لكل السوريين

قدرها أنها امرأة تسكن الحروف

الكاتبة ليلى حاجولة:

أنتمي إلى الورقة والقلم.. وحين أفرح ترقص حروفي وتتمايل!

 

*القصة من أكثر الأجناس الأدبية حبّاً لها.. وتَنقلني إلى عالم نسافر مع أبطاله وربما نسقط على حافة نافذة مليئة بالزهور!

 

*ضغوطات الحياة وقلة الوقت يُبعد الناس عن القراءة!

*البعد عن الوطن عذاب للقلب والروح معاً!

*شكل الرواية لم يَعُد متطابقاً مع تطلّعات قارئ اليوم

 

 عبد الكريم البليخ

في كلماتها تقرأ بوحاً غريباً. بوح هو أقرب إلى الحكاية. الحكاية المفرحة المنعشة التي تقرأ بين حروفها الطيب، النبل، الأصالة، الفرح، السعادة الغامرة، وهي كذلك.

الكاتبة السورية ليلى حاجولة ابنة مدينة حلب الشهباء، عاشت سنوات زواجها التي تجاوزت الثلاثين عاماً في سن مبكر، في ربوع مدينة دمشق، إلّا أنّها لم تنسَ مدينتها الأم وعشقها لها، وكل ما فيها من دروبها المرصوفة بالحجارة. دروبها التي لعبت في ظل حيطانها العالية، وفي اختلاس نظرة إلى من كانت تشتاق وتُحب.

بسيطة في كل شيء.. في لون شعرها الأصفر، في حروفها الناعمة، وفي روحها العفوية، وفي أناقتها المفرطة، فضلاً عن الطيبة التي تتوّج كل ذلك، وفوق هذا وذاك تشدّك في قراءة ما تكتب بحرفية عالية، على الرغم من كونها ما زالت في بداية مشوارها الأدبي، وفي مشروعها الكتابي الذي تسير باتجاه خطوات رسمتها بدقة متناهية علّها تصل إلى نهاية مشوارها الطويل.. وما على القارئ أن يستمر في الركض خلف حروفها ومتابعة ما تكتب بنهم.

يصغي ويستمع، ويلهث يُسابق الجمل المرصوفة إلى بعضها البعض، كما هو حال شوارع مدينة حلب القديمة، ومعها كانت لنا وقفة مطولة، باحت وبكل حب بماضيها السعيد والمفرح والعودة إليه في كل ما لونته باجتهادها، وبذوقها الرفيع.. والحصية هو خروجها بكتابين، “جارة القمر”، و”أوروبا.. المنعطف الكبير”، بالإضافة إلى أنها شاركت مع كتاب آخرين في مجموعة من الكتب بروعة ما خطته أناملها بصدق.. بعفوية وبتهذيب كبيرين.

مع ليلى حاجولة الكاتبة، نقف في هذا الحوار المشوّق.

 

 

امرأة تسكن الحروف

ليلى حاجولة، من أنت؟

من بلاد الورد أنا. بلاد يقال عنها إنها روح الشرق. تركت القلعة الكبيرة والشهيرة في قدمها.

حلب الشهباء.. وتسللت هاربة من الحراس في القلعة. هجرت فساتيني وأقلام الكحل وأقلام الروج.. جمعت خصلات شعري إلى الخلف، سرت وحيدة في دروب. دروب خذلتني ولم تنقذني جميع قواميس الحب في العثور على الحب، ومرافئ للأمان.

هكذا أنا، وجدت نفسي وحيدة مثل عصافير الخريف. عمري على عدد الحروف التي أكتبها، وكلما حاولت أن أحدثكم عن عمري يغمرني القمر، وينثر نجومه وتخذلني لغتي. وتنتهي الكلمات ويقولون، إنها امرأة من بلد الورد البلدي لا فرق بينها وبين الورد في بلدها التي تركتها.

رقيقة برتبة عاشقة، ترتدي الضوء وتخاف من العِتْمَة، أخوض حروبي على الورق.. وجميع عساكري من ورق.

أسلحتي أقلامي أسجل بها أحلامي، أخوض حروبي في ساحات الفل، وأعظم انتصاراتي قبلات،  وسيخبرونك بأنّي عاشقة، أنصب الفخاخ في قصائد أكتبها. من أطراف أصابعي أرميها عليك، ويكون قدرك أن تحب امرأة تسكن الحروف، وما زلت لا أجيد قراءة أبجديتك، وأحاول أن أفك شيفرة للغة.

هذا هو أنا..

 

*ما هو دافعك إلى الكتابة؟

الكتابة هي رغبة في سرد الحقيقة، وتسجيلها للأجيال القادمة، وانفتاح للأفكار التي يعيشها الشخص في غربته، وزمانه واحتياجاته النفسية، تختلف الدوافع حسب الأشخاص وظروفهم الاجتماعية، ربما تخدم الأجيال القادمة، لأن الكتاب سيظل لمئات السنين.

تسجيل مهارات الحياة الشخصية أو المعرفية لأشخاص كان للكاتب معرفة بهم، ودائماً هناك دوافع للشخص الذي يُحب الكتابة، فهو يكتب من قلبه قبل يده، ويعتقد البعض إنّ الكتابة شيء سهل. لا أبداً ليست كذلك.

هذا الاعتقاد غير صحيح. الموهبة في سرد وترتيب الوصف، تختلف من شخص إلى آخر فهي بحاجة إلى مهنية وموهبة وتدريب لسنوات طويلة. والهدف الأول والأخير أن يستمتع المتلقي القارئ، بنصّ أدبي بسيط وسهل وجميل.

الطفل مثلاً” يُعبّرعن ما يريد بخطوط يرسمها، وهي وسيلة من طرق التعبير الفطرية لدى الطفل، وخاصة مع استخدام الألوان. وهي طريقة لإيصال الفكرة لأهله. الكتابة ضرورة نفسية للجميع.

بالنسبة لي الكتابة راحة لقلبي ونفسي بصورة عامة.. لا شيء يشبه من أن تسكب روحك من خلال حروف على الورق، هو دواء للقلب. فأنا أنتمي إلى الورق والقلم، حين أفرح ترقص حروفي وتتمايل، وحين أتألم ترافقني دموعي ومشاعري، في حروف تجر خيباتي وانكساراتي.

أرواحنا هشّة جداً حتى إنّ هناك حروفاً تؤذيها.

 

* كتبت القصة المقالة، وغيرها أي من هذه الأجناس أقرب إليك ولماذا؟

في أحيان كثيرة الأحداث التي ترافقنا، تضعنا في مود الكتابة، فلكل ظرف نواجه يدفعنا لتلوين صفحات القصة. القصة من أكثر الأجناس الأدبية محببة لي جداً، فهي تنقلنا إلى عالم نسافر مع أبطاله مع الغيوم والأبطال، ربما نسقط على حافة نافذة مليئة بالزهور.

كثير من الأحيان أجلس أنا وبعضي المتبقي مني نتحاور، نتحدث كثيراً ويمضي الوقت، وأنا أثرثر عن أبطال قصصي الذين يسكنون في رأسي، كيف سأغير مجرى حياتهم وأرسم لهم مستقبل وحياة على الورق. قبل الورق هناك مرحلة التفكير والتدبير والقلق. ومن ثم أكتب قصة حب جارف. اخترع الأماكن والقبل والحوارات والأغاني، وأفتعل المشاكل والحلول، وأخطط كل شيء هذا عندما أجلس أنا ونفسي نثرثر كثيراً.

وعندما أنتهي من القصص التي أكتبها أشتاق للأبطال الذين كتبت عنهم.

القصة هي عبارة عن حكاية مكتوبة، مستمدة غالباً من واقع، وتكون مبنية على أسس معينة، الفن الأدبي وأحداثه تكون قد حدثت في فترة محددة، وهي قريبة إلى أسلوبي الكتابي. كتبت العديد من المقالات الخاصة لبعض الجهات، في قضية ما أو فكرة معينة تهم الرأي العام، وهو أمر ممتع ولكنه يحتاج إلى أسلوب، ولغة لصياغته، فقد يكون المقال عامل جذب للرأي.

 

تحلم بوطن آمن

*أين أنت اليوم ككاتبة؛ مما يجري ما حولنا؟

إنَّ ما يجري ما حولنا مخيف جداً. التغيّر الكبير الذي تمرّ به بلدنا، وكثير غيرها من حروب وهجرة وإذلال، وكورونا. جراثيم تظهر وتختفي، وحروب في الدول المجاورة. جميع كل تلك الأسباب تؤدي إلى قلق وكوابيس وتعب نفسي، والبعد عن الوطن وحمل لقب لاجئ، وتعلم لغة جديدة، والاندماج. نحن كبشر لا نستطيع أن ننسى أو نتناسى كل تلك الظروف المحيطة بنا، رغم ذلك نحاول جاهدين ترك بقعة أمل، ونكتب ربما أحلامنا وأمانينا، ربما نحلم بوطن آمن وبالعودة الكريمة له. البعد عن الوطن عذاب للقلب والروح معاً. ونسمع كثيراً عن حالات مرضية يتعرض لها الشباب من تجلط الدم في عمر الورد، نتيجة ضغوطات الحياة، وصعوبة إيجاد فرص عمل مناسبة لهم.

* نجد أن أغلب الناس في وقتنا الحالي بعيدون عن القراءة وطقوسها، على الرغم من أهميتها. ماذا يعني ذلك؟

أغلب الناس بات يشغلهم الإنترنت في الوقت الحالي، بالإضافة إلى منصات التواصل الاجتماعي بمجملها، ما يجعلهم بعيدين عن معرفة ما حولهم، اهتماماتهم في الغالب بأنفسهم والترفيه عنها. أما بالنسبة للشخص الذي يُحب القراءة، يحاول جاهداً أن يَجدَ وقتاً لنفسه، وضغوطات الحياة وقلة الوقت يبعد الناس عن القراءة.

الناس في هذا الوقت مشغولون في صعوبة العيش، في بلدي سوريا، وانقطاع الكهرباء المستمر، وهذا ما يخلق إحباطاً لدى الناس، كل الناس، وبالنسبة لنا نحن كشعوب مرتبطون عاطفي بأهلنا وتراب وطننا، فكيف لمهاجر فارق أهله، ولم يرهم من سنين بعيدة.. فضلاً عن كونه بعيداً عن أولاده. كيف يمكن أن يستمتع بالقراءة؟؟؟

* كيف يمكن أن نعيد للكتاب ألقه ومكانته؟

في الدرجة الأولى تخفيف الضغوطات عن القارئ، وتسهيل توفير الكتب المتنوّعة من كل الجنسيات حتى يتسنى للقارئ اقتناء ما يريد، مع وجود كتب تساعد في حل بعض المشكلات التي تواجه الكثير من الشباب في الغربة، أما بالنسبة للأشخاص المتواجدين داخل سوريا، فغلاء الأسعار يقف حاجزاً أمام جميع الفئات، وفي حال حاولنا أن نخلق تحفيزاً لدى الفئات المختلفة، فإنه يتم ذلك من خلال إجراء مسابقات تشجيعية، لتحفيز الأشخاص على الكتابة، أياً كانت أعمارهم، ناهيك بتشجيع الصغار على الدخول إلى هذا العالم الجديد. دائماً هناك سبل لتشجيع الجيل الناشئة على الإبداع من خلال التحفيز الإبداع، وهذا ما يخلق ـ بالتالي ـ جيل يمكن أن يدفع بالكتاب إلى الانتشار، وتألق وجهات الإبداع.

*الجوائز الأدبية هل تخلق حافزاً للإبداع؟

نعم. الجوائز تشجّع الجيل الجديد على الإبداع. بالنسبة للكاتب يحتاج إلى جرعة وحافز للتشجيع؛ لأنه يكتب برغبة وبحب كبيرين. إنه يوثق أحداث يومياته، وهذا برأيي في حال اقترن بالتشجيع والحافز المادي سيكون النجاح حليفه في المستقبل. المال قد يضفي إلى الجهد والرغبة الإبداع.

* المواضيع والقضايا التي تعالجها كتاباتك؟

اهتماماتي كامرأة في جميع حياتها من فرح وحزن وقلق.

مشاعر المرأة ومشاكلها التي تسبب لها أمراض نفسية. ومشاكل الأسرة بشكل عام، الحب في حياة المرأة العربية على وجه الخصوص. وكيف يمكن لها أن تحصل على التعليم وتشجيعها على تكون مثقفة وواعية لواجباتها الحياتية.

لن أنسى امرأة سافر أولادها كما هو حال ظروف بلدنا ظلت وحدها حبيسة ذكرياتها، شغلت نفسها بتربية القطط، تحكي معهم ولهم عن شوقها وحبّها لأولادها.

هذه الأمور التي بت أعالجها في كتاباتي، أكتب عن شوارع لم تعد تشبهنا، وقلب نسيناه في تلك البيوت المهجورة.

 

 

 

الرواية تحت الإقامة الجبريةَ!

 

*كيف تنظرين إلى الرواية العربية اليوم؟

الرواية من أكثر الفنون الإبداعية تطوراً وتجدداً وهي وحدها القادرة على كتابة المجتمعات الحديثة وتحولها وتطلعها للمواكبة والسير في دروب الحضارة، وكما قال الروائي (هنري ميلر)، (إنَّ الرواية هي كتاب الحياة)، والحياة تعني واقع نحيا به ونعيشه، ونستعرض به ثقافة بلد وتفاعلها مع أحداث حدثت من رفض أو قبول، فالرواية بشكلها ومضمونها تدخل في البناء النفسي والداخلي لشخصيات تتفاعل في زمن من الأزمان.

ستبقى الرواية مادام الإنسان موجوداً، لأنها مرنة في تقبل الاختلافات في التعبير عن روح ونعيم وجحيم الإنسان.

الإنسان في أحاسيسه المتضاربة سيظل في الرواية.

في رأي الرواية العربية هي تحت الإقامة الجبرية طالما الأمان لم يعد متوفراً، من الذي يستطيع أن يكتب الحقيقة كاملة، يصف أوجاعه دون خوف، خوف من سجن يحاسبه على حروف هو كتبها، جميع قصصنا قي الروايات هي من واقع نعيشه نحن، واقعنا مر وصعب، أتخيل الرواية تترنح سكرى لتتساقط في خراب القحط.

 

 

* كيف تقرأين دور المثقف في التغيرات السياسية والاجتماعية؟

المثقفون يشكلون كتلة متجانسة موحدة الأهداف والاهتمامات، بل هم فئة متنوعة المهام تخترقها المصالح والصراعات الاجتماعية، فإن ثمة مشتركاً يجمعهم، تحكيم العقل والنقد، وأكثرهم استعداد للتعبير الإبداعي والإنساني، عن هموم البشر وتطالعاتهم، مما يضع على عاتقهم في مواجهة حالنا الراهنة، بمختلف أزماتها ومآزقها السياسية والاجتماعية، ومهمة المبادرة إلى تأسيس التسلح أولاً وقبل كل شيء الفكر العلمي والنقدي المفتوح على مختلف التجارب السابقة وتعلم التعايش السلمي واختيار الوسائل الكفيلة بمعالجة الاختلافات. فالمثقف هو الأقدر على نقد الواقع الصعب والمساهمة في إصلاح المجتمع، وعودة لسيادة العلم الذي تردى في ظل ظروفنا الحالية، وفهم استراتيجية أولوياتنا في حياة كريمة، لجميع الأفراد

 

 

الشاعر قاضي يحاكم الناس

* هل تنازل الشعر عن عرشه للقصة والرواية؟

الشاعر يسافر مع الغيوم، وأحيانا قاضي يُحاكم الناس. يتحدث بلسان ولغة وحده من يفهمها.

أحياناً يخطف القلوب في حروفه الجميلة، وهو ما يترجم من خلال مرايا الذات الإنسانية. وللشعر العربي تاريخه الذي مرّ في فترة ازدهار، وبرز مبدعون من الشعر زرعوا شعلة من التميّز، وإذا ما تأملنا تلك الفترة من الإبداع، لوجدنا أنها تتسم بالحرية والانفتاح على الآخر.

أظن أن الشعر قد يبدو أنه تنازل عن عرشه لصالح القصة والرواية وانتشارها السريع، ورغبة الناس والإقبال عليها أكثر من الشعر.

إن مكانة الشعر ظلت محفوظة، لكنَّ عناصر العيش لم تعد ملائمة ليحتويها الشعر.

نعم هناك قصائد وشعر عظيم يطربنا الجمال اللغوي ودقّة التصوير، وترادف الصور الشعرية، ولكن سرعان ما يزول تأثيرها كأغنية لا نردّدها إلاّ لمرة واحدة فقط. ليس الشعر هو من تنازل عن عرشه، بل أنَّ حتّى الرواية انتهى عصرها. لم يعد شكل الرواية متطابقاً مع تطلّعات قارئ اليوم. حتى في السينما سيختفي تدريجّياً مقولة الفيلم الكوميدي أو التراجيدي، بل هناك فلم مشوّق وعميق فيه الابتسامة اللطيفة والدمعة الراجفة معاً.

هل الشاعر حرّ حين يكتب؟؟ هل يستطيع أن يكتب نصاً لا يزعج فيه سياسي فاسد!. ولا يقلق رجل دين، ولا يزعزع الأفكار العتيقة التي تحكم المجتمعات!! وهذا يعني شيئاً واحداً أنه سجين يتخيل نفسه طائراً. يُحلق في سماء مثل أبطال الروايات على الورق.

* ماذا عن مشاريعك الأدبية المستقبلية؟

في الوقت الحالي أكتب قصة حب جميلة جداً، أتمنى أن تنال النجاح.

فهي تعالج قضية منتشرة في الوقت الحاضر.