دمشق/ مرجانة إسماعيل
بات استغلال الأطفال في أعمال الممنوعات والتهريب شائعاً، خلال السنوات الأخيرة، في العاصمة السورية دمشق، مستغلين حاجة أهاليهم المادية ولكون هؤلاء الأطفال تقريباً خارج دائرة الملاحقة الأمنية.
وهناك من المهربين يستخدمون الأطفال في توزيع البضائع مقابل أجور مادية ضئيلة، والأخطر هو استغلال أطفال المدارس والمراهقين في بيع الحبوب المخدّرة ونقلها للراغبين.
وتبدأ آلية استغلال هؤلاء الأطفال من الحي الذي يعيشون فيه، إذ يَعرض عليهم مَن يسمّى “مندوب المنطقة”، إيصال أغراض إلى عناوين معيّنة مقابل أجور مالية وأحياناً من دون علم أهاليهم، ويتطور الأمر يتطور غالباً لمرات متعددة، وبعض الأطفال يُجنّدون بشكل يومي لتنفيذ مهمات التوزيع.
وساعد تفاقم أزمة المعيشة العصابات المتمرسة على استمالة تلاميذ المدارس أحياناً، عبر المال أو عبر شراء وجبات الطعام الجاهز والهدايا، ثم إعدادهم وتدريبهم على إدارة توزيع المخدرات داخل المدينة.
وفي الغالب لا يعلم الأطفال ماذا يفعلون أو يعملون وفي الوقت ذاته لا يستطيعون رفض الأمر لأنّهم يمكن أن يتعرّضون للضرب في حال رفضهم، كما أن كثير من الأطفال لا يريدون أهلهم أن يتركون العمل.
وكثير من العائلات لا تعرف حقيقة ما يفعله أطفالهم، يلقونهم إلى الشارع ليقضوا معظم وقتهم، وبعض العائلات باتت لا تستطيع تحمّل تكاليف المدرسة.
ويعاني الأطفال البرد في الشوارع، ويشتهي بعضهم الطعام أو حذاء رياضي جذَّاب، وهنا يأتي دور تجّار الممنوعات فيعرضون عليهم وجبات الطعام الجاهزة أو ثياباً ومالاً.. هذه هي الطريقة التي يُجنّد بها هؤلاء الأطفال في كثير من الأحيان، بحسب ما يروي سكان.
ويؤكد سكان في العاصمة أن غياب البيئة الآمنة للأطفال، خلال السنوات الأخيرة، أسهم في زيادة عمالة الأطفال واستغلالهم، ومعظم الأهالي باتوا يسحبون أطفالهم من المدرسة بعد المرحلة الابتدائية سواء لمساعدتهم في المصروف أو لتخفيف النفقات، لكن الأمر الأكثر سوءاً هو أنّ تلك العائلات لا تعلم مقدار الاستغلال التي يعاني منه أطفالهم، ولا ماذا يعانون وكيف تتأثر نفسياتهم.
المشهد المألوف لمعظم سكّان دمشق وريفها يقف خلفه تجّار محروقات يستغلون الأطفال للبيع في مناطق مختلفة، من دون أي ملاحقة من أجهزة الأمن أو الشرطة لا سيما في ريف دمشق.
وينعكس اختلال توازن المجتمع بسبب سنوات الحرب والأزمة الاقتصادية الخانقة وما يلحق بها من مشاكل أُسرية بشكل كبير على الأطفال، الذين لا يعيشون ظروفاً صحية ويبقون معرضين بشكل كبير للاستغلال والانحراف.
ومعالجة هذا الأمر لا يكون أمنياً بملاحقة هؤلاء الأطفال المتورطين في عمليات توزيع وبيع الممنوعات، بل من خلال متابعتهم من قبل عائلاتهم أولاً ومن خلال المدرسة والمؤسسات الاجتماعية المختصة ثانياً.
ثم أن هذه مشكلة لا يمكن التهاون بها، لأنّها ستحوّل هؤلاء الأطفال مستقبلاً إلى مجرمين ومتعاطين أو تجار ممنوعات في أفضل الأحوال، وعائلات كثيرة ومدارس لا تريد الاعتراف بأن لديها مشكلة تتعلق بتعرّض العصابات لهؤلاء الأطفال واستغلالهم، أو أن بعضهم يتاجرون بالمخدرات.. يجب إلزام المدارس بإجراء تدريبات لتوعية جميع المعلمين، لا سيما في ظل فداحة المخاطر التي يتعرض لها الأطفال حالياً، وفق ما يرى ناشطون.
وتشير تقارير صادرة عن منظمة العمل الدولية (ILO)، إلى أنّ أكثر من 250 ألف طفل في سوريا تتراوح أعمارهم بين 6 و17 عاماً، يعملون في ظروف صعبة ومؤذية، وتتركّز عمالة الأطفال بشكل كبير في مناطق النزوح والفقر، حيث يُجبرون على العمل لإعالة عائلاتهم وتأمين قوت يومهم.