لكل السوريين

شفيق مطر: انتفاضة القامشلي وضعت أولى اللبنات للثورة السورية

لم يكن لبعض السوريين ذنبٌ على امتداد الجغرافية السورية أن غابت عنهم مجريات أحداث انتفاضة 12 آذار في مدينة القامشلي 2004، إذ أن النظام ذاته الذي قمع الشعب السوري على مدار قرابة عقد ونصف من الثورة السورية، هو ذاته من حاول تغيير الصورة والحقيقة وإيهام السوريين أن ما حدث في مدينة القامشلي “عصيان على الدولة” وليس انتفاضة شعبية.

وكسرت انتفاضة القامشلي عام 2004 حاجز الخوف والرعب من السلطة، وإجرام أجهزتها الأمنية بحق أي ثائر أو رافض لسياسات البعث الذي حكم بالنار والحديد لأكثر من خمسة عقود، استطاعت الانتفاضة الشعبية في القامشلي رسم معالم الثورة التي يقوم بها أفراد من الشعب ويشارك فيها آخرون حتى تتوسع وتشمل كل حر يريد أن ينال حريته وكرمته وحقه في العيش الحر على أرض وطنه مهما كان عرقه أو دينه أو جنسه.

لو اشترك الشعب السوري مع الكرد المنتفضين في وجه النظام في آذار ٢٠٠٤، ربما كانت عملية إسقاط النظام البعثي أسهل، وربما كنا الآن تجاوزنا إرهاصات المرحلة الانتقالية، لكننا لم نفعل ذلك، بل أدار السوريين للكرد ظهورهم، وساهموا بجهل منهم أو بدراية آخرين برروا وحشية النظام وسياساته تجاه الكرد، وتم القول حينها أنهم مجموعة خارجة عن القانون افتعلوا أحداث الملعب البلدي في القامشلي لإحداث الفوضى.

النظرة العامة لحراك القامشلي في ١٢ آذار ٢٠٠٤ كانتفاضة وكتأسيس للحراك الشعبي الحالي لا يمكن تجزئته، فالخطاب السياسي في ١٢ آذار كان مفاده الدعوة إلى سوريا ديمقراطية وبرلمانية وتعددية، هو نفسه الخطاب الذي نادى به السوريين في ١٥ اذار ٢٠١١.

وبهذا الخصوص عقدت صحيفتنا السوري حواراً مطولاً مع الحقوقي الأستاذ شفيق المطر، ودار الحوار التالي:

*هل كانت انتفاضة القامشلي عام ٢٠٠٤، مستقلة عن ثورة السوريين عام ٢٠١١، أم جزء لا يتجزأ منها؟

إن انتفاضة القامشلي كانت بمثابة إحدى أهم دعائم الحراك الثوري السوري المندلع بدوره في منتصف آذار ٢٠١١، فلم تكن انتفاضة ١٢ آذار ٢٠٠٤ حالة غوغائية أو حالة شغب لجماهير كرة القدم كما حاول النظام ومن يجري في فلكه تسويقها للعقل السوري، بل كانت انتفاضة حقيقية انطلقت من القامشلي وأسفرت عن نحو ٤٠ شهيداً وعشرات الجرحى ومئات من المعتقلين وتعرضهم للتعذيب من قبل أجهزة الأمن السوري، رافقها هجمة إعلامية موجهة، وبالرغم من ذلك عمت الانتفاضة عموم مناطق شمال وشرق سوريا ووصولاً لدمشق وحلب، وأحدث صداها مدى واسعاً والتفاتاً لم يقتصر على ضرورة تعزيز حل ديمقراطي عادل للقضية الكردية في سوريا، وإنما كانت بمثابة إحدى أهم دعائم الحراك الثوري السوري المندلع بدوره في منتصف آذار ٢٠١١، المؤكد بدوره على أن سوريا بحاجة ماسة لإحداث التغيير والتحول الديمقراطي الجذري عبر حل قضاياها وتحقيق نظام ديمقراطي في نموذج الإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال وشرق سوريا.

*بشكل مبسط، كيف اندلعت شرارة انتفاضة القامشلي؟

انتفاضة ٢٠٠٤ بدأت، كما هو معروف، على خلفية مشاحنات أعقبت مباراة في كرة القدم بين نادي الجهاد المحلي، ومعظم جمهوره من الأكراد المبتهجين لسقوط صدام حسين، وفي النفوس مجزرة حلبجا وسواها، وجمهور نادي الفتوة القادم من مدينة دير الزور، حيث كان بعض الجمهور ساخط لسبب مضاد وجوهره التعاطف مع العراق أو مع صدام حسين شخصياً لدى شريحة منهم، وكان يمكن للواقعة تلك أن تمر مثل سواها من مئات حوادث الشغب في ملاعب كرة القدم، لولا أن النظام سارع فوراً إلى استخدام الرصاص الحي، ليعطي درساً في الفاشية، في القامشلي والحسكة وعامودا وديريك والدرباسية وعين العرب وعفرين، هذه المرة، فتحولت الانتفاضة إلى مطالبات ديمقراطية لشعب المنطقة ولكن سرعان ما تم مجابهتها بالسلاح وقمعها.

*هل الانتفاضة في عام ٢٠٠٤، مهدت طريق الثورة السورية في عام ٢٠١١؟

كانت الانتفاضة عام ٢٠٠٤، التي سبقت الثورة السورية على نظام الأسد بسبعة أعوام، شبيهة بالثورة في كثير من وقائعها وطريقة تعامل النظام معها، فعندما اندفع مزيد من الشعب إلى الشوارع في اليوم التالي، للاحتجاج على أعمال القتل وتشييع ضحايا رصاص النظام، واجهت قواته الحشود الشعبية بمزيد من الرصاص، وهو ما شاهدناه خلال الثورة السورية، عندما استهدف النظام المشيعين حتى في المقابر، خلال دفنهم ضحايا رصاصه، ولم ينجح القمع المنفلت من العقاب الذي استخدمه النظام في كسر الانتفاضة، بل ساهم في توسيع رقعتها، من خلال مشاركة المزيد في الاحتجاجات على أعمال القتل، الأمر الذي واجهه النظام بدوره بمزيد من الرصاص، لترتفع أعداد القتلى والجرحى، وأطلق العنان لمواليه للقيام بخرق حرمة بيوت الأهالي ونهبها، ونهب محلاتهم التجارية وممتلكاتهم، وهو ما عرف سورياً بعد بداية الثورة السورية بعمليات التعفيش، حيث شاهدنا جنود جيش النظام وعناصر ميليشياته، وهم يعفشون بيوت المواطنين السوريين وممتلكاتهم في المدن الثائرة عليها، ويفتتحون أسواقاً شعبية لبيعها، ومن بعد انتفاضة ٢٠٠٤ فإن المواطنين السوريين كانوا تجاوزوا بوعيهم الاعيب نظام الأسد، وعندما انطلقت الثورة السورية في آذار ٢٠١١، وجدوا أنفسهم يهتفون بصوت واحد بسقوط النظام الاستبدادي، بعد أن أسقطت الثورة الحواجز التي زرعها بينهم وكشفته على حقيقته، نظام عائلي لا هدف له سوى الحفاظ على السلطة بأي ثمن، وكانت بداية انضمام الكرد إلى الثورة على النظام، هو في جمعة التضامن مع مدينة درعا، التي كانت تتعرض للحصار وأهلها للقتل، ليسمي السوريون بعد ذلك احدى جمع ثورتهم (جمعة آزادي/الحرية)، وليهتف السوريون للحرية، التي طافت على أجنحة الثورة السورية حول العالم، وليعمّد الثوار الكرد بدمائهم الثورة السورية.

*سقط الأسد، ونجحت الانتفاضة والثورة السورية في تحقيق مسعاها، سلطات دمشق الآن هل هم وجه الثورة؟

للأسف الجديد سلطات دمشق الآن بعد إسقاط نظام الأسد البائد لازالت محافظة على ذات العقلية، وبعيدة كل البعد عن الديمقراطية، والحرية، وتريد إعادة إنشاء نظام استبدادي مركزي يقصي جميع المكونات والطوائف، متناسية ما نادت وصدحت به أصوات الثوار السوريين، فسلطات دمشق عقدت مؤتمر وطني سوري شامل، ولكنه لم يكن شاملاً فقد اقصت مكونات شمال شرق سوريا ومظلتهم السياسية في إطار الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، وغيرها ارتكبت العديد من التصرفات التي لا تنم عن عقلية ديمقراطية لتأسيس دولة حرة فهي مازالت تحت عباءة الاحتلال التركي الذي يحتل حتى الآن مناطق من سوريا، وبهذه التصرفات يكمن القلق من قيام ثورة جديدة.