لكل السوريين

26 سنة على اتفاق أضنة والأطماع التركية ما زالت مستمرة

يصادف الـ 20 من أكتوبر الحالي الذكرى السنوية الـ 26 لما باتت تعرف بـ “اتفاقية أضنة”، تلك الاتفاقية التي جرت بين كل من نظامي أنقرة ودمشق، والتي لا زالت الأخيرة تعاني مغبة تلك الاتفاقية، حتى الوقت الحالي، وانعكست سلبياتها على المجتمع السوري برمته.

واعتادت دولة الاحتلال التركي بشكل متكرر الحديث عن اتفاقية أضنة، ووضعها كحجة وذريعة لأي عمل ترغب بالقيام به داخل الأراضي السورية، ما يعود بتأثير سلبي مباشر على السوريين بالدرجة الأولى.

ومع ذلك لم تكتفي أنقرة ببنود الاتفاقية فيما يخص الداخل السوري، بل أنها تحاول بين الفينة والأخرى توسعة الحدود المتفق عليها مع نظام الأسد الأب، الذي كان وضع سوريا كلها رهينة لأي قرار تركي، يعود ضرره بشكل مباشر على كافة الأراضي السورية، وعلى امتداد الفترات المتلاحقة، حتى بعد وفاته.

والشهر الماضي، تقول صحيفة “الوطن” شبه الرسمية، التي تصدر من دمشق، إن الاتفاقية التي تم التوقيع عليها في تسعينيات القرن الماضي قد يتم الاستناد عليها في جولة المباحثات المقبلة ما بين دمشق وأنقرة.

ولا يزال مسار المحادثات بين النظام السوري وتركيا يراوح في مكانه على العلن، وبينما كان كل طرف يشهر شروطه و”متطلباته”، كشف وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، الشهر الفائت، النقاب عما أسماها “صورة إيجابية” وتقاطع أولي للأفكار.

وقال لافروف إن “الحكومة السورية تعتقد أن الاستمرار في عملية التطبيع تتطلب تحديد إجراءات انسحاب القوات التركية من سوريا، أما الأتراك فهم مستعدون لذلك، ولكن لم يتم الاتفاق على معايير محددة حتى الآن”.

وأضاف أنه “من الضروري التحضير الآن لاجتماع جديد، وأنا على ثقة من أنه سيعقد في مستقبل قريب جدا”، مردفا بالقول: “نحن مهتمون بلا شك بتطبيع العلاقات بين شركائنا في دمشق وأنقرة”.

وفي ظل توجه الأنظار لما ستؤول إليه الجولة المقبلة من المحادثات بين دمشق وأنقرة تثار تساؤلات بشأن واقعية تطبيق الطرح الذي لم تستبعد وسائل إعلام النظام السوري أن يكون على الطاولة، وأشار إليه لافروف، أكثر من مرة في تصريحات صدرت عام 2023.

وبالعودة إلى الوراء كان وزير الخارجية الروسي قال، في سبتمبر العام الماضي، إن بلاده اقترحت على النظام السوري وتركيا عقد اتفاق، يسمح ببقاء القوات التركية على الأراضي السورية بشكل “شرعي”.

ما هو اتفاق أضنة؟

جرى توقيع اتفاقية بين دولة الاحتلال التركي والدولة السورية في مدينة أضنة التركية، في الـ 20 من تشرين الأول عام 1998، بعد أيام فقط على مغادرة القائد الأممي عبد الله أوجلان لسوريا في الـ 9 من الشهر ذاته.

ساهمت مصر بقيادة حسني مبارك والولايات المتحدة في عهد بيل كلينتون وكذلك إيران في توقيع اتفاقية أضنة. وذكرت السلطات التركية حينها “لولا وساطة مبارك وخرازي (كمال خرازي وزير الخارجية الإيرانية في ذلك الوقت) لكانت تركيا ستخوض حرباً مع سوريا”، ووصف القائد الأممي عبد الله أوجلان تلك المرحلة بالمؤامرة الدولية.

هذه الاتفاقية التي تضم 4 ملحقات أسست لمرحلة جديدة من التآمر وأفضت إلى خلق واقع جديد مدمر للشعب السوري برمته، بما فيه المكون الكردي.

في اتفاقية أضنة رضخت الدولة السورية لتهديدات تركيا مدعومة بحلف الشمال الأطلسي وسمحت لتركيا بالتوغل ضمن أراضيها لملاحقة من أسمتهم بالإرهابيين إلا أنها بالأساس كانت موجهة ضد نضال الشعب الكردي.

كما ينص أحد بنود الاتفاقية على تخلي سوريا عن لواء اسكندرون التي سلختها تركيا عن سوريا عام 1939. ويبدو أن السلطات السورية لم تكن تمانع في التخلي عن أجزاء من سوريا لتجنب الدخول في صراع مع الدولة التركية الفاشية.

حين هددت تركيا باجتياح الأراضي السورية إذا لم تخرج دمشق القائد عبد الله أوجلان بعث الرئيس العراقي الراحل صدام حسين برسالة شفوية إلى الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، يؤكد استعداد العراق لوضع كل وحدات الحرس الجمهوري في تصرفه لمقاتلة القوات التركية إذا غزت سوريا.

الغزو الثقافي والاقتصادي لسوريا

بعد توقيع اتفاقية أضنة زار الرئيس التركي حينها أحمد نجدت سيزر سوريا عام 2000، وفي 2004 زار بشار الأسد تركيا، وفي عام 2009 تم توقيع عشرات الاتفاقيات والبروتكولات بين الدولتين السورية والتركية تمكنت الأخيرة من خلالها من غزو سوريا اقتصادياً.

وامتلأت الأسواق السورية بالبضائع التركية على حساب المنتجات المحلية وهو ما خلق انزعاجاً داخلياً ناهيك عن استياء كبير لإيران التي سعت هي الأخرى لترسيخ توغلها في سوريا من الباب المذهبي والاقتصادي والثقافي.

لم يقتصر الأمر على الغزو الاقتصادي لسوريا بل امتد إلى المجال الثقافي، حيث أُدرجت اللغة التركية ضمن المناهج الجامعية في جامعتي حلب ودمشق.

إلى جانب اللغة التركية احتلت الدراما التركية الشاشات العربية والسورية على وجه الخصوص وروجت لمفاهيم غريبة عن المجتمع السوري وبالأخص قبل الأزمة السورية.

بُعيد الأزمة السورية في منتصف آذار عام 2011، أظهرت الدولة التركية نواياها الاستعمارية ودعمت المجموعات المرتزقة التي استباحت الأراضي السورية.

وعندما فشلت المجموعات المرتزقة في تنفيذ المخططات التركية، بدأت دولة الاحتلال التركي احتلالها المباشر للأراضي السورية عبر بوابة جرابلس، في الـ 24 من آب عام 2016، بعد أيام على هزيمة داعش في منبج. واصلت تركيا احتلالها للأراضي السورية واحتلت عفرين، في عام 2018، وسري كانيه وكري سبي/ تل أبيض، عام 2019، إلى جانب احتلال أعزاز والباب وأجزاء من محافظة إدلب الشمالية.

أضنة معدّلة

في عام 2019، بدأت روسيا بالحديث عن اتفاقية أضنة كبوابة للتطبيع بين حكومة دمشق والدولة التركية المحتلة، وجرى الحديث عن تعديل لاتفاقية أضنة يخوّل دولة الاحتلال التركي غزو المناطق السورية الحدودية بعمق 30 كم.

لم تفض الضغوط الروسية على حكومة دمشق للتوصل إلى تطبيع كامل مع دولة الاحتلال التركي، لكن دولة الاحتلال التركي بدأت باستهداف مناطق بعمق 70 كم ضمن شمال وشرق سوريا دون أن يصدر أي صوت من حكومة دمشق، وهو أمر لا يزال مستمراً حتى الوقت الراهن.