في أوائل عام 2025، أعلنت شركة مايكروسوفت إنهاء دعمها النهائي لتطبيق “سكايب” بعد أكثر من عقدين من الخدمة. ومع هذه النهاية الرسمية، أسدل الستار على واحد من أبرز التطبيقات التي لعبت دورًا استثنائيًا في بدايات الثورة السورية عام 2011، حتى لُقّب حينها بـ”صديق الثورة”.
من الريادة إلى النسيان
في أوائل الألفينات، شكّل «سكايب» (Skype) تحولاً ثورياً في عالم التواصل الرقمي، وأتاح لملايين المستخدمين حول العالم إجراء مكالمات صوتية ومرئية مجانية عبر الإنترنت. لكن مع تطور التقنية وظهور تطبيقات أكثر مرونة وحداثة مثل «زووم» (Zoom)، و«ميت» (Google Meet)، و«فيس تايم» (FaceTime)، تراجع دور «سكايب» تدريجياً وتقلصت حصته في مشهد تطبيقات الاتصال.
التحول في أولويات المستخدمين، وارتفاع جودة الكاميرات، وتبني حلول مرنة وسريعة؛ كل ذلك ساهم في تراجع استخدام «سكايب»، خاصة مع صعود «زووم» خلال جائحة كورونا (COVID-19).
الانتقال إلى «تيمز» (Microsoft Teams)
«مايكروسوفت» لم تُنهِ المشهد دون بديل. فقررت نقل مستخدمي «سكايب» إلى منصتها الأحدث «تيمز» (Teams)، وهي أداة تواصل وفرق عمل تعتمد عليها الشركة بشكل أساسي في بيئات العمل والتعليم. وتقول «مايكروسوفت» إن هذا القرار يهدف إلى «تسريع وتيرة الابتكار» من خلال التركيز على منصة واحدة قوية بدلاً من توزيع الجهود.
المستخدمون لن يخسروا بياناتهم، إذ أكدت الشركة أن سجلات المحادثات (Chat History) سيتم نقلها تلقائياً إلى «تيمز»، مع إمكانية تصدير البيانات لمن يرغب.
إيقاف تدريجي للخدمة
بحسب «مايكروسوفت»، توقفت الاشتراكات المدفوعة (Subscriptions) بتاريخ 3 أبريل (نيسان)، بينما استمر استخدام الرصيد المتبقي (Skype Credit) حتى نفس التاريخ. بعد ذلك، لم تعد المكالمات ممكنة إلا عبر بوابة الويب (Web Portal) أو من خلال «تيمز».
«سكايب» لم يكن مجرد تطبيق، بل كان علامة فارقة في الذاكرة الرقمية العالمية، رافقنا في مقابلات العمل عن بُعد، ومكالمات الأحبة في الغربة، واجتماعات الشركات الدولية. وإغلاقه اليوم لا يمثل نهاية خدمة فحسب، بل نهاية حقبة كاملة في تاريخ الاتصال الرقمي، تعكس واقع التقنية المتسارع الذي لا يرحم التباطؤ أو الجمود. ورغم أن اسم «سكايب» قد يختفي من الشاشات، فإن إرثه باقٍ في كل مكالمة فيديو نجريها اليوم عبر منصات حديثة مثل «تيمز» (Teams)، ونظل نذكره كتطبيق غيّر شكل التواصل العالمي إلى الأبد.
سكايب صديق الثورة السورية
في زمن كانت فيه الرقابة الأمنية على الاتصالات مشددة، والإعلام المستقل محاصر، كان “سكايب” بمثابة نافذة تنفّس من خلالها النشطاء السوريون صوتهم إلى الخارج. مكّنهم من التنسيق، تبادل المعلومات، وبث مقاطع الفيديو والصور من قلب التظاهرات في درعا، حمص، حماة، وريف دمشق إلى وسائل الإعلام العالمية.
في تلك الأيام، لم تكن تطبيقات التراسل المشفر أو البث المباشر واسعة الانتشار، وكان “سكايب” الأداة التقنية الأكثر أمانًا نسبيًا والمتاحة لغالبية السوريين. عبره أُجريت أولى المقابلات بين النشطاء الميدانيين والقنوات الدولية. كثيرون سجلوا مقاطع فيديو يروون فيها ما يحدث على الأرض، ثم أرسلوها عبر “سكايب” لصحفيين ومؤسسات حقوقية خارج البلاد.
كان “سكايب” أكثر من مجرد تطبيق تواصل؛ كان شريكًا صامتًا في توثيق الحقيقة وكسر الحصار الإعلامي. وتحوّل مع الوقت إلى أداة ثقة بين الصحفيين والنشطاء، وعرف بأنه وسيلة تواصل الثوار مع العالم، لذلك لم يكن غريبًا أن يطلق عليه النشطاء لقب “صديق الثورة”.
لكن مع التطور التكنولوجي وظهور تطبيقات جديدة أكثر أمانًا وسرعة، تراجع استخدام “سكايب”، حتى بات اليوم من الذكريات. وبرحيله، يستحضر السوريون لحظة تاريخية فارقة، حين كان مجرد اتصال فيديو كفيلًا بإيصال صوت معاناة شعب بأكمله.
رحل “سكايب”، لكن صداه ما زال في الذاكرة السورية، محفورًا في ذاكرة ثورة لم تنتهِ، وفي قلوب من استخدموه كجسر للحرية.