تشهد جامعة حلب منذ عدة أشهر نشاطاً متزايداً لما تُعرف باسم مؤسسة الشيخ الذهبي، وهي جهة غير حكومية تنشط في المجال الدعوي، حيث تركز نشاطاتها بشكل خاص على الترويج للنقاب الكامل كلباس شرعي وحيد للمرأة المسلمة. هذا النشاط الذي بات لافتاً داخل الحرم الجامعي، وتحديداً في السكن الجامعي للطالبات، أثار حالة من الجدل والاستياء في أوساط الطالبات، اللواتي اعتبرن أن ما يحدث يمثل “ضغطاً اجتماعياً ودينياً” غير مقبول، ويؤثر سلباً على البيئة الجامعية.
وتنظم المؤسسة لقاءات دعوية داخل السكن الجامعي، وتوزع منشورات تحث على ارتداء النقاب، وغالباً ما تتم هذه الأنشطة دون موافقة رسمية واضحة من إدارة المدينة الجامعية، الأمر الذي أثار تساؤلات كثيرة بين الطالبات حول شرعية هذه الأنشطة وحدود تدخل المؤسسات الدعوية في حياتهن الشخصية.
وخلال لقاء أجرته صحيفة “السوري” مع ثلاث طالبات مقيمات في السكن الجامعي، عبّرن عن رفضهن لما وصفنه بـ”الأساليب الاقتحامية” التي تستخدمها المؤسسة، معتبرات أن هذه الممارسات تُقوّض من حرية الطالبات الشخصية وتخلق بيئة نفسية مشحونة داخل الجامعة.
تقول ر.س.، وهي طالبة في السنة الثالثة من كلية العلوم:
“نحن في جامعة، ولسنا في معهد ديني. من حق كل فتاة أن تختار طريقة لباسها دون أن تتعرض لضغط من أي جهة. مؤخراً، بدأت أشعر بعدم الأمان داخل السكن بسبب الزيارات المستمرة من فتيات ينتمين لتلك المؤسسة، واللاتي يطلبن منا بالحسنى أن نتحجب بالنقاب، لكن الأمر يحمل طابعاً سلطوياً غير مريح”.
أما ن.ع. من كلية الآداب، فتوضح أن المؤسسة باتت تنظم محاضرات بشكل متكرر داخل السكن الجامعي، وتقول:
“في بعض الأحيان تُنظَّم جلسات شبه يومية في غرف السكن دون علم الإدارة، يتحدثن فيها عن العفة والستر، وكأن من لا ترتدي النقاب ليست عفيفة. هذا خطاب إقصائي وخطير. لم نأتِ للجامعة لنتلقى دروساً دينية قسرية، بل لننجح ونتعلم”.
وترى ه.م.، وهي طالبة في كلية الهندسة، أن إدارة المدينة الجامعية تتحمل جزءاً كبيراً من المسؤولية:
“المشكلة ليست فقط في هذه المؤسسة، بل في إدارة المدينة الجامعية التي تغض الطرف عن هذا النشاط. الجامعة يجب أن تكون حامية للتعددية الفكرية، وليست ساحة لصراع الأفكار أو فرضها بالقوة الناعمة”.
الانتقادات لم تتوقف عند حدود مؤسسة “الشيخ الذهبي”، بل امتدت إلى إدارة المدينة الجامعية، التي اتُّهمت بعدم القيام بواجبها في تنظيم الفضاء الجامعي ومنع التدخلات غير الرسمية. ويرى بعض الطلاب أن هذا التراخي سمح بتمدد المؤسسة وغيرها من الجهات الدعوية، مما ساهم في خلق بيئة متوترة داخل الحرم الجامعي، وزاد من الاستقطاب بين الطالبات.
ويُخشى أن تؤدي هذه الظاهرة إلى انقسام بين الطالبات على أسس دينية وأيديولوجية، وهو ما يتنافى مع طبيعة الحياة الجامعية التي يُفترض أن تكون مساحة للعلم والانفتاح والتنوع.
وفي هذا السياق، يُطرح تساؤل محوري: إلى أي مدى يُسمح لمؤسسات دعوية غير رسمية بالنشاط داخل الحرم الجامعي؟ وهل من المقبول أن تتحول الساحات التعليمية إلى منابر دعوية تُفرض فيها توجهات فكرية محددة؟ وبين من ينادي بحرية التعبير والدعوة، ومن يطالب بحماية الفضاء الجامعي من فرض الوصاية الدينية، تبقى المسؤولية الأكبر على عاتق إدارة الجامعة لضبط التوازن وتوفير بيئة تعليمية حرة وآمنة.
ويُجمع العديد من الطلاب على أن الحل يكمن في تفعيل دور الإدارة الجامعية بمسؤولية، وتنظيم النشاطات داخل الحرم، لضمان أن يبقى منبراً للعلم والتنوع، لا ساحة لفرض أنماط فكرية أو دينية، أياً كانت الجهات التي تقف وراءها.