تقرير/ خالد الحسين
من الصعب الحديث عن الموسيقى في سوريا المعروفة اليوم، دون التطرق إلى المشهد الموسيقي فيما كان يعرف ب “سوريا الكبرى”، بل في المشرق العربي كله، وامتداده المغاربي والأندلسي، إذ تواصلت التقاليد والممارسات الموسيقية في هذه المنطقة من العالم عبر قرون وتناقلتها الحضارات الأشورية والفارسية والإسلامية، وحملتها الحروب والغزوات، وكذلك قوافل التجارة والحج. لكننا في هذا التقديم المختصر، والقاصر بالضرورة، سنلخص بعض الملامح الأساسية للموسيقى السورية اليوم، مغفلين إلى حد كبير الموسيقى التجارية المعاصرة، والتي تخرج عن نطاق بحثنا.
يمكن وصف تنوع المشهد الموسيقي في سوريا اليوم بأكثر من طريقة، فهناك مثلاً التنوع الجغرافي والديموغرافي، الذي يقسمها إلى موسيقى ريفيّة وأخرى مدينيّة، وهناك عامل التنقل والتواصل مع دول الجوار والذي نتج عنه تأثر المناطق الحدودية بالتراث الموسيقي لدول مثل العراق وتركيا، وهناك التنوع الإثني الذي ربما يكون أكثر ما يميّز الموسيقى السورية نظراً لكثرة المكونات الإثنية للمجتمع السوري. على صعيدٍ آخر، هناك تأثير الأشكال المتعددة للموسيقى الدينية المسيحية والإسلامية الذي تعدى الممارسات الدينية وظهر في الموسيقى الدنيوية، وهناك أيضاً عامل العلاقات السياسية في المنطقة والذي أنتج علاقات موسيقية خاصة مثل العلاقة مع المشهد الموسيقي في مصر. لهذا يصعب وصف الموسيقى السورية عبر تصنيفها، ونكتفي هنا بعرض بعض الممارسات الموسيقية الشائعة في سوريا والتي قد يتفق كثيرون على أنها تتميز بها:
الموشحات: قالب غنائي مشهور جدًا لا سيما في مدينة حلب التي تُعد واحدة من منابع هذا الفن. للموشح الحلبي امتدادٌ من الموشح الأندلسي، مع الاختلاف في فكرة التركيز على الوزن الشعري في الأندلس والتركيز على القالب اللحني في حلب. من أبرز ملحّني الموشح الحلبي عمر البطش وأبو خليل القباني الذي عاش فترة طويلة في مصر، ومثله فنانون سوريون كثر كأنطوان الشوا والشيخ علي الدرويش، حيث ساهموا فنيًا خلال فترة عصر النهضة (1789 – 1937) وهي الفترة الذهبية للموسيقى العربية والمشرقية. نذكر من الموشّحات الموجودة على الخارطة “ما احتيالي” من ألحان أبو خليل القباني، و”أعد لنا” من ألحان أم محمد التلاوية.
أغاني الريف: ويطلق عليها أيضاً مسمّى “الغناء الشعبي”، الذي يعبر في أغلبه عن مواضيع الزراعة والحصاد والمطر والموجود بشكل أساسي في الجزيرة السورية والبادية. من أنواعه نذكر العتابا الشروقية والعتابا السويحلية، النايل، القصيد البدوي، الموليا، اللالا، الهجيني. هذ التراث الغنائي يتشابه مع التراث الغنائي الريفي العراقي بشكل كبير. وفي الكلام عن الغناء الشعبي، نذكر أيضًا الأغنية الماردللية وهي مشهورة جدًا في الجزيرة السورية وهي أتت نتيجة خليط كبير من الإثنيات كالعرب والأكراد والسريان والأرمن والتركمان والإيزيديين. من الأغاني الريفية المتوفرة على الخارطة “ضلال” وهي أغنية ماردللية قديمة، “شكرية” من التراث الكردي، “نخ الجمل” وهي من قالب الحداء الشعبي.
الترتيل السرياني: هو واحد من أشكال التراتيل الدينية الموجودة في سوريا. يرتبط هذا الإرث مباشرة بالسريان، وهم قومٌ ينحدرون من الآراميين. السريان موجودون في الجزيرة السورية بشكل أساسي وكذلك في دمشق، حلب وحمص ولهذا تتنوّع التراتيل وتنتشر بين هذه المناطق. يُذكر أن هناك العديد من الأغاني غير الدينية باللغة السريانية أيضًا. مثال على التراتيل السريانية الموجودة على الخارطة هناك “شوبحو” و”عمانو موريو”، وعلى سبيل الأغاني غير الدينية أغنية “أوه حبيبو” للمطرب حبيب موسى.
آذان الجامع الأموي الجماعي: من أكثر ما يميّز التراث الموسيقي الإسلامي في سوريا، إذ يجتمع أكثر من عشرة مؤذنين، عند مئذنة العروس عادة، ويطلقون الأذان بصوت جماعي واحد. يُقال أن هذا الطقس بدأ في سوريا في أواخر القرن الخامس عشر حيث كان يجتمع الحجاج فيها لينطلقوا إلى مكة المكرمة، لذلك لجأ المؤذنون إلى الاذان الجماعي ليًسمع الصوت في كل المدينة.
هذه الأمثلة قليل من كثير ولكنها دلالة واضحة على تنوع وغنى التراث الموسيقي السوري، وهذا ما يدفعنا للتأكيد على نقطتين أساسيّيتين: الأولى هي أهميّة هذا التراث وضرورة الحفاظ عليه ونقله بطريقة تسمح للأجيال القادمة بالتعرّف إليه وممارسته لتحافظ عليه بأسلوبها فيما بعد، أمّا النقطة الثانية فهي صعوبة تحديد أصل ومسار كل أنواع هذا التراث الغنائية والموسيقية، سواء من ناحية التاريخ أو الجغرافيا، نظراً لتشابك هذه الأنماط ضمن سوريا وعبور بعضها إلى أو من حدودها المعروفة حالياً، لذلك لجأنا إلى وضع المقطوعة أو الأغنية ضمن المنطقة التي تنتشر فيها بشكل أكبر، مع ذكر المناطق الأخرى التي تتواجد فيها أيضًا.