوا أول من وضع حجر أساسه، لكن التخطيط الحالي للقلعة والذي يطابق نماذج القلاع البيزنطية التي تعود للقرن العاشر، يؤكد قيام البيزنطيين بإعادة تقسيمها وتكوينها على الطراز الخاص بهم بعد السيطرة عليها.
ويتبع هذا الطراز المعماري نمط العمارة العسكرية التي عرفت في سوريا خلال القرن الثاني عشر، الذي يبدو واضحاً أيضاً في قلعتي صلاح الدين والحصن، من حيث طريقة التحصين الداخلي والخارجي وتأكيد مناعة البناء باستخدام الأبراج المربعة والدائرية وطريقة توزيع مرامي السهام. ويبدو هذا النمط واضحاً في مدخل القلعة وطريقة تحصينه، وكذلك في زخرفة غرفة الحراسة الجانبية التي تتقدم مدخل الحصن الداخلي وتعود إلى القرن الثالث عشر.
وقد شملت هذه القلعة تاريخياً توسع المرداسيين في سعيهم لمد إمارتهم في حلب، وتوالى على حكمها الزنكيون والأيوبيون والمماليك، والمغول الذين يرجح أن هدمها كان على أيديهم.
يأخذ مسقط القلعة شكلاً بيضاوياً منتظماً، يحيط به سور خارجي كبير ثم آخر داخلي مرتفع. ويتأطر السور الخارجي على شكل مثلث تقريباً، يتوزع على كل زاوية من زواياه الثلاث في الشمال والجنوب، برج مربع، ويتوسط كل ضلع من أضلاعه الثلاثة برج دائري، وكذلك نرى في الشرق والغرب برجاً مربعاً يلتصق بآخر دائري.
أما مدخل القلعة الأساسي، فيتقدمه درج حجري يوصل ممره إلى فسحة واسعة، وقد خُطط بناؤه بشكل جيد ومدروس من حيث التصميم ومواد البناء المستخدمة، فهو يأخذ شكلاً منكسراً بزاوية قائمة، ومزود بمزلاج مع ساتر حديدي تعزيزاً لمناعته وتحصينه.
وبسبب ضعف الجهة الشرقية التي يقع عليها باب المدخل، فقد حصن ببرجين مربعين وآخر دائري، تتوزع بدءاً من خارج المدخل وبدايته من جهة الغرب وصولاً إلى نهايته، حيث يشكل البرج الدائري بداية الاتصال بالجزء الداخلي للقلعة.
وتفصل الفسحة بين السور الخارجي والقلعة الداخلية، حيث تضيق من جهتي الغرب والجنوب لتشكل ممراً حول القلعة، وتتسع من الشرق والشمال لتضم عدداً من الغرف والخزانات.