لكل السوريين

اللغة الكردية.. من القمع والاستبداد إلى النهوض

حاوره/ مجد محمد

عندما نتكلم عن اللغات، نرى إنه من الضروري العودة إلى اعتبار أي لغة كأداة تفكير وتعبير عن مشاعر وعن أحاسيس وعواطف وأفكار الأفراد في المجتمع، كما أنها وسيلة تواصل علمي وتبادل فكري وثقافي وهي أيضا حافظة للهوية وللانتماء، وحافظة لتراث الفرد الملموس وغير الملموس، وحافظة لثقافة الفرد بمختلف الميادين، وعندما تكون اللغة مختلفة فأن الفرد الآخر قد يكون مختلفا، غير أن الاختلاف يكون مصدر غنى وركيزة للاندماج في مجتمع يحلو به العيش معاً، وبغية تعزيز التسامح واحترام الآخرين تدعو جميع المجتمعات في العالم إلى الحفاظ على الاختلافات في الثقافات واللغات.

ويحتفل الشعب الكردي في ١٥ أيار من كل عام بيوم اللغة الكردية، منذ أن خصص المؤتمر الوطني الكردستاني هذا اليوم يوماً لها عام ٢٠٠٦، وللحديث عن هذا الموضوع عقدت صحيفتنا حواراً مطولاً مع الأستاذ عباس باشو الأستاذ في معهد سيداي تيريج لتعليم اللغة الكردية، ودار الحوار التالي:

*أستاذ عباس مرحبا بك بداية، اللغة الكردية من اللغات المحظورة إلى إحدى اللغات الرسمية في شمال وشرق سوريا، تاريخ هذا اليوم؟

تم تحديد يوم ١٥ أيار من كل عام، كونه يصادف تاريخ إصدار أول عدد لمجلة هاوار الأدبية الكردية، والتي أسسها جلادت بدرخان في دمشق، وصدر عددها الأول في ١٥ أيار عام ١٩٣٢، واستمرت المجلة حتى ١٥ من آب ١٩٤٣، ثم توقفت بعد أن صدر منها ٥٧ عددا، وطبع أول ٢٣ عدداً منها بالأحرف العربية واللاتينية، ثم اقتصرت على الأحرف اللاتينية، وسميت الأبجدية الكردية اللاتينية التي أدخلها جلادت بدرخان واستخدمها في مجلته، باسم أبجدية هاوار أو أبجدية بدرخان، وبعد سنوات من تهميش وحظر اللغة الكردية بسبب الممارسات الفاشية من قبل السلطة الحاكمة، إلا أنه اليوم وبعد ثورة شمال وشرق سوريا يتم تداولها ويجري العمل على تطويرها من الناحية الاجتماعية والتعليمية والمؤسساتية، ويتم تعليم الآلاف من المعلمين لغتهم الأم كما يتم تدريسها في المدارس.

*اللغة الكردية بلمحات تاريخية وبحديث بسيط؟

اللغة الكردية يتكلمها الكرد في غرب آسيا، وتنتمي إلى اللغات الهند- أوروبية لتكون على صلة بلغات منها الجرمانية واللاتينية والفارسية، وتكتب اللغة الكردية بالخط اللاتيني والعربي بحسب الدولة التي یسکن فيها الكرد، ويتحدثها ما بين ٣٥ إلى ٥٠ مليون شخص، وتعتبر اللغة الكردية من أقدم وأعرق اللغات في منطقة الشرق الأوسط التي هي مهد الحضارات الإنسانية، وليست الكردية أقدم اللغات فحسب وإنما هي من أغناها أيضاً، وعلى الرغم من محاولات صهر هذه اللغة إلا أنها حافظت على وجودها بقوة إلى يومنا هذا خلافاً للعديد من اللغات التي انصهرت في بوتقة الدول المحتلة، ومعظم متحدثي اللغة هم في تركيا والعراق وإيران وسوريا وأرمينيا، ولها عدة لهجات بحسب الدولة، ولا تعتبر اللغة الكردية لغة رسمية إلا في العراق بجانب العربية، وذلك منذ كتابة دستور العراق الجديد في عام ٢٠٠٤، وهنا في شمال وشرق سوريا تشجع الإدارة الذاتية التعليم باللغات الكردية والعربية والسريانية في مدارسها، بعد أن كانت اللغة الكردية ممنوعة في أثناء سيطرة النظام السوري قبل عام ٢٠١١، حتى أصبحت لغة رسمية هنا أيضاً.

*تحدثنا عن واقع اللغة في العراق وسوريا، ماذا عن واقع اللغة الكردية في تركيا؟

حالياً وبضغوط تمارس من قبل الدول المحتلة يتم تدمير اللغات المحلية بشكل ممنهج، ففي السنوات السبعين الماضية، تم تدمير ما يقارب من ٢٠٠ لغة، واللغة الكردية من اللغات المهددة بالغزو والفناء كما يوجد تهديد داخلي عليها أيضاً، ويعيش أكثر من ٢٠ مليون كردي في تركيا والمشكلة الكردية في تركيا متعددة الأوجه، إضافة لمشاكل هوية الوجود والمشاكل الأمنية والسياسية والاقتصادية والثقافية، توجد مشكلة حظر اللغة الكردية والتي تعد واحدة من المشاكل الرئيسية، واللغة الكردية هي اللغة الأكثر انتشاراً في تركيا بعد التركية، وفي عام ٢٠٢١، قدم حزب الشعوب الديمقراطي مشروعاً لاستخدام اللغة الكردية في البرلمان التركي لكنه قوبل بالرفض، وفي نفس العام، جمع العديد من الأفراد مئات الآلاف من التوقيعات لإدراج اللغة الكردية في تركيا ولكن تم رفض هذا أيضاً وقاموا بحظره، ورغم هذا فقد تم إنشاء أكثر من ٢٥٠ مركزاً لتعليم وتطوير اللغة والثقافة الكردية في تركيا خلال السنوات العشر الماضية، وتم إغلاق ٢٠٠ مكان منها، كما تم اعتقال حوالي ١٧٠ من المؤسسات الإعلامية والصحفية واعتقال العشرات من معلمي اللغة الكردية والفنانين والمطربين والشعراء والكتاب، وهم في السجون بسبب استخدامهم اللغة الكردية.

*وفي إيران، ماذا عن حال اللغة الكردية؟

في نظام التعليم في إيران، لا يمنح الحق في تعلم اللغات وتعليم المكونات القومية بلغتهم، لذلك يقع واجب حماية اللغة الكردية وتطويرها في إيران على عاتق العائلات والناشطين المتطوعين، حيث يعرض النشطاء المتطوعون أنفسهم لتهديدات وضغوط من القوات الأمنية والعسكرية، ويشترون المناهج التعليمية بأموالهم الخاصة أو بمساعدة الناس ويخصصون أماكن لعقد الدورات بصعوبة، ويوجد في جامعة “سنه” قسم خاص في اللغة الكردية وآدابها ولكن لا يوجد في أية جامعات أخرى في إيران أقسام تسمح بتدريس اللغة الكردية كما يجب، وكانت هناك محاولة لدراسة اللغة الكردية في بعض الجامعات ولكن تم حظرها، وفي الوقت الحالي لا تسمح الحكومة الإيرانية بفتح مراكز تعليم اللغة الكردية وتقوم باعتقال مدرسي اللغة الكردية، تم إغلاق أكثر من ١١٠ مراكز لتعليم اللغة الكردية في السنوات الخمس الماضية، ووردت أنباء عن اعتقال العشرات من مدرسي اللغة الكردية، آخرهم اعتقال المعلمة زارا محمد، التي حكم عليها بالسجن لمدة ١٠ سنوات، وأفرج عنها لاحقاً بسبب ضغوط دولية.

*في يوم اللغة الكردية، اللغة دليل وجود، أم إن الوجود يعتبر وجود اللغة ايضاً وإن كانت محظورة؟

إن يوم اللغة الكردية هو بمثابة يوم التوعية ضد سياسات الانحلال واكتساب العلم، وضد سياسة إبادة المقاومة، وضد ذهنية فقدان الذاكرة، وهو يوم التمسك بالذاكرة الاجتماعية، وبهذا المعنى، فإن اللغة الكردية هي بمثابة حقيقة ماهية الشعب الكردي، ولذلك، فإن التمسك باللغة وحمايتها وتطويرها كما كان من قبل، هو اليوم أيضاً الضرورة الأكثر إلحاحاً لوجودنا السياسي وتقليدنا في النضال والدين المترتب علينا عبر التاريخ، ولا ينبغي أن ننسى، أننا نعيش في خضم أكثر اللحظات التاريخية عطاءً، ونشغل مكانناً في أكثر الأماكن تنوعاً، وفي هذا المكان الذي اجتمعت فيه الهويات والمجتمعات واللغات والأديان والشعوب معاً، ستكون الحياة المشتركة لكل التنوعات وحرية التعبير عنهم عيداً ذا معنى بالنسبة لجميع الشعوب، لذلك، فإن ثورة شمال وشرق سوريا تعني من كافة النواحي تفضيل هذا العيد.

*ختاماً كلمة أخيرة لك تحب أن تضيفها، المجال مفتوح لك..

اللغة الكردية عانت في زمن السلطات الاستبدادية، وبالتالي يجب بذل جهود مضاعفة من أجل إعادة إحياء هذه اللغة وخاصة أن اللغة الكردية غنية وبحاجة للأدباء والباحثين من أجل تطويرها، وأبارك لشعبنا حلول ١٥ أيار، عيد اللغة الكردية، والذي يصادف أيضاً في الوقت نفسه، الذكرى ٩١ لإصدار مجلة هاوار، واتوجه بالتحية في شخص جلادات علي بدرخان ورفاق دربه إلى الأشخاص الذين طوروا وحافظوا على اللغة الكردية من خلال بذلهم للجهود والتضحيات الثمينة.