لكل السوريين

ليبيا على مفترق طرق.. إنجازات مهمة للبعثة الأممية، وتصعيدات تنذر بمواجهة عسكرية

تقرير/ محمد الصالح

مع بداية العام الحالي تم الاتفاق في مؤتمر برلين على أجراء حوار في جنيف بين الأطراف الليبية حول مستقبل البلاد بإشراف بعثة الأمم المتحدة، لكن المحادثات لم تسفر عن أي نتيجة تذكر، لأسباب تتعلق بالشروط السياسية لكل طرف، وتمثيل الأطراف، وعدم دعوة الصف الثاني من القيادات العسكرية والسياسية والقبلية، وقيادات المجتمع المدني في ليبيا، وفي الشتات الذي بات يشكل حوالي ثلث الشعب الليبي، للمشاركة في المحادثات بما يساهم بخلق أرضية من التفاهم بين الليبيين يصعب تحقيقها بين أمراء الحرب، نظراً لتراكم عدم الثقة فيما بينهم، وارتهان قراراتهم لقوى خارجية.

وسيواجه خروج ليبيا من أزمتها المستمرة منذ سنوات، معوقات كثيرة، في مقدمتها ارتهان قوى داخلية عديدة لداعميها الخارجيين، وتفكيك الميليشيات، وتحييد المرتزقة.

والأهم من ذلك موقف الدول التي تتصارع على الكعكة الليبية، وخاصة تركيا التي ما تزال تنقل الأسلحة والمرتزقة إلى ليبيا، وتصعد استفزازاتها في المنطقة، حيث ذكرت تقارير إعلامية أوروبية، أن الجيش التركي نقل المواد الحربية على متن طائرات من طراز إيرباص إلى ليبيا، كما ذكرت إذاعة بافاريا الألمانية أن تركيا قامت بطلعات جوية عسكرية استفزازية فوق ليبيا.

وما يزال رئيس النظام التركي يسخر أبواقه للتصعيد، وتبرير تدخله العدواني في ليبيا، حيث دفع المفتي المعزول الصادق الغرياني إلى التحذير من معركة مقبلة، وضرورة الاستعداد لها،

وفرض على البرلمان التركي الموافقة على تمديد مهمة قوات بلاده في ليبيا، وأرسل وزير الدفاع التركي ورئيس الأركان وقادة القوات في جيشه إلى العاصمة طرابلس بعد يوم واحد من كلمة قائد الجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر الذي هدد تركيا، وخيّرها بين الرحيل سلماً أو حرباً من بلاده.

استعداد لطرد المحتل

خيّر قائد الجيش الوطني الليبي، المشير خليفة حفتر تركيا بين الرحيل سلماً من ليبيا أو الحرب، وفي كلمة ألقاها خلال احتفال القيادة العامة للجيش الليبي في بنغازي بالذكرى التاسعة والستين لاستقلال ليبيا، قال حفتر “لا قيمة للاستقلال ولا معنى للحرية، ولا أمن ولا سلام وأقدام الجيش التركي تدنس أرضنا الطاهرة”.

وأشار إلى أنه “لا خيار أمام العدو المحتل إلّا أن يغادر سلماً وطوعاً، أو بقوة السلاح والإرادة القوية”. ووجه خطابه إلى النظام التركي بقوله “انتهى عهد أوهامكم الاستعمارية وعليكم اختيار الرحيل أو الحرب”.

وأكد أن “تركيا ومرتزقتها مستمرون في التحشيد للحرب، الحرب التي إذا أطلقت أول رصاصة فيها، فليستعدوا للموت المحقق”.

وقال إن “المعتدي لم يوقف إرسال المرتزقة والسلاح بأنواعه معلنا الحرب على الليبيين، متحدياً الإرادة الليبية ومستهينا بالقيم الإنسانية”.

ودعا الليبيين جميعاً إلى الاستعداد لطرد المحتل بالإرادة والسلاح ما دامت تركيا ترفض منطق السلام.

وشدد حفتر على أن المواجهة الحاسمة بدأت ملامحها تلوح في الأفق القريب مع رصد مناورات وتحشيد لمرتزقة تركيا وجندها بالقرب من خطوط التماس، وتكديس السلاح والعتاد وبناء القواعد وغرف العمليات العسكرية.

زيارة أشبه بغزوة

بعد يوم واحد من خطاب المشير حفتر وصل وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، برفقة رئيس الأركان وقادة الجيش إلى العاصمة الليبية طرابلس في زيارة غير معلنة مسبقاً، اعتبرها بعض المراقبين رداً على موقف حفتر، وتأكيداً على استمرار التدخل العسكري والسياسي التركي في ليبيا، واستعداداً لمواجهة عسكرية محتملة، ودعماً للميليشيات التابعة لتركيا، حيث أعلنت وزارة الدفاع التركية، أن قواتها نظمت تدريبات لعناصر الجيش الليبي التابع لحكومة الوفاق الوطني على إطلاق النار بالأسلحة الثقيلة.

وذكرت الوزارة، في بيانلها أن قواتها “تواصل ضمان تدريب الجيش الليبي في إطار اتفاقية التدريب والتعاون والاستشارات العسكرية” الموقعة بين أنقرة وطرابلس.

وتمديد لمهمة قوات أردوغان

وكان البرلمان التركي الذي يسيطر عليه حزب العدالة والتنمية، قد وافق على مذكرة سبق أن تقدم بها رئيس النظام التركي لتمديد مهام قواته في ليبيا لمدة 18 شهراً إضافيًا.

وستسمح هذه الموافقة ببقاء قوات أردوغان في ليبيا لمدة عام ونصف تبدأ من الثاني من الشهر القادم، وهي نفس المدة المحددة للحكومة الانتقالية التي ستقود ليبيا حتى إجراء انتخابات، ما يعني أن أنقرة مصرة على التواجد في ليبيا، ومحاولة السيطرة على أي حكومة متواجدة في طرابلس، سواء الحكومة الحالية المتورطة معها في اتفاقيات، أو أي حكومة قادمة.

بينما ينص اتفاق جنيف على إخلاء جميع خطوط التماس من الوحدات العسكرية والمجموعات المسلحة بإعادتها إلى معسكراتها، بالتزامن مع خروج جميع المرتزقة والمسلحين الأجانب من الأراضي الليبية برا وبحرا وجوا في مدة أقصاها ثلاثة أشهر من تاريخ التوقيع على وقف إطلاق النار.

والغرياني يبشر بالمواجهة

من جهته دعا الصادق الغرياني، وهو من أهم الشخصيات الدينية المؤيدة لسياسة أردوغان، في آخر ظهور تلفزيوني له، حكومة السراج إلى مزيد من توثيق علاقاتها مع تركيا، ودعم جبهات القتال استعدادا للمعركة المقبلة.

وقال مفتي ليبيا المعزول عبر قناة “التناصح” المملوكة لشخصيات تابعة لتنظيمات متشددة بليبيا وتبث برامجها من تركيا، موجهاً حديثه إلى المسؤولين بحكومة السراج “لا بد أن نراجع علاقاتنا مع أصدقائنا في تركيا، لأن الحرب لم تنته بعد، لا بد من الوقوف مع جبهات القتال ودعمها ليس فقط بالقوت بل بكل الوسائل التي تحتاجها المعركة التي قد تكون قادمة”، في إشارة إلى دعم الجبهات بالأسلحة والمعدات العسكرية.

كما انتقد الغرياني في تصريحاته، زيارة وزير الداخلية فتحي باشاغا إلى فرنسا التي “تقود حملة ضد تركيا بسبب دعمها لليبيا”، واعتبر الزيارة “خذلانا للحليف التركي الذي ساند الليبيين وقت الشدة”، في إشارة إلى دعم تركيا لقوات حكومة السراج خلال معركتها ضد الجيش الليبي.

احتمال عودة الصراع

وهذا الموقف الذي عبر عنه الغرياني، الذي تعوّل أنقرة على فتاواه كغطاء لشرعنة تدخلها العسكري في ليبيا، يشكل إشارة جديدة تضاف إلى إشارات أخرى تنذر كلها باحتمال عودة الصراع العسكري إلى ليبيا، لا سيما أنها تأتي بالتزامن مع عودة نشاط الجسر الجوي لنقل السلاح بين مطارات تركيا ومطارات غرب ليبيا، ومع تصريحات أطلقها وزير دفاع حكومة السراج صلاح الدين النمروش، وهدد فيها بالانسحاب من اتفاق وقف إطلاق النار الموقع بين طرفي الصراع، وشكك خلالها بفرص نجاح تفاهمات اللجنة العسكرية، أضافة إلى زيارة وزير الدفاع التركي المثيرة للجدل إلى طرابلس.

وكان رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان، قد هدّد برد انتقامي شديد عقب احتجاز الجيش الليبي لسفينة تركية بعد دخولها إلى منطقة عمليات عسكرية قبالة ساحل منطقة رأس الهلال.

تشكيل اللجنة القانونية

وبعيداُ عن التهديدات والتوترات المستمرة، شكلت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا لجنة قانونية ودستورية ستضع قانوناً للانتخابات العامة، التي تم الاتفاق على تنظيمها في شهر كانون الأول من العام المقبل.

وكشفت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا بالإنابة ستيفاني وليامز، أنها أنهت تشكيل لجنة تضم 17 عضواً من المشاركين في ملتقى الحوار السياسي الليبي، خلال اجتماع افتراضي عقدته مع ممثلي أطراف النزاع الليبي عبر الاتصال المرئي.

وناقش الاجتماع “سبل المضي قدماً في تنفيذ كافة نقاط خارطة الطريق وخاصة آلية اختيار السلطة التنفيذية والتحضيرات اللازمة لإجراء الانتخابات في موعدها”.

وركزت الوسيطة الدولية خلال الاجتماع على أهمية الانتهاء من “تشكيل اللجنة القانونية للعمل على استكمال الشروط، وتمهيد الطريق أمام العملية الانتخابية”، حسب مصادر قريبة من البعثة الأممية.

وفي نهاية الاجتماع، قدمت ستيفاني وليامز أسماء اللجنة القانونية التي ستوكل إليها مهمة العمل على وضع الترتيبات اللازمة للانتخابات الوطنية المقبلة.

وضمت اللجنة 11 عضواً من الغرب الليبي، و5 من برقة، وواحد من فزان.

ردود فعل

قال مصدر قريب من كتلة شرق ليبيا النيابية إن “البعثة شكلت اللجنة بدون معايير، وتجاهلت تزكيات الأعضاء لممثليهم”.

كما أبدى مفاوضون من برقة وفزان “انزعاجهم من اختيار 7 من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين ضمن اللجنة وتجاهل البعثة تزكيات برقة وفزان لممثليها بالحوار”.

وشدد المصدر على أن اللجنة “غير متوازنة جهويا، حيث إن 11من 17من الغرب في ظل استقطاب جهوي حاد، و5 فقط من برقة، و1 فقط من فزان”،

وفي المقابل أبدت مجموعة من أعضاء الحوار السياسي ارتياحها لموقف الوسيطة الدولية.

وبعثت مجموعة من أعضاء الحوار رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة تطالب فيها بالإبقاء على الدبلوماسية الأميركية على رأس البعثة الأممية حتى حل الأزمة الليبية”.

وبدوره أشاد الناطق باسم بعثة الأمم المتحدة إلى ليبيا، بجهود وليامز، وأكد جان علام في تصريحات صحفية أنها تمكنت من “تشكيل اللجنة القانونية للملتقى، وناقشت مع ممثلي فرقاء النزاع الترتيبات اللازمة لإجراء الانتخابات الوطنية، وآلية اختيار السلطة التنفيذية”.

وأشار إلى أن ممثلي أطراف النزاع “عرضوا آراءهم ومقترحاتهم بشأن أنسب الطرق وأكثرها توافقية للمضي قدماً واتخاذ قرار بشأن آلية اختيار السلطة التنفيذية التي ستتولى قيادة المرحلة التمهيدية، قبل موعد الانتخابات الوطنية.

وليامز تحذّر

وكانت الممثلة الخاصة للأمين العام بالإنابة قد أدانت بشدة ما وصفتها بالحملات الخطيرة عبر شبكات التواصل الاجتماعي “التي استخدمت كسلاح لاستهداف مسار ملتقى الحوار السياسي الليبي، من خلال نشر معلومات مضللة وخاطئة”.

وحذّرت في كلمتها أمام المشاركين في الاجتماع الافتراضي قائلة: “هذا مساركم، وعلى عاتقكم تقع في المقام الأول مسؤولية حمايته، وأحثكم على عدم تشجيع أو الانخراط في مثل هذه المحاولات التخريبية التي تهدف إلى عرقلة جهودكم وحرمان الشعب الليبي من فرصة فريدة للسلام والازدهار”، حسب ما نقل عنها المتحدث باسم بعثة الأمم المتحدة.

إنجازات مهمة

وكانت المبعوثة الأممية إلى ليبيا قد أشادت بتوصل المشاركين في الحوار الليبي إلى توافق حول ثلاثة ملفات أساسية، أولها تحديد تاريخ إجراء الانتخابات يوم 24 ديسمبر 2021 الموافق لتاريخ مهم لليبيين وهو استقلال البلاد.

وبخصوص ثاني الملفات المتفق عليها قالت وليامز “تم تحديد اختصاصات السلطة التنفيذية، وشروط الترشح للمجلس الرئاسي، حيث سيكون لديه مسؤوليات بسيطة بينها العمل على المصالحة الوطنية ويتكون من 3 أعضاء يمثلون مناطق الجنوب والشرق والغرب”.

وعن الملف الثالث الذي توافق عليه المشاركون ذكرت أنه يتجسد باختصاص الحكومة الذي سيكون محدداً في تقديم الخدمات الشعب الليبي كالماء والكهرباء وغيرها.

وأشارت المبعوثة الأممية إلى أن المجلس الرئاسي والحكومة سيكونان هيكلين منفصلين في عملهما ومن سيتم اختيارهم لهذه المناصب سيعملون لفترة قصيرة وسيكونون من التكنوقراط ولا ينتمون لأي حزب سياسي.

ويرى مراقبون أن التصعيد العسكري الذي تقوم به تركيا، وإصرارها على انتهاك حظر الأسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة على ليبيا، وتعمدها إجهاض المساعي الدولية الرامية لحل الأزمة الليبية، يهدد الجهود الدبلوماسية التي تقوم بها المبعوثة الدولية، ويضع المنطقة على فوهة بركان قابل للانفجار في أي لحظة، بما يهدد الأمن والاستقرار في المنطقة، وينذر بعواقب وخيمة قد تمتد على حوض المتوسط، والشمال الإفريقي، ومعظم مناطق الشرق الأوسط.