تقرير/ سلاف العلي
قبل نهاية العام الماضي 2023 تم إصدار نشرة سعرية جديدة وكانت الثالثة خلال عام، وتضمنت زيادة بنسبة 70-100% على جميع الأصناف والزمر الدوائية المنتجة محليا، رغم أن النشرة الأخيرة لم يتم الإعلان عنها رسميا.
لكن رغم كل الدعوات إلى ضرورة الاهتمام بقطاع الصناعات الدوائية، وتذليل صعوباته، باعتباره من القطاعات الصناعية الهامة والحيوية لتغطية الاحتياجات المحلية من الدواء، ويشغل الكثير من الأيدي العاملة، على أن يكون هنالك الدعم اللازم والكفيل بتخفيض تكاليفه، والحد من آثار العقوبات المفروضة من أجل الوصول إلى سعر منتج دوائي يمكن لأصحاب الدخل المحدود تحمله وبجودة عالية، والأهم، زيادة الاهتمام بالصناعة الدوائية في القطاع العام، وخاصة من خلال إنتاج المزيد من الأصناف والزمر الدوائية، لكسر حال الاحتكار التي تتمتع بها بعض المعامل الخاصة، ويفسح لها المجال للتحكم بكمياتها وبأسعارها، مع رقابة جدية وجادة على هذه الصناعة، بعيدا عن أشكال الفساد أو المحسوبية.
السيد زياد موظف في تأمينات اللاذقية قال لنا: كيف سيكون عليه حال المرضى في ظل استمرار ارتفاع أسعار الأدوية، وخاصة المرضى المزمنون والأطفال، وهل ما زالت الذرائع والتبريرات هي العامل الحاسم في مسلسل زيادة الأسعار، أم عوامل الربح والاستغلال، فالمرضى المزمنون الذي يحتاجون إلى الدواء باستمرار، مثل: مرضى القلب والضغط والشرايين والسكري والغدة والبروستات ولديهم فاتورة شهرية مرقومة من أجل الحصول على الأدوية، وهذه الفاتورة ترتفع بين الحين والآخر، وقد أصبحت بالنسبة للغالبية منهم، وخاصة أصحاب الدخل المحدود، أعلى بكثير من دخولهم الشهرية، ومع الزيادة الأخيرة على أسعار الأدوية أصبح هؤلاء عاجزين عن شراء أدويتهم، ما يعني المزيد من التراجع في صحتهم.
الصيدلانية علياء في ريف اللاذقية أكدت ما سبق وأضافت: الارتفاعات المستمرة على سعر الأدوية أصبحت عامل ضغط حقيقي على المرضى، وعلى إمكانية حصولهم على الدواء للحفاظ على حدٍ أدنى من الصحة تبقيهم على قيد الحياة، وضحايا هذه الارتفاعات السعرية لا تقتصر على المرضى المزمنين فقط، بل والأطفال أيضا، وخاصة الرضع الذين يحتاجون إلى الحليب النوعي، بالإضافة إلى كل المرضى العرضيين، فمسلسل الارتفاعات السعرية على الأدوية بالتوازي مع مسلسل الإفقار والتجويع المتبع، عبر جملة السياسات الظالمة والمجحفة، يعني من الناحية العملية الدفع بالتضحية بالمرضى المفقرين بشكل خاص، وصولا إلى تفاقم أمراضهم، وتراجع صحتهم، ليصبحوا على مشارف الموت الحتمي، فالفرز الاجتماعي مستمر بالتعمق بنتيجة السياسات الظالمة، وقد أصبح أكثر جورا وظلما بالنسبة للمرضى من الفقراء، الذين باتوا فعلا عاجزين عن التداوي والاستشفاء والحصول على الدواء.
السيد الدكتور جواد طبيب داخلية في جبلة بريف اللاذقية أشار إلى قضية مهمة جدا وقال: إذا كانت المناعة الذاتية كفيلة بالحد من تفاقم بعض الأمراض أحيانا، بدون اللجوء إلى الأطباء والأدوية بسبب ارتفاع سعرها وتكلفتها، فإن ذلك من المستحيل بالنسبة لأصحاب الأمراض المزمنة، التي لا يمكن للمناعة الذاتية أن تحد من أمراضهم، أو بالنسبة للرضع المحتاجين للحليب الخاص، لكن مع تراجع المناعة الذاتية نفسها، بسبب التردي المعيشي وتزايد نسبة الفقر ومن هم دون حدود الأمن الغذائي، فإن العوامل المرضية ستقوم بفعلها على صحة الغالبية المحتاجة، سواء كانوا مرضى مزمنين، أو أطفالا أو مرضى عرضيين.
السيدة الدكتورة الصيدلانية إيمان أوضحت لنا ما يلي: تضاعفت أسعار الأدوية المنتجة محليا مرات عديدة خلال السنوات الماضية، وبشكل رسمي بموجب نشرات سعرية، والأسباب الرئيسية التي يتم التذرع فيها تتعلق بمستلزمات الإنتاج المستوردة المرتبطة بالعقوبات والحصار وسعر الصرف، فإذا كانت الذرائع أعلاه تبرر الزيادات السعرية التي جرت خلال السنوات الماضية، فإن هذه الذرائع لا تبرر الزيادات الكبيرة الإضافية التي طرأت على أسعار الأدوية، لقد تضاعف سعر الدواء بنسبة 300% تقريبا، بموجب ثلاث نشرات سعرية رسمية صدرت على التتالي ، في كانون الثاني، وفي آب، وفي كانون الأول، علما أنه لا توجد هناك مستجدات على مستوى إجراءات العقوبات والحصار المفروضة على سوريا، وسعر الصرف كان مستقر نسبيا، سواء الرسمي أو الموازي، واصبحت بعض الأسعار الجديدة كالتالي: أصبح سعر ظرف السيتامول الرسمي 4000 ليرة، علما أنه يباع عمليا بسعر 7000 ليرة أحيانا في بعض صيدليات اللاذقية، دواء ليفو تيروكسين عيار 100 وهو دواء يوصف لمعالجة مرضى الغدة الدرقية، أصبح سعره 36000 ليرة، وأصبح سعر أوريو كلافك ويوصف لمعالجة حالات التهاب اللوزتين بمبلغ 53500 ليرة، والعبوة فيها 14 حبة فقط، فيكون سعر الحبة الواحدة مبلغ 3800 ليرة تقريبا، ودواء آرني ويوصف عادة لمعالجة مرضى الضغط، أصبح سعره بمبلغ 259000 ليرة، والعبوة فيها 30 حبة، أي أن سعر الحبة الواحدة أكثر من 8500 ليرة.
الصيدلاني السيد علي أخبرنا التالي: إن الأسعار هي مؤشر عن التكلفة المرتفعة التي يتكبدها المرضى اضطرارا من أجل الحصول على الدواء فقط، لكن نشير إلى إن الرضوخ لمشيئة أصحاب المعامل دائما وأبدا بفرض المزيد من الزيادات السعرية على الأدوية، لم يعد مبررا وفقا لبعض الذرائع ، فالغاية العملية من استمرار مسلسل الارتفاعات السعرية هي جني المزيد من الأرباح على حساب المرضى، والمزيد منها من خلال الآليات التي يتم فرضها على عمليات توزيع الأدوية من قبل المعامل والمستودعات، المترافقة مع الانقطاعات المستمرة لبعض الأصناف والزمر الدوائية،
فقطاع الصناعات الدوائية يعتبر من القطاعات الرابحة والمستقطبة للاستثمار فيها، والدليل على ذلك زيادة أعداد المعامل المنتجة بحسب الإعلانات الرسمية، بما في ذلك الترخيص لصناعة بعض الأدوية النوعية.