لكل السوريين

ثقافة الكذب

إعداد/ الباحث محمد عزو

يعرف الكذب بأنه خلاف الصدق، أي أنه قول يخالف الحقيقة، وهو وسيلة من الوسائل للترقي والتقرب وخاصة في العمل الوظيفي، لكن حذارٍ لأن أغراضه تكون أكثر خطورة ومقتاً، ولذا علينا أن نميز الكذب عن كل ما يشبهه.

والكذب آفة ذميمة وهو خُلة شنيعة يلجأ أليه أصحاب العقول المنفعلة ومن تلاشت ثقتهم بأنفسهم. قال أحد علماء النفس عن الكذب ما يلي: “وهو يفسد العلاقات المجتمعية إن هو انتشر بينهم؛ حيث تنزع المصداقية بين الناس، فلا يثق أحد بأحد، وتضيع المصالح الاجتماعية، وتثور البغضاء والفتن، فهو جِماع كل شر، وأصل كل ذم لسوء عواقبه، وخبث نتائجه؛ فإنه ينتج النميمة، والنميمة تنتج البغضاء، والبغضاء تؤول إلى العداوة، وليس مع العداوة أمن ولا راحة”.

والكذب أنواع، منها الكذب الدفاعي من أجل دفع الضرر عن نفسه، والكذب المرضي، والكذب التخيلي، ومنه الكذب الناتج عن الكبت وعدم الثقة بالنفس، والكذب الادعائي. والكذب بشكل عام حالة تستدعي الدراسة والتأمل، فهو أي المرض عند بعض الأشخاص أنه يغوص في الكذب إلى الحضيض انتهاءً إلى بلوغ حالة مرضية صعبة، حيث يصبح الكذب عنده عادة يومية وسلوك قهري أي شعور بالحاجة الجسدية إلى فعل شيء، الامر الذي يحول هذا الإنسان إلى شخص شرس لا يمكن الإتمان به.

حين كنا طلاب دراسة في إحدى الجامعات الأوروبية كان معنا طالب يكنى “بالشزاوي” كان كثير الكذب وفي أي مناسبة كانت، فمرة قال له أحد الزملاء من “لبنان” الشقيق، وبصراحة يا “شزاوي” لماذا أنت كثير الكذب؟ رد “الشزاوي” قائلاً: لا تلوموني يا زملاء والله إن لم أكذب في اليوم خمساً يدركني المغص والغثيان.

فالكذب يا صديقنا العزيز لا تتوقع أنه يساعدك في الوصول على ما تبتغيه، ففي هذه الحالة أنت واهم، لأنك عندما تكذب تخسر نفسك واحترام وثقة ممن هم حولك، كما أنك تخسر رضاء الرب، وتخسر انسانيتك، والسؤال ما نفع أن تصل لغايتك حين تخسر نفسك وإنسانيتك؟!

هناك قول لأحد الشعراء يقول فيه ” إن أحد أهم الأدوار التي يضطلع بها الإنسان المثقف المنتمي لأمته هو أن يعمل على تشخيص الظواهر السائدة في المجتمع”، وهو يريد أن يقول أنه على المثقفين ثقافة حقيقية غير معلبة، أن يمتلكوا شجاعة الإنصاف وطهارة المقصد، وأن ظواهر غريبة تسود المجتمع لتخلخل المنظومة القيمية والأخلاقية منها ظاهرة الكذب المجتمعي التي تفرز ثقافة مجتمعية ترتبت عليها سلوكيات شعبية ورسمية وهنا يكمن خطر انهيارات يصعب التنبؤ بنتائجها.

فالكاذب ليس فقط من يتقن لعبة الكذب حتى يعرف الناس أنه كذاباً، لكن الذي يكذب هو من يقرأ الكذب ويصدقه، ويراه لأن الكذاب فنان وصانع للكذب ومنتج له وهو بإنتظار المستهلك الذي يبتلع الكذب ويهضمه ويعيد إنتاجه وبثه من جديد، وآخر القول أن أهم الأدوار التي يضطلع بها المثقف المخلص لأمته ووطنه ان يعمل بجد على تشخيص الظواهر السائدة في المجتمع وأهمها ظاهرة الكذب.