تخوف تركي عميق من دفع الحلول السياسية في دمشق.. باحث سياسي: الدور الفرنسي في سوريا يساهم باستقرار المنطقة
حاوره/ مجد محمد
رأى فريد عسكر أن فرنسا تعتمد على مجموعة من العوامل التي تمنحها مبررات قوية للعب دور محوري في إعادة إعمار سوريا، وبعد تقلص عمل القوات الروسية في سوريا، وجدت فرنسا أمامها الباب مفتوح من أجل الدخول لمحاربة الإرهاب وحماية الأقليات، واستخدامها كورقة ضغط لتحقيق أهدافها، وتعزيز وجودها العسكري والدبلوماسي في سوريا.
تسعى فرنسا للعودة إلى سوريا من أجل تحقيق أهداف استراتيجية متعددة تشمل استعادة نفوذها الجيوسياسي، وتعزيز حضورها الاقتصادي، وترسيخ دورها كلاعب رئيسي في الترتيبات الإقليمية لما بعد الحرب، إذ ترى باريس في سوريا نقطة استراتيجية حيوية على البحر الأبيض المتوسط، تتيح لها مواجهة التحديات الناتجة عن تراجع نفوذها في إفريقيا وتصاعد النفوذ الروسي هناك، كما تعتمد فرنسا على توحيد الصف الكردي كمدخل لتأمين حضورها في الشمال السوري، ما يمنحها ورقة ضغط فعالة في مواجهة تركيا وتعزيز علاقتها بالقوى الكردية كحليف استراتيجي، وفي المقابل تتجلى مخاوف أنقرة من التحركات الفرنسية في دعم باريس للكرد وتحالفها مع قسد، ما يعمق الصراع الفرنسي-التركي حول مستقبل سوريا.
وفي هذا الصدد عقدت صحيفتنا السوري حواراً مطولاً مع الأستاذ والمحلل السياسي فريد عسكر، ودار الحوار التالي:
*ما هي أهداف فرنسا من العودة إلى سوريا؟
تسعى فرنسا للعودة إلى سوريا بعد الحرب لتحقيق مجموعة من الأهداف السياسية والاقتصادية والأمنية لاستعادة نفوذها الجيوسياسي في المنطقة معتمدة على مجموعة من العوامل التي تمنحها مبررات قوية للعب دور محوري في إعادة إعمار البلاد، وقد يكون لتراجع دور فرنسا في إفريقيا وظهور النفوذ الروسي هناك تأثير كبير على توجهات السياسة الفرنسية في منطقة الشرق الأوسط، وخاصة سوريا، فبعدما شهدت إفريقيا تقارباً متزايداً بين روسيا وبعض الدول الإفريقية، حيث عززت موسكو وجودها العسكري والاقتصادي هناك، تجد فرنسا نفسها أمام تحديات كبيرة لاستعادة نفوذها في مناطق أخرى مثل الشرق الأوسط وسوريا التي تعتبر نقطة استراتيجية على البحر الأبيض المتوسط، تمثل فرصة ذهبية لفرنسا لتستعيد دورها في المنطقة، وتضمن حضوراً دائماً على الساحة الدولية، وإن العودة الفرنسية إلى سوريا بعد الحرب قد تكون بمثابة محاولة لاستعادة مكانتها في المنطقة، على حساب تراجع الدور الروسي هناك، ويمكن لفرنسا أن تسعى لتوسيع نفوذها عبر تقديم نفسها كقوة موازية في مواجهة النفوذ الروسي، خاصة مع تسارع الدعوات الأوروبية، لانسحاب القواعد الروسية من سوريا، وهنا يمكن لفرنسا استثمار القضايا السياسية والأمنية، مثل محاربة الإرهاب وحماية الأقليات، كورقة ضغط لتحقيق هذا الهدف، ما يسمح لها بتعزيز وجودها العسكري والدبلوماسي في سوريا.
*هل ما ذكرته هي الأسباب فقط، أم إن هناك مصالح اقتصادية؟
من منطلق المصالح الاقتصادية، تطمح فرنسا للعب دور رئيسي في عدة مشاريع اقتصادية استراتيجية في البلاد، خصوصاً في قطاع الطاقة، ومن أبرز هذه المشاريع تطوير خطوط نقل الغاز والنفط عبر سوريا إلى أوروبا، مثل إعادة إحياء خط أنابيب الغاز العربي الذي يمر عبر سوريا إلى البحر الأبيض المتوسط، وكذلك يمكن لفرنسا أن تساهم في تجديد وتوسيع خطوط أنابيب النفط التي تربط العراق بسوريا، ما يساعد في تأمين إمدادات الطاقة الأوروبية ويعزز الاقتصاد السوري، كما أن فرنسا تستطيع الاستثمار في مشاريع الطاقة المتجددة في سوريا مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وهو ما يتماشى مع خططها لدعم تحول أوروبا إلى الطاقة النظيفة، مع إمكانية ربط هذه المشاريع بشبكات الطاقة الأوروبية، وإضافة إلى ذلك، يمكن أن تساهم فرنسا في تحديث البنية التحتية السورية، بدءاً من تطوير الموانئ السورية، مثل طرطوس واللاذقية، وصولاً إلى مشاريع الربط الكهربائي بين سوريا والدول المجاورة، وهذا التعاون الاقتصادي سيمكن فرنسا من تعزيز وجودها في قطاع الطاقة العالمي، بالإضافة إلى دعم إعادة الإعمار من خلال مشاريع البناء والصناعة التي تشمل تطوير المصانع والمرافق الإنتاجية، وستعزز فرنسا من خلال هذه المشاريع موقعها الاستراتيجي في المنطقة
*ما هي مبررات عودة الدور الفرنسي إلى سوريا بعد الحرب؟
إن الإرث التاريخي الفرنسي في سوريا له دور حيوي في تأسيس الدولة الحديثة في هذا البلد، وهو ما يضع فرنسا في موقع استراتيجي قوي ومتقدم لاستعادة دور محوري في عملية إعادة الإعمار بعد الحرب السورية، كما أن حضورها الدبلوماسي القوي وعلاقاتها الوثيقة مع الأطراف الفاعلة يمنحانها دوراً محورياً في التسوية السياسية وبناء مؤسسات الدولة الجديدة، إضافة إلى ذلك فإن دور فرنسا في التحالف الدولي لمحاربة داعش والإرهاب في سوريا، يعزز من مبرراتها لتحقيق استقرار طويل الأمد في البلاد، حيث تشكل مشاركتها في محاربة الإرهاب جزءاً أساسياً من ضمان عدم عودة التنظيمات المتطرفة، ما يجعلها لاعباً رئيسياً في مرحلة ما بعد الحرب لضمان أمن المنطقة واستقرارها، وإن توجه فرنسا نحو حماية الأقليات في ظل تصاعد المخاوف يمكن أن يمنع انزلاق سوريا نحو حرب أهلية، بالاستناد إلى مبدأ مسؤولية الحماية يعزز دورها السياسي والأخلاقي في حماية المدنيين والأقليات وضمان استقرار سوريا، ومنع أية صراعات جديدة
*فرنسا دائما ما تحاول إلى توحيد الصف الكردي وما إلى ذلك، ما رأيك؟
تسعى فرنسا إلى توحيد الصف الكردي في سوريا لتحقيق عدة أهداف استراتيجية، فمن جهة، يمنح الاستقرار في المناطق الكردية في شمال شرق سوريا فرنسا فرصة لترسيخ حضورها كلاعب دولي في الأزمة السورية، خاصة مع تراجع نفوذ بعض القوى الأخرى، ومن جهة أخرى، يمكن توحيد الكرد فرنسا من بناء شراكة قوية مع القوى الكردية الفاعلة، مما يعزز نفوذها في الملفات الإقليمية عند التعامل مع تركيا وإيران، ويؤمن لها دوراً في تحديد مستقبل سوريا السياسي، كما تسعى فرنسا من خلال هذا التوحيد إلى تأكيد التزامها بدعم الأقليات وحقوق الإنسان، ما يعزز صورتها كلاعب أخلاقي وسياسي في المنطقة
*هناك تصارع بين فرنسا وتركيا بالنسبة لسوريا، وضح لي ذلك؟
نعم هناك خلاف تركي-فرنسي حول الدور المستقبلي لكل منهما في إعادة تشكيل المشهد السوري بعد سقوط نظام الأسد، وقد أظهرت التصريحات المتبادلة بين أنقرة وباريس خلال الأسابيع الماضية بوضوح مخاوف تركيا المتزايدة من أي دور فرنسي في مستقبل سوريا، خاصة فيما يتعلق بالشمال الشرقي والعلاقة مع الكرد، حيث أعلن وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، بشكل صريح، رفض بلاده لأي دور للقوات الفرنسية في سوريا، مؤكداً أن الولايات المتحدة هي الطرف الوحيد الذي تتعامل معه أنقرة في هذا الملف، وإن تصريحات فيدان تعكس تخوفاً تركياً عميقاً من أي وجود فرنسي، سواء عبر تحالفاتها مع قوات سوريا الديمقراطية أو من خلال دورها الدبلوماسي في دفع الحلول السياسية في دمشق.
*حاولت فرنسا الدخول كوسيط غير مباشر بين سلطة دمشق وقسد، هل غضبت تركيا من ذلك؟
دعا وزير الخارجية الفرنسي، خلال زيارته لدمشق، إلى التوصل لحل سياسي مع الكرد وإتلاف مخزون الأسلحة الكيميائية السورية، في إشارة واضحة لدعم باريس لحقوق الكرد، وتعزيز مكانتهم السياسية ضمن المشهد السوري، تصريحات بارو هذه، زادت من انزعاج تركيا، خصوصاً أنها تتزامن مع مبادرات للإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا بأن تتولى قوات أمريكية وفرنسية مشتركة مراقبة الحدود بين سوريا وتركيا، ذلك ما ترفضه أنقرة بشدة، وإن تركيا التي شنت عدة عمليات عسكرية في الشمال السوري، بحجة حماية أمنها القومي، تنظر بعين الريبة لأية مبادرات تقودها باريس، وتصريحات بارو بأن مصالح تركيا وفرنسا وأوروبا تكمن في استقرار سوريا لم تقنع أنقرة التي ترى في التحركات الفرنسية محاولة لاستبدال الدور التركي في إدارة الملف السوري.