لكل السوريين

شبح أزمة غذائية على الأبواب.. وقف العمل باتفاقية حبوب البحر الأسود واتهامات متبادلة بين روسيا والغرب

علّقت روسيا مشاركتها في اتفاقية حبوب البحر الأسود، وأعلن المتحدث باسم الرئاسة الروسية أن موسكو “ستعود فوراً إلى الاتفاقية بمجرد تلبية مطالبها واستيفاء الشروط المتعلقة بتصدير المواد الغذائية والأسمدة الروسية”، وهي منتجات تعتبرها موسكو مهمة لسلسلة الغذاء العالمية.

وقالت المتحدثة الرسمية باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا إن روسيا أبلغت تركيا وأوكرانيا والأمانة العامة للأمم المتحدة اعتراضها على تمديد صفقة الحبوب.

وبعد تعليق مشاركتها في الاتفاقية، اتهم وزير الخارجية الأوكراني روسيا بابتزاز العالم، وقال إن هذا الابتزاز “يؤثر خاصة على الدول الأفريقية والآسيوية”.

وعبّر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عن أسفه لقرار روسيا، وقال إن القرار “سيوجه ضربة للمحتاجين في كل مكان”.

وحذر من تداعياته على مئات الملايين في العالم الذي يشهد ارتفاعاً ملحوظاً في أسعار القمح.

وبعد تعليق موسكو مشاركتها في الاتفاقية، قالت وزارة الدفاع الروسية إنها ستتعامل مع السفن المتجهة إلى الموانئ الأوكرانية على أنها ناقلات محتملة لشحنات عسكرية، و”ستعتبر الدول التي ترفع هذه السفن أعلامها أطرافاً في النزاع” في إشارة إلى الحرب الروسية الأوكرانية.

وبالمقابل، أصدرت أوكرانيا تحذيراً مشابهاً، وقالت وزارة الدفاع الأوكرانية في بيان إن “جميع السفن المبحرة في مياه البحر الأسود باتجاه الموانئ الروسية والموانئ الأوكرانية الواقعة على الأراضي التي تحتلها روسيا موقتا، قد تعتبر أنها تحمل بضائع عسكرية مع جميع المخاطر المرتبطة بذلك”.

أهمية الاتفاقية

تكمن أهمية اتفاقية “حبوب البحر الأسود” في موقع كل من روسيا وأوكرانيا في سوق الحبوب العالمي، إذ يعتبر البلدان من الموردين الرئيسيين للقمح والشعير وزيت عباد الشمس، وغيرها من المنتجات الغذائية ذات الأسعار المعقولة التي تعتمد عليها أفريقيا والشرق الأوسط وأجزاء من قارة آسيا.

وكان توقف شحنات الحبوب من أوكرانيا، التي يطلق عليها اسم “سلة خبز العالم”، قد أدى العام الماضي إلى تفاقم أزمة الغذاء العالمية، وارتفاع أسعار الحبوب في جميع أنحاء العالم، وفقا لمديرة برنامج الأمن الغذائي والمائي العالمي في مركز الاستراتيجية والدراسات الدولية.

وعندما بدأت روسيا توغلها العسكري في أوكرانيا، أعربت الكثير من دول العالم عن مخاوفها من وقوع مجاعة، خاصة في البلدان الفقيرة في أفريقيا والشرق الأوسط.

وكانت أسعار المواد الغذائية قد شهدت قبل الحرب على أوكرانيا ارتفاعاً جراء تداعيات جائحة كورونا، وأدى الغزو الروسي لأوكرانيا إلى تفاقم هذه الأزمة وأسفر الحصار الروسي للموانئ الأوكرانية المطلة على البحر الأسود عن تعفن ملايين الأطنان من الحبوب في الصوامع.

ولكن هذه المرة، أشار تجار أوروبيون إلى أن مستوردي الحبوب في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يتعاملون بهدوء مع إغلاق ممر الشحن الآمن للصادرات الأوكرانية عبر البحر الأسود، ولم ينفذوا حتى الآن، أي عملية شراء مدفوعة بالذعر كما حدث في العام الماضي.

الولايات المتحدة تستنكر

استنكر البيت الأبيض رفض روسيا تمديد اتفاقية تصدير الحبوب، وقال في بيان إن هذا القرار سيؤدي إلى تفاقم أزمة الأمن الغذائي وسيلحق الضرر بالملايين، وحث الحكومة الروسية على التراجع عن قرارها.

وأشار البيان إلى أن الولايات المتحدة ستواصل العمل مع دول أخرى لضمان نقل الحبوب من أوكرانيا بعد الانسحاب الروسي من الاتفاقية.

وأعلن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أن انسحاب روسيا من الاتفاقية ستكون له عواقب وخيمة على أسعار الغذاء العالمية.

وقالت المندوبة الأميركية في مجلس الأمن الدولي إن روسيا تفاقم أزمة الأمن الغذائي حول العالم من خلال استخدام الغذاء سلاحاً.

وأضافت خلال جلسة لمجلس الأمن بشأن أوكرانيا “إن روسيا علّقت مشاركتها في الاتفاقية التي جلبت الاستقرار إلى أسواق الغذاء العالمية، وخفّضت أسعار المواد الغذائية للجميع، وعزّزت العمل الإنساني لبرنامج الغذاء العالمي في أماكن مثل أفغانستان والصومال واليمن”.

وأوروبا تدين

أدانت المفوضية الأوروبية قرار تعليق روسيا مشاركتها في اتفاقية الحبوب، وقالت رئيسة المفوضية في تغريدة “إنني أدين بشدة القرار الروسي الوقح بإنهاء اتفاق البحر الأسود لتصدير الحبوب رغم جهود الأمم المتحدة وتركيا”.

وأكدت أن الاتحاد سيواصل جلب المنتجات الغذائية الزراعية من أوكرانيا إلى الأسواق العالمية،  وسيسعى “لضمان الأمن الغذائي للسكان الضعفاء على هذا الكوكب”.

وقال كبير الدبلوماسيين في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، “إن روسيا لم تنسحب فقط من اتفاقية الحبوب، لكنهم يحرقون الحبوب أيضا”.

وعبرت لندن عن خيبة أملها من قرار موسكو إنهاء العمل بالاتفاقية التي  تعتبر “حاسمة بالنسبة للغذاء العالمي”.

وطالبت وزارة الخارجية الفرنسية روسيا بـ”الكف عن استغلال الأمن الغذائي العالمي وبأن تعيد النظر في قرارها”.

ومن جانبه، وصف المستشار الألماني قرار روسيا بالأخبار السيئة، وقال إن الأمر يشير إلى أن روسيا لا تشعر بالمسؤولية وتهدد العالم كله بهجومها على أوكرانيا.

وفي إسطنبول، قال رئيس النظام التركي إنه يتواصل مع نظيره الروسي، وأكد أن بوتين يريد الاستمرار في اتفاق تصدير الحبوب رغم التصريحات الروسية الأخيرة بشأن الاتفاق.

وأشار إلى أنه سيناقش هذا الأمر مع بوتين خلال زيارته لتركيا في آب المقبل، كما ستتم مناقشة وسائل فتح الطريق أمام نقل الحبوب والسماد الروسيين إلى العالم.

وقال عضو مجلس الأمن والسياسات الخارجية في الرئاسة التركية، إن روسيا محقة في مطالبها وشروطها لتجديد صفقة الحبوب، وتبدي رغبتها في استمرار الصفقة، “ولكن الأطراف الدولية الأخرى ترفض التعامل معها لتصدير حبوبها وأسمدتها.

وبوتين يتهم الغرب

اتهم الرئيس الروسي الدول الغربية باستخدام الاتفاق الذي انسحبت منه موسكو كأداة “للابتزاز السياسي”، وقال بوتين خلال اجتماع لحكومته “بدل مساعدة الدول التي هي في حاجة ماسّة، استخدم الغرب اتفاق الحبوب لأغراض ابتزاز سياسي، وجعله أداة لإثراء الشركات المتعددة الجنسيات والمضاربين في السوق العالمية”.

وزعم أن بلاده “تستطيع تعويض الحبوب الأوكرانية في السوق العالمية، سواء كان ذلك مجاناً أو على أساس تجاري”.

وأشار إلى أن روسيا علّقت مشاركتها في الاتفاق بسبب عدم الوفاء بوعود تسهيل تصديرها للمواد الغذائية والأسمدة، حيث عرقلت العقوبات الغربية المفروضة عليها على خلفية الحرب الدائرة مع أوكرانيا عملية تصديرها.

وأمهلت موسكو الأمم المتحدة ثلاثة أشهر لتنفيذ بنود مذكرة تسهيل الصادرات الزراعية الروسية، إذا أرادت أن تستأنف موسكو المحادثات حول السماح بمواصلة تصدير الحبوب الأوكرانية.

تدمير الحبوب

أعلنت كييف أن الضربة الروسية لمحطات الحبوب الأوكرانية قرب ميناء أوديسا دمرت ستين ألف طن من الحبوب التي كانت معدّة للتصدير.

وأشارت إلى أن “هذه الضربة التي تأتي بعد ثلاثة أيام من انتهاء العمل باتفاق تصدير الحبوب عبر البحر الأسود تثبت مجدداً تعمّد موسكو خلق أزمة جوع عالمية ومحاولة إضعاف الحلفاء”.

وقالت الرئاسة الأوكرانية إن الضربة الروسية استهدفت عمداً محطات الحبوب لتدمير إمكانية شحن الحبوب الأوكرانية.

وأشار وزير الزراعة الأوكراني إلى أن الحبوب المخصصة للتصدير والمخزنة في ميناء تشورنومورسك الأوكراني قرب أوديسا قد أتلفت تماماً جراء الضربات الروسية.

فيما نفت موسكو أنها ضربت محطات حبوب أوكرانية، وقالت إنها ضربت منشآت عسكرية قرب ميناء أوديسا.

وقالت وزارة الدفاع الروسية في بيان لها إنها “شنت ضربة واسعة بأسلحة جوية وبحرية عالية الدقة على مواقع للقوات الأوكرانية ومنشآت صناعية عسكرية وبنى تحتية للوقود ومخازن ذخيرة تابعة للقوات المسلحة الأوكرانية قرب ميناء أوديسا جنوب غربي أوكرانيا”.

موسكو تحذّر كييف

حذّرت روسيا أوكرانيا من الاستمرار بشكل منفرد في تنفيذ اتفاق تصدير الحبوب الذي انتهى العمل به بعد رفض موسكو تمديده، وقالت إنه لم تعد هناك ضمانات أمنية لتطبيقه.

وقال الناطق باسم الكرملين، دميتري بيسكوف “في غياب ضمانات أمنية مناسبة، تظهر مخاطر معيّنة، وإذا تمّ إقرار أيّ شيء بدون روسيا، فيجب أن تؤخذ هذه المخاطر في الاعتبار”.

ومن جهته، قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف خلال اتصال مع نظيره التركي إن انتهاء العمل بالاتفاق يعني “سحب الضمانات الأمنية للملاحة، مما يجعل شمال غرب البحر الأسود، حيث تعبر سفن الشحن، منطقة خطرة مؤقتا”.

وذكرت الخارجية الروسية، في بيان، أن لافروف والوزير التركي فكرا في خيارات أخرى لتزويد الدول الأشد حاجة بالحبوب.

وفي نيويورك، أكد نائب مندوب روسيا في الأمم المتحدة، استعداد روسيا لبحث استئناف المشاركة في اتفاق تصدير الحبوب عبر البحر الأسود حينما تتحقق نتائج ملموسة حول تسهيل صادراتها من المواد الغذائية والأسمدة.

والبيت الأبيض يحذّر موسكو

حذّر البيت الأبيض من أن روسيا قد توسع استهدافها لمنشآت الحبوب الأوكرانية ليتضمن هجمات على سفن الشحن المدنية في البحر الأسود.

وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي للبيت الأبيض، آدم هودج إن المسؤولين الأميركيين لديهم معلومات تشير إلى أن روسيا نشرت ألغاماً بحرية إضافية عند مداخل الموانئ الأوكرانية، وأعلنت أن جميع السفن المتجهة إلى موانئ أوكرانيا عبر مياه البحر الأسود ستعتبر ناقلات محتملة لشحنات عسكرية.

وأضاف “نعتقد أن هذا جهد منسق لتبرير أي هجمات على السفن المدنية في البحر الأسود وإلقاء اللوم على أوكرانيا في هذه الهجمات”، وحذّر موسكو من مغبة قيامها بذلك.

وقال هودج “بالإضافة إلى هذا الجهد المنسق في البحر الأسود، لاحظنا بالفعل أن روسيا استهدفت موانئ تصدير الحبوب الأوكرانية في أوديسا بالصواريخ والطائرات المسيرة مما أدى إلى تدمير بنية تحتية زراعية و60 ألف طن من الحبوب”.

يذكر أنه تم التوصل إلى اتفاقية لاستئناف صادرات الحبوب من الموانئ الأوكرانية في شهر تموز من العام الماضي بين روسيا وأوكرانيا والأمم المتحدة، ونصت الاتفاقية على تصدير الحبوب الأوكرانية عبر ممر فتحه الأسطول الروسي في البحر الأسود، شريطة إتاحة وصول الحبوب والأسمدة الروسية إلى الأسواق العالمية، ومددت الاتفاقية ثلاث مرات، وسهلت نقل الحبوب والمواد الغذائية الأوكرانية.

ولكن الشق المتعلق بالحبوب والأسمدة الروسية لم ينفذ، نظراً لوقوف العقوبات الغربية حجر عثرة في طريق تطبيقه، إذ تتعرض للعقوبات شركات التأمين وخدمات الموانئ للسفن التي تتعامل مع روسيا.