لكل السوريين

نساء حلب يتفنن بإعداد مؤونة الشتاء

المونة هي كل أنواع الأطعمة التي يحفظها الحلبيون في أوقاتها الموسمية الطبيعية لضمان وجودها عند الطلب شتاءً، وتشمل كلمة المونة الخضروات والبقوليات والمخللات والمربيات والحبوب والنباتات والأعشاب وكثيراً ما تغطي المونة حاجة أهل البيت سنة أو أكثر.

ولطالما كانت وما زالت المرأة الحلبية ربّة منزل محترفة، ويشهد لها كل أفراد أسرتها، وكل نساء المحافظات السورية الأخريات، فهي الأم والزوجة والمدبرة في شؤون بيتها.

جرت العادة الحلبية أن يكون هناك وقت في السنة، في فصل الربيع والصيف، يسمّى وقت المونة، أي جمع المؤن، فالحلبيون طعامهم متنوّع ويشمل كل أنواع الخضروات التي قد لا تتوافر في الشتاء، وجدوا أن من الواجب أن يحتفظوا بهذه الأنواع بمختلف الأشكال والطرق، لتكون ذخيرة يستعينون بها في أيام الشتاء الطويلة التي تقل فيها هذه المواد ويرتفع سعرها إن توافرت.

“المونة بدها رْكونة ما بدها وحدة مجنونة”، بهذا المثل الشعبي بدأت أم مهند (60 عاماً) الحديث إلى الميادين نت، وقالت إنّ “المونة تتطلب سيدة محترفة ومرتبة بطريقة إعداد وتخزين الطعام طويلاً”.

لأن أنواعها كثيرة ومتنوعة، منها من الألبان، ومنها من السوائل والعصائر، ومنها ما يخضع للتجفيف والحفظ بالماء والملح.

يتساعد الحلبيون في إعداد مشتقات الألبان التي يشترونها من المناطق التي تشتهر بمراعيها وحليبها الطازج

يتساعد الحلبيون في إعداد مشتقات الألبان التي يشترونها من المناطق التي تشتهر بمراعيها وحليبها الطازج

وأضافت: “أبدأ بالجبنة والألبان في بداية الصيف، كنت أجتمع أنا وأخواتي حول طاولة المطبخ الخشبية نتساعد في إعداد مشتقات الألبان التي نشتريها من المناطق التي تشتهر بمراعيها وحليبها الطازج، ثم نقوم بغلي الجبنة وتخزينها بالماء والملح وإضافة حبة البركة والمسكة إليها، وتتراوح كمية التخزين من عشرة إلى عشرين كيلوغراماً كحدّ أدنى لكل أسرة. جو أسري فيه المتعة والتعاون والأحاديث المسلية وتبادل الخبرات بين الأمهات والبنات لاستمرار هذا الفلكلور الجميل”.

وتابعت: “ننتقل من صنع الجبن إلى تصفية اللبن الرائب من الماء بوضعه في قماش قطني يصفى جيداً فيعطي اللبنة، وهنا نقوم بإضافة الملح المناسب، ثم نقطعها على شكل كرات ونضيف زيت الزيتون حتى تغمر جيداً. إضافة الى تخزين السمن العربي والزبدة وزيت الزيتون، كل هذه المواد تنطبق عليها كمية التخزين نفسها لتكون كافية للأسرة فترةً طويلة”.

وأوضحت أن مونة المربيات تحتل مرتبة مهمة جداً في المونة الحلبية والحواضر المنزلية، فصناعتها تحتاج إلى دقة في معايير السكر وطريقة الطهو.

فربّة المنزل لا توفر نوعاً من أنواع الفاكهة إلا وتجعل منه صنفاً يزيّن موائدها، كـالتوت والورد والمشمش والكرز والفريز والنارنج والباذنجان والسفرجل إلخ.

ويشتدّ الصّيف فيأتي موسم المكدوس ليتوّج مونة حواضر البيت. والمكدوس عبارة عن باذنجان يُسلق ويملّح ويحشى بالجوز والفليفلة الحمراء، إضافة إلى الثوم لينتهي به الأمر بوضعه في “قطرميز”مغمور بزيت الزيتون، ويعد المكدوس أكلة شعبية ملكية بامتياز، فيه كثير من الفوائد، وهو أحد أهم الأصناف المغذية التي تؤكل في كل وقت.

وتحدثت السيدة أم محمد(55 عاماً) إلى السوري فذكرت بعض الأطعمة التي تدخل في مونة الشتاء، قائلة: “أقوم بإعداد “السوركة” أو ما يدعى الشنكليش، هو عبارة عن لبنة جافة تماماً تخلط بالملح والفليفلة الحمراء والنعناع اليابس والشمّر. ثم تجفّف تماماً وتغطّى بالزعتر اليابس، وهذا النوع من المونة يعود إلى مدن الساحل السوري وحماه”.

أما الجزء الأكبر من المونة فيقوم على التيبيس. تعد عملية التيبيس أهم العمليات المستخدمة في عملية تخزين الطعام، وتشمل عدداً من أصناف الخضراوات والفواكه، حيث يجري نشر الخضروات ليجفّ بعضها، وليذبل بعضها، ولتخزّن بعد ذلك.

وتخزن البقول كالفول والحمص والعدس والفاصولياء والبازلاء بالتيبيس في أماكن جافه ومظلمة.

ويجري حفر الكوسا والباذنجان وتيبيسهما على الخيط، والمشهور لدينا في مدينة حلب تيبيس النعناع والفليفلة وطحنهما ليصبحا من أهم التوابل التي لا يُستغنى عنها.

كذلك الأمر مع التين، إذ يوضع على الخيط وييبّس ويعدّ الزبيب من الفواكه التي تجفف، وكذلك التمر والجوز، ولا ننسى الثوم والبصل.

أما المخلل فهو جزء لا يتجزّأ من المونة، تحتل المخللات مكانة مميزة إلى جانب كثير من المقبلات السورية الأخرى، التي لا تخلو سفرة يوم الجمعة منها، ولا  في الأيام العادية الأخرى منها، وتتنوّع المخللات في البيت الحلبي فتشمل كثيراً من أنواع الخضراوات، مثل الخيار والخس والجزر والفليفلة والملفوف والبطاطا وسواها.

أبو محمود، أحد أهم بائعي الخضروات والفواكه في سوق الهال الشعبي في مدينة حلب، قال في حديث إلى السوري : “تغيرت الأوضاع وارتفعت الأسعار وضعفت قدرة الفرد الشرائية وأصبحت المرأة الحلبية لا تطلب من المونة سوى نوع أو نوعين مهمين لضيق الأحوال المادية وغلاء المواد الأولية”.

والإقبال في كل عام لا بأس به، وفق أبو محمود، لكن ليس كالمعتاد، “وأصبحنا، نحن التجار، نعتمد كل الاعتماد على إعداد كميات من المؤن لزيارات المغتربين، فكثير من المغتربين يطلبون منا أطعمة خفيفة الوزن نعدها بطريقة احترافية لتخدمهم زمناً أطول. ولا نستطيع أن ننسى تخزين ورق العنب بطريقه التشريش، إذ يحفظ بمحلول ملحي ليحافظ على لونه ويبقى طرياً جاهزاً للاستخدام”.

أما أم أحمد (65 عاماً) فتحدثت عن سوائل المونة الحلبية. إذ تتعدّد السوائل في المونة الحلبية، فمنها الحامض، ومنها الحلو، وهي جميعها تصنع يدوياً.

أهم هذه السوائل دبس الرمان والتوت الشامي وعصير الليمون والحصرم والخل بنوعيه (التفاح-العنب) وعصير الرمان. أما عصير الكرز فهو مهم جداً في كل البيوت الحلبية للمونة، وفق أم أحمد، منه يوضع في أكلة حلبية شهيرة تسمّى (اللحمة بالكرز)، “وهنا يستغرب جميع من يسمع بها للمرة الأولى، كيف مزجنا في مطبخنا الحلبي الفواكه واللحم في أكلة مميزة في الطعم واللون”.