لكل السوريين

أوجلان.. والأوجالانية(2)

تلك العلاقات الرفاقية والتعامل الذي أبداه مع رفاقه أصبحت ظاهرة عامة بين كل رفاقه في الحزب، بل تحولت إلى مبادئ لايحيد عنها رفاقه تحت كل الظروف، وهذا ما ظهر جلياً بين رفاقهم الذين ملأوا سجن آمد “دياربكر”، حيث استشهد العشرات منهم تحت التعذيب، وأصبحت مقاومتهم أساطير تنتقل في أوساط المجتمع الكردي. فالفاشية التركية التي رأت المجتمع الكردي يصحو من غفلته بعد القمع الذي مارسته في العشرينيات والثلاثينيات من القرن العشرين، وظهرت في الصحف التركية على شكل قبر رمزي من الخرسانة على سفح جبل آغري وعليها جملة “حلم كردستان مدفون هنا”.

ممارسات العثمانيين وبعدها الجمهورية التركية معلومة لدى كل الشعوب التي عاشت في ظل النفوذ التركي، حيث لا قواعد ولا قوانين ولا مباديء أخلاقية تضع حداً لممارستهم الوحشية، وهذا ما حدث في السجون وخاصة سجن دياربكر الذي ضم أغلب الكوادر الآبوجية. فمات من مات واستسلم الضعفاء ولكن الكوادر التي كانت مع أوجالان قاومت بشكل لايمكن أن يتخيله العقل، فمثلاً مظلوم دوغان الذي كان عضو اللجنة المركزية يضرم النار في بدنه في ليلة نوروز، وأربعة آخرون يضرمون النار في أبدانهم إحتجاجاً على التعذيب الممارس في السجن، وعشرات آخرون يدخلون في إضراب عن الطعام حتى الموت، ويستشهد منهم أربعة رفاق. إلى أن ترضخ الدولة التركية لمطالب السجناء. أي أنها حاولت فرض الإستسلام عليهم ولكنها هي التي استسلمت لمقاومة الآبوجيين لأول مرة في تاريخها.

أما عبدالله أوجالان ورفاقه في الخارج فقد توزعوا بين الفصائل الفلسطينية في لبنان، بينما الفصائل الأخرى التي فرت من نار الإنقلاب العسكري ذهبوا إلى أوروبا، ولكن أوجالان ورفاقه إختاروا لبنان ليبقوا في أجواء النضال أولاً، ثم ليستفيدوا من خبرة الفلسطينيين في حرب الكريلا، وليتهيأوا للعودة إلى الوطن في أقرب وقت. في المعسكرات الفلسطينية وحسب شهادة من تعامل معهم كانوا مثاليين في تعاملهم من حيث الأخلاق والروح الرفاقية والتفاني والجدية في القيام بمهامهم. ووجد أوجالان في ذلك فرصة لتدريب رفاقه على التاريخ والفلسفة والإنضباط، واستطاع سحب العشرات من كوادره من الداخل وإرسالهم مرة أخرى إلى النشاط ضمن الشعب في شمال كردستان.

كان أوجالان ورفاقه يتابعون ما يجري في السجون من مقاومة، وتواصلوا معهم من خلال الوطنيين الذين حافظوا على كرامتهم الوطنية ولم يستسلموا للفاشية، وعندما وصلهم خبر إستشهاد رفاقهم تحت التعذيب وإضرام النار بأنفسهم أو في الإضراب عن الطعام، عقدوا مؤتمراً واتخذوا قرارات صارمة وفي مقدمتها البدء بحرب الكريلا في أقرب فرصة إنتقاماً ووفاءً لرفاقهم. ولكن الإجتياح الإسرائيلي كان قد بدأ للبنان، فقاوم رفاق أوجالان إلى جانب الفلسطينيين حيثما تواجدوا وأبدعوا في مقاومتهم، فمنهم من استشهد ومنهم من وقع في الأسر ومنهم من بقي في لبنان، والحدث البارز كان مقاومة قلعة الشقيف التي اختلطت فيها دماء الكرد مع دماء الفلسطينيين، وكانوا إثني عشر شهيداً. أما المعسكرات التي كانت في البقاع فقد انسحب منها الفلسطينيون والجيش السوري الذي تواجد في تلك المناطق. وبقي فيها أوجالان ورفاقه مقاومين في مواجهة الجيش الإسرائيلي.

بعد أن وضعت الحرب اللبنانية أوزارها عاد بعض الفلسطينيين والجيش السوري وحاولوا إخراج أوجالان ورفاقه من المعسكر، ولكنهم رفضوا وقالوا نحن دفعنا دماءنا ثمناً لهذا المعسكر ولن نخرج وتشبثوا به رغم كل الضغوط والتهديد. وهكذا أصبح لهم معسكر يخصهم في البقاع اللبناني مع عام 1983 . وبذلك أصبح أوجالان قادراً على تعليم وتدريب رفاقه في معسكر أسموه “أكاديمية معصوم كوركماز” فيما بعد، لتخريج آلاف الكوادر على يد أوجالان بذاته. وخاصة أن الحزب كان قد اتخذ قرار البدء بحرب الكريلا على إثر مقاومة سجن دياربكر، وفاءً لرفاقهم الشهداء، وفعلاً كان قد أرسل أوجالان بعض رفاقه إلى كردستان لإستطلاع المناطق التي يمكن أن تأوي الكريلا وتكون مناسبة للإنتشار منها إلى سائر أنحاء كردستان.

كما نعلم كانت الحرب الإيرانية العراقية تدور رحاها في تلك السنوات بين الدولتين، وكان صدام حسين قد أفرغ المناطق الحدودية بعمق أربعين كيلومتراً على طول الحدود الإيرانية والتركية، وتلك المنطقة الجبلية كانت أنسب مكان لإقامة الكريلا ومعسكراتها، ونظراً لأن تلك المناطق كانت فارغة لم يمانع كرد الجنوب من تواجد الكريلا، وحدث اتفاق بين كل من عبدالله أوجالان وإدريس البارزاني بهذا الشأن. وبدأ خريجو الأكاديمية في لبنان يتوجهون إلى تلك المناطق بشتى السبل والوسائل ومنها يتخطون الحدود إلى جبال شمال كردستان. إلى أن تمكنوا من إطلاق أول رصاصة إيذاناً ببدء حرب الكريلا في شمال كردستان في 15 آب 1984.