لكل السوريين

نشر قيم السلام وتعزيزها بين جميع الأمم والشعوب

إعداد أنعام إبراهيم نيوف

إن مفهوم السلام تطور مع مرور الزمن وتطورت سبل تحقيقه، وبقي حلما لازم البشرية منذ عصور عديدة نتيجة معاناتها من ويلات الحروب والصراعات والعنف والإرهاب لدرجة أن السلام يكاد يشكل استثناء في مواجهة قاعدة الصراع والحرب، وخاصة ونحن في الألفية الثالثة إذ نشهد تزايداً ملحوظاً في معدلات الصراع والعنف بجميع أشكاله على الرغم من تطور الوعي بوحدة المصير الإنساني وبأهمية السلم كفرض من فروض التنمية والرخاء، فدروس التاريخ علمتنا بأنه كان هناك دائماً جدلية عاشتها البشرية- ولم تزل – وهي جدلية الحرب والسلام فجذور الحرب تكمن في أعماق السلم، كما أن بوادر السلم يمكن أن تنطلق من قلب الحرب، فعلاقة التأثير التأثر بين الاثنين كانت مسئولة – في جزء منها -عن تطور البشرية، أن الحرب تنشط التقدم والتطور بمعدل أسرع من وقت السلم إذ أن الصراعات المسلحة تدفع الإنسان إلى الاختراع أو الهلاك.

لقد شغلت موضوعة السلام فكر جميع الشعوب منذ زمن بعيد، متأثرين بنداءات الرسالات السماوية لتحقيق السلام ولترسخ فكرة السلام والتسامح والدعوات إلى إفشاء السلام بين البشر والتسامح وشغلت فكرة السلام الأوروبيين الذين مزقتهم الحروب القومية الشوفينية والدينية، فدعوا الى السلام وشكلت أفكار الأوروبيين نواة للمعاهدات والاتفاقيات من أجل السلام التي ابتدأت بمعاهدة وستفاليا 1648، إذ شكلت تلك المعاهدة نواة لتنظيم دولي أقر السلام في القارة الأوروبية. ثم جاء عهد عصبة الأمم 1919 ثم ميثاق الأمم المتحدة 1945، ثم جاء الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي تبنته الأمم المتحدة في 10كانون الاول 1948، وكان مصدر إلهام لمجموعة ضخمة من معاهدات حقوق الإنسان الدولية ذات الإلزام القانوني، وكذلك لموضوع تطوير حقوق الإنسان على صعيد العالم بأسره، ويعد هذا الإعلان بمثابة الاعتراف الدولي بأن الحقوق الأساسية والحريات الرئيسية تعد متأصلة لدى كافة البشر، وهي غير قابلة للتصرف وتنطبق على الجميع في إطار من المساواة، وأن كلا منا قد ولد وهو حر ومتساو من حيث الكرامة والحقوق. ومهما كان هناك اختلاف بيننا فيما يتعلق بالجنسية أو مكان الإقامة أو نوع الجنس أو المنشأ القومي أو العرقي أو اللون أو الدين أو اللغة أو أي حالة أخرى، ويمثل الإعلان المثل الأعلى الذي يجب أن تبلغه الأمم والشعوب كافة، وقد اعتُمد ونشر في اليوم العاشر من شهر كانون الأول من العام 1948م، بقرار من الجمعية العامة، 217 ألف (د-3)، وقد جاء هذا الإعلان لما حدث من امتهان لكرامة الإنسان وحقوقه وازدرائه، ولما أخذت الأمم المتحدة على عهدها تعزيز احترام الإنسان ومراعاة حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، وللمساواة بين الرجال والنساء في الحقوق، ولتحقيق العدالة الاجتماعية وتحسين مستوى حياة الفرد، وقد ترجم ذلك الإعلان إلى 501 لغة، ونؤكد ان الإعلان لا يعتبر معاهدة ولا اتفاقا دوليا ولا يتضمن أي التزام قانوني، فهو مجموعة من المبادئ العامة أو فلسفة حقوق الإنسان، وهو تفسير لميثاق الأمم المتحدة. وتشكل بنوده واجبات أدبية لا تلزم المخاطب بأي التزام قانوني، وهي مثل عليا كما أكدت عليها الديباجة، وهي لا تتضمن إجراءات التوقيع ولا الانضمام ولا طريقة التعديل ولا شروط النفاذ كما هو الشأن بالنسبة للاتفاقيات الدولية.

ويتولى القانون الدولي لحقوق الإنسان وضع التزامات يتحتم على الدول أن تحافظ عليها. وعندما تصبح الدول أطرافاً في معاهدات دولية، يراعى أنها تضطلع بالتزامات وواجبات في إطار القانون الدولي تتصل باحترام وحماية وتطبيق حقوق الإنسان:

الالتزام بالاحترام يعني أنه يتعين على الدول أن تمتنع عن التدخل في حقوق الإنسان أو تقليص التمتع بها.

الالتزام بالحماية فإنه يشترط على الدول أن تقي الأفراد والجماعات من انتهاكات حقوق الإنسان.

الالتزام بالتطبيق يتضمن مطالبة الدول باتخاذ إجراءات إيجابية لتيسير التمتع بحقوق الإنسان الأساسية.

لقد أنكرت الحروب كلها حق الإنسان في الحياة والأمن والسلام، ولذلك ركزت مقاصد الأمم المتحدة في حفظ السلم والأمن الدوليين، وإقامة علاقات ودية بين الأمم، وتحقيق التعاون بين الدول لحل المشكلات والنزاعات بالطرق السلمية. وقد ربطت المادة الأولى من الميثاق بين حفظ الأمن والسلم الدوليين وبين مراعاة حقوق الإنسان، وأوكل الميثاق مهمة حفظ الأمن والسلم الدوليين إلى مجلس الأمن الدولي، وأعطى الجمعية العامة بعض الصلاحيات في هذا المجال، إذ طلب مجلس الأمن منها ذلك، وركز في مهماته على تطبيق نظام الأمن الجماعي وفق منظور سياسي، وليس من منظور قانوني يراعي الحق والعدل والإنصاف، وأكد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في الفقرة الأولى منه على الاعتراف بالكرامة المتأصلة في جميع اعضاء الأسرة الدولية، وبحقوقهم المتساوية الثابتة، وعدها المجلس أساس الحرية والعدل والسلم في العالم.

يحتفل العالم في كل عام بيوم 21 من شهر أيلول في  يوم السلام العالمي وذلك بموجب قرار أعلنته الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم (36/67) عام 1981، لتكون مناسبة عالمية مشتركة يتم بها احتفال جميع شعوب العالم معاً بهذا اليوم، وقد أقيم أول احتفال بيوم السلام العالمي في عام 1982، إلى أن قامت الجمعية العامة في عام 2001 بالتصويت والإجماع على القرار (55/8282)، الخاص بالتحديد في تاريخ 21 أيلول  من كل عام يوماً للسلام العالمي ووقف إطلاق النار ومنع العنف والقتل بين الدول، وبهدف تكريس وتمجيد أهمية السلام لدى الإنسان، وتعزيز الُمثل والقيم الإنسانية من أجل الدعوة إلى السلام ونشره بين الأمم وتشجيعه.

ونشير الى مفهوم ثقافة السلام الذي ظهر بعد الحرب العالمية الثانية تحت عنوان “بحوث السلام” ومن بعد تبنته منظمة الأمم المتحدة، غير أن هذا المفهوم قد تطور أخيراً في نهاية القرن الماضي وظهر ذلك في عدد من المؤتمرات والندوات والإعلانات ذات الصلة التي تناولت تحليل أبعاد هذا المفهوم ومرتكزاته وطرق تحقيقه، على اعتبار أن ثقافة السلام هي ثقافة للتعايش والتشارك المبنية على مبادئ الحرية والعدالة والديمقراطية والتسامح والتضامن، هي ثقافة ترفض العنف وتدعو لحل المشاكل عن طريق الحوار والتفاوض كما حدد بيان موسكو بشأن السلام أهم مرتكزات ثقافة السلام فقد اعتمدت الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو) برنامج ثقافة السلام (عام 1992) كاستراتيجية لبناء السلام والمصالحة في مرحلة ما بعد النزاعات.

ولان عوامل تدعيم السلام عديدة فإن معوقاته عديدة كذلك، ويمكن أن تصبح عوامل تدعيمه عائقاً لإحلاله إذا ما استخدمت لغرض الصراع والعنف، فالعنصرية والاعتقاد بتفوق جنس معين عن بقية الأجناس أو حضارة عن الأخرى يمثل عائقاً للسلام، والاختلافات الثقافية يمكنها أن تكون عائقاً لسلام إذا ما كانت سبباً في سوء الفهم والشك كذلك القومية أو التعصب القومي وارتباطه بالسيادة، هذا إلى جانب الظروف الاقتصادية والاعتقاد بأن الحروب وسيلة لحل المشاكل، والاختلافات الطائفية والدينية تعد من أقوى أسباب الصراعات الأهلية والدولية إذا وجدت الظروف الموضوعية المساندة فالتفكير المحدود لأفكار السلام يعد سبباً لإعاقته.