لكل السوريين

الذكاء الاصطناعي في الشرق الأوسط… جاهزية تقنية تقابلها فجوة بشرية

لا شك أن الذكاء الاصطناعي يحمل في طياته فرصاً هائلة لإعادة تشكيل مختلف القطاعات. غير أن دراسة عالمية حديثة أجرتها شركة كيندريل (Kyndryl) – المزود الرائد لخدمات تكنولوجيا المعلومات الحيوية – كشفت عن وجود تحديات جورية تعيق استفادة الشركات من هذه التقنية، لاسيما في منطقة الشرق الأوسط.

فجوة الاستعداد البشري

بحسب تقرير “جاهزية الأفراد 2025″، فإن 95% من المؤسسات العالمية، بما في ذلك في الشرق الأوسط، استثمرت بالفعل في الذكاء الاصطناعي. ومع ذلك، يعترف 71% من القادة بأن فرقهم غير مستعدة فعلياً للاستفادة من هذه الاستثمارات. الأسوأ من ذلك أن 51% من المؤسسات تفتقر إلى المهارات المناسبة، ويؤكد 45% من الرؤساء التنفيذيين أن موظفيهم إما يقاومون الذكاء الاصطناعي أو يعارضونه بشكل صريح.

بنية تحتية قوية… واستعداد بشري محدود

تُعد المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات من أبرز الدول التي أدمجت الذكاء الاصطناعي ضمن رؤاها الوطنية، مثل رؤية السعودية 2030 واستراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي. ووفقاً للتقرير، فإن 77% من الشركات في البلدين تستثمر حالياً في الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي – وهي نسبة تفوق المتوسط العالمي. ومع ذلك، فإن 39% فقط من تلك المؤسسات تحقق عوائد إيجابية على الاستثمار.

رغم أن 92% من القادة في الإمارات والسعودية يؤمنون بتميز بنيتهم التحتية الرقمية، إلا أن 43% فقط يعتقدون أنها جاهزة لمواجهة تحديات المستقبل، ما يشير إلى فجوة واضحة بين الإمكانيات التقنية والاستعداد البشري.

استعداد الأفراد… التحدي الحقيقي

يقول بيتر بيل، نائب الرئيس والمدير التنفيذي لشركة كيندريل في الشرق الأوسط وأفريقيا:

“المنطقة تحقق تقدماً ملحوظاً في الذكاء الاصطناعي، لكن الاستعداد البشري بات المحور الحقيقي للنقاش – محلياً وعالمياً.”

من هم “روّاد الذكاء الاصطناعي”؟

حدد التقرير فئة من المؤسسات أطلق عليها “روّاد الذكاء الاصطناعي” (AI Pacesetters)، وتمثل 14% فقط من العينة العالمية. ما يميز هذه المؤسسات هو امتلاكها لاستراتيجيات متكاملة توفّق بين التكنولوجيا والعنصر البشري، وتُظهر قدرة عالية على إدارة التغيير.

هذه المؤسسات:

أقل عرضة بنسبة 29% لمقاومة الموظفين للتقنية.

أكثر احتمالاً بنسبة 67% لتقييم المهارات بدقة.

و40% منها لا تعاني من فجوات مهارية تُذكر.

الذكاء الاصطناعي داخل المؤسسات: الاستخدام لا يزال محدوداً

رغم أن 95% من الشركات استثمرت في الذكاء الاصطناعي، إلا أن 35% فقط قامت بدمجه في العمليات اليومية، فيما لا تزال 60% في مراحل الاستكشاف والتجريب. ويظهر التقرير أيضاً أن 84% من الشركات تستخدم أو تدرس أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي، لكن 24% فقط لديها أطر حوكمة واضحة لهذه التقنيات.

وعند الحديث عن إدارة المهارات، يتبين أن:

25% فقط من الشركات تملك رؤية دقيقة لمهارات موظفيها الحالية.

أقل من ذلك تستخدم أدوات لتوقّع المهارات المطلوبة مستقبلاً.

الذكاء الاصطناعي: من الأتمتة إلى الابتكار

غالبية المؤسسات تركز على استخدام الذكاء الاصطناعي في تحسين الكفاءة الداخلية، كأتمتة المهام، ولكن نادراً ما يُستخدم لتطوير منتجات أو خدمات جديدة. هذا الاستخدام المحدود يفسّر ضعف العائد الاستثماري في كثير من الحالات.

تؤكد ماريجو شاربونييه، الرئيس التنفيذي للموارد البشرية في كيندريل:

“التحضير لعصر الذكاء الاصطناعي ليس مسألة تقنية فقط، بل هو تحدٍّ مؤسسي حقيقي. من الضروري ربط بيانات المهارات باحتياجات العملاء، وبناء مسارات مرنة لتطوير الكفاءات، إلى جانب تطبيق أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي بطرق عملية ومسؤولة.”

لحظة حاسمة في التحول الرقمي

على الرغم من وضوح الرؤى الرقمية في الشرق الأوسط، فإن التقرير يسلّط الضوء على ثلاث فجوات حرجة تعرقل التقدم:

فجوة الثقة: كثير من الموظفين قلقون بشأن مستقبل وظائفهم، مما يعيق تبنيهم للتكنولوجيا.

فجوة المهارات: تفتقر الشركات إلى فهم دقيق لقدرات كوادرها، ما يصعب سد الثغرات التدريبية.

فجوة الحوكمة: رغم انتشار الذكاء الاصطناعي التوليدي، لا تزال أطر تنظيم استخدامه غائبة في العديد من المؤسسات.

من الجاهزية إلى المرونة: خارطة طريق للنجاح

يشير التقرير إلى ثلاث ركائز حاسمة على الحكومات والمؤسسات تعزيزها لتحقيق استفادة حقيقية:

الاستراتيجية: وضع خريطة طريق متكاملة تشمل أهدافاً واضحة وخططاً لإدارة التغيير.

المهارات: بناء أنظمة دقيقة لرصد القدرات، وتوفير بيئات تعليمية مستمرة ومرنة.

الثقافة المؤسسية: تعزيز الثقة، وتحويل المخاوف إلى دوافع للتعلّم والتطور.

هذه الركائز ليست مجرد توصيات، بل ضرورات استراتيجية لضمان نجاح التحول الرقمي في المنطقة.

- Advertisement -

- Advertisement -