لكل السوريين

تطور الدساتير السورية 6

احتضنت الحضارة السورية الضاربة في القدم أولى الشرائع المكتوبة في تاريخ البشرية، حيث اكتشف علماء الآثار الكثير من القوانين المكتوبة في منطقة سوريا التاريخية، تعود إلى مراحل وحضارات تاريخية مختلفة، ويعود أقدمها إلى تاريخ 2360 قبل الميلاد، في مملكة ماري، التي أُسست في الألف الثالث قبل الميلاد على ضفاف نهر الفرات في الجزيرة السورية.

ومع التطور الاجتماعي، عبر التاريخ المعاصر، بقيت مركز التشريع والتقنين، في محيطها الجغرافي، رغم التقلبات السياسية والاجتماعية، والانقلابات العسكرية التي عصفت بها.

ولعبت الأحزاب والقوى السياسية المستقلة دوراً بارزاً في تطور الدساتير السورية، وخاصة الكتلة الوطنية التي انقسمت فيما بعد إلى حزبين، حزب الشعب والحزب الوطني الذي استمر بالعمل إلى أن تم حل الأحزاب خلال فترة الوحدة بين سوريا ومصر، وعاد الحزب إلى العمل بعد الانفصال، وفاز بالأغلبية في انتخابات العام 1961.

تأسيس الكتلة الوطنية

بداية التأسيس كانت في شباط 1925، بعد أن سمح المفوض الفرنسي السامي الجنرال سراي بحرية إنشاء الجمعيات والأحزاب السياسية، وكان التأسيس على يد مجموعة من السياسيين السوريين المطالبين بوحدة البلاد واستقلالها، وكانت معارضة حكم الرئيس المعين من قبل الانتداب الفرنسي صبحي بركات السبب الرئيسي لتأسيسها.

وفي عام 1928 اجتمع السياسيون السوريون ومعظمهم من المستقلين، وأعلنوا رسمياً ميلاد “الكتلة الوطنية” قبيل موعد انتخابات الجمعية التأسيسية، وأغلب قادة الكتلة كانوا من الذين قاوموا الدولة العثمانية خلال حقبة الحرب العالمية الأولى، وطالبوا باستقلال سوريا عنها. وأغلبهم من العائلات الإقطاعية التي كانت تملك مساحات واسعة من الأراضي الزراعية في سوريا، وتم اختيار هاشم الأتاسي رئيساً للكتلة إلى أن تم انتخابه رئيسا للجمهورية عام 1936.

ومن قيادات الكتلة البارزة كان جميل مردم بيك وسعد الله الجابري ومحمد الرفاعي ونسيب البكري وإبراهيم هنانو وفخري البارودي وفارس الخوري ومحمد الأشمر وأحمد الكيالي ولطفي الحفار وشكري القوتلي.

نشاط الكتلة قبل الاستقلال

شاركت الكتلة الوطنية في انتخابات الجمعية التأسيسيّة لعام 1928، ولم تحقق غالبية برلمانية، لكن أداء نوابها في الجمعية ورفضهم تمرير التعديلات التي طالب بها المفوض الفرنسي السامي وقرار المفوض بتعطيل للجمعية، منح أعضاء الكتلة شعبية واسعة لدى السوريين، كمدافعة عن حقوق الشعب السوري بالوحدة والاستقلال.

وفي انتخابات العام 1932، التي اتهمت سلطات الانتداب الفرنسي بتزوير نتائجها في بعض الدوائر كحلب لمصلحة المعتدلين، حققت الكتلة نتائج جيدة وشاركت في الحل السياسي مع سائر الكتل التي لم تحقق أي منها أغلبية مطلقة من مقاعد المجلس، وساهمت في إيصال محمد علي العابد إلى الرئاسة عام 1932، وشاركت في حكومة حقي العظم بنصف المقاعد.

ثم انقلبت عليها بسبب الخلاف حول معاهدة السلم والصداقة مع فرنسا التي طرحت عام 1933، وأدت المظاهرات الحاشدة التي نظمت بناء على طلب إبراهيم هنانو التي إلى استقالة الحكومة وخروج الكتلة من السلطة.