بقلم/ ضبية الناصر
إن العنف بشكل عام متأصل عند البشر نراه ونسمع به تقريباً كل يوم لا بل كل ساعة، وأصبح في وقتنا الحاضر يطال المجتمعات بأكملها ودولاً برمتها، ولكن أريد أن أقصر حديثي على العنف الموجه ضد المرأة بشكل عام، حيث أن ظاهرة العنف هذه ليست مستحدثة وإنما هي قديمة ومرتبطة بمختلف العلاقات الاجتماعية المبنية على أساس الجنس التي وصلت إلى حد أن الرجل أصبح يملك المرأة في بعض المراحل التاريخية ولا يزال هذا موجود لدى بعض الثقافات.
وبالرغم من كل التوصيات الدينية والإنسانية بقيت هذه الذهنية متجذرة في مجتمعاتنا بمختلف مشاربها، حتى تلك التي تنادي بالديمقراطية لذا أردت أن ألقي معكم نظرة على الخلفية التاريخية للعنف ضد المرأة بشكل موجز.
في البداية لابد أن أذكر أن العنف وبصفته حالة متأصلة في الطبيعة البشرية فإنه أيضا تطور معها، فالمرأة عبر الحقب التاريخية اختلفت مكانتها من عصر إلى آخر، فشكل العنف الممارس بحق المرأة هو انعكاس لمستوى التفكير لدى هذا المجتمع أو ذلك.
ولكن إذا نظرنا في رحلتنا هذه على مجتمعات العصور القديمة نجد أن هناك تباين في التعاطي مع المرأة بين تلك المجتمعات
فالمصريون القدماء أقاموا حضارتهم على المساواة بين الجنسين وعلى رقي المكانة الاجتماعية للمرأة إلى حد وصل درجة الآلهة، حيث ورد في مخطوطاتهم الكثير من النصائح التي تشير على حسن التعامل مع المرأة ومعاشرة الزوجة لما في ذلك من أهمية وتأثير على استقرار الحياة والأسرة.
لكنها مع تطور نظام ملكية الأراضي أصبحت المرأة أدنى من الرجل، وخلال فترة الإقطاع لم تكن المرأة تتمتع بالأهلية الكاملة بل كانت تخضع لسلطة الزوج، ثم يرثها الأبن الأكبر مباشرة بعد وفاة أبيه، حيث أظهرت الآثار التاريخية كيف كانت تظهر الزوجة راكعة ذليلة أمام زوجها.
ومع ظهور نظام الملكية الخاصة والنظام الأبوي تأثرت مكانة المرأة الاجتماعية تأثراً بالغاً، حيث تذكر الدراسات التاريخية إلى أن الرجل في المراحل الأولى من نشأت الأسرة الأبوية كان يملك حق قتل زوجته كما يقتل عبده، أي بنفس المعاملة وفي فترة لاحقة تطور العنف ضد المرأة ليصل حد أن الزوج يمكن أن يعاقب زوجته بقتل ولديهما، وهنالك أمثلة تاريخية تشير إلى ذلك من بينها: قيام بطليموس الثامن بقتل طفليه وإرسال أشلائهما إلى زوجته كليوباترا الثانية في سلة هدية في عيد ميلادها عقاباً لها على تمردها.
أما عند الإغريق فقد كانت أساطيرهم القديمة تحتفل وتمجد العنف ضد المرأة، وأشهر هذه الأساطير عندما قامت ديميترا آلهة الأرض المحروثة حسب اللغة القديمة وابنتها كوري، حيث كانت Demitry تحب ابنتها كوري بشغف كبير وعندما خطفها إله الجحيم هيدس لكي يتزوجها قامت الأم في ثورة من الغضب واليأس، فرفضت الأرض أن تنبت أي محصول وكاد جنس البشر أن يفنى من الجوع لو لم يتدخل زيوس الإله الأعظم، وأصبحت البنت تزور والدتها من موسمين وهذا ينعكس من خلال الطبيعة التي تتخذ في هذه الفترة شكل الفرح والسعادة عنده لقاء الأم ديميترا لبنتها كوري، وهذان الموسمان يمثلان فصلي الربيع والصيف وعلى عكس الخريف والشتاء، حيث تظهر ملامح الحزن و الكآبة عندما تغادر البنت ووالدتها، طبعاً من خلال هذه الأسطورة نلاحظ أن الرجل يحصل على المرأة بالقوة وبالعنف دون اعتبار لرأيها.
إضافة إلى أن المرأة في المجتمع الإغريقي كانت تعد من المخلوقات المنحطة التي لا تنفع لغير دوام النسل، فعندما تلد المرأة طفلاً ضعيفاً ومريضاً غير صالح للتجنيد يتم القضاء عليه وعليها، وأحياناً كثيرة يتم أخذ المرأة من زوجها لتلد للوطن أولاداً من رجال آخرين تجسيداً لمبدأ الغاية تبرر الوسيلة التي كان يشجع عليها أفلاطون، حيث كانت الغاية هيا بناء جمهورية قوية في جنودها وحكامها، فكان بذلك معيار المرأة عندهم إما أن تكون زوجة مطيعة أو ولود يتباهى بها الرجال.
أما عند الروم فالنظام الأبوي عندهم يجعل السلطة كلها في يد سيد الأسرة لا يشاركه فيها أحد، حيث ورد في بعض النصوص القانونية عند الرومان بأن المرأة التي تهمل زوجها أو تتسبب في خراب بيتها يتم إلقاؤها في النهر، إضافة إلى أنه يحق لأسياد الإغريق الرومان الحرية في تفريغ شحناتهم العصبية والجنسية في عبيدهم سواء كانوا نساء أو أطفال، وهكذا مع مرور الزمن تراكمت فكرة دونية المرأة في التجسيد السلبي لصورة المرأة والتي لا تقتصر على الأمثال أو القصص الشعبية، بل وصلت إلى درجة الأساطير المقدسة التي حطت من شأن المرأة وأصبحت المرأة شيئا لا يستحسن ذكره في مجالس الرجال، وأصبحت كلمة امرأة تستخدم لإهانة الرجل.
ومما سبق يتبين لنا أن العنف بحق المرأة رافق الحياة البشرية، حيث عمل الجنس الأقوى عمليا أو جسدياً بحكم السلطة وهو الرجل أن يقوم بالعنف بحق الطرف الأضعف منه وهو المرأة.
وبالرغم من ظهور الديانات السماوية فهي لم تغير من الوضع الاجتماعي للمرأة ففي المجتمع اليهودي : كرست الديانة اليهودية التفرقة بين الجنسين بين جسد المرأة و روح الرجل إلى درجة أن الرجل اليهودي يقول كل صباح قبل أن يصلي أحمدك يا رب لأنك لم تخلقني امرأة، بينما تصلي المرأة كل صباح وتقول أحمدك يا رب لأنك خلقتني في مشيئتك وإرادتك وبالرغم من أنه في التوراة هناك نص صريح يقول إن الله خلق الإنسان في صورته وهو في صورة الله خلق الإنسان ذكراً أو أنثى وهو خلقه، إلى أن رجال الدين اليهود اكتفوا بالجزء الأول من العبارة واستبدلوا كلمة الإنسان بكلمة الرجل، واعتبروا أن الله هو روح الرجل أو عقله وجسده هو المرأة.
كما واعتبر اليهود أن المرأة هي السبب في معصية آدم لله مما تسبب في نزولهم إلى الأرض، وهذا نصت عليه التورات عندهم فعاقبها الله عقاباً قاسياً، فكانت أكثر تعباً في الحمل والولادة فهي منبع الخطيئة وأساسها فعند اليهود المرأة عندهم إذا ولدت طفلاً ذكراً تكون نجسة لسبعة أيام، وأن ولدت أنثى تكون نجسة لأسبوعين، وهذا ما شرع العنف ضدها دون أي مقاومة أو استنكار ويستمر العنف الموجه ضد المرأة عبر قضايا أخرى، كالزواج، والطلاق، حيث تعتبر المرأة ملك للرجل حتى بعد وفاته فتصبح للأبن الذكر الأكبر وعند اليهود لا يعتبر ضرب الزوج لزوجته سبباً في طلاقهما، حيث ترغم المرأة على القبول بالصلح وطاعته وإلا فهي عاصية وفي الشريعة اليهودية كانت المرأة تحرم من الميراث ما دام هناك رجال، وتفقد حقها في ذلك في حال زواجها، حيث ينتقل ميراث المرأة لزوجها، وبالتالي فالمرأة عند اليهود ما هي إلا وسيلة لإنجاب البنين بشكل خاص.
أما في الديانة المسيحية فالإنجيل الذي نعرف قد تعرض للتحريف ما أسهم في تجريم المرأة وزيادة متاعبها، ففي القرون الوسطى بالرغم من أن المسيحية عملت على تهذيب العلاقات بين البشر من خلال ترسيخ أفكار المساواة بين الجنسين والتأكيد على أهمية العفة و طهارة النفس و أهمية الفضيلة والتأكيد على قدسية الزواج بأنه التزام حر بين الطرفين، هذه التعاليم كانت كفيلة بحماية المرأة داخل المجتمعات التي تدين بالمسيحية غير، أنه لم يستمر ذلك فترة طويلة فقد عاد الخطاب الخاص بدونية المرأة مع التحريف الذي تعرض له الإنجيل ليظهر من جديد في القرن الثاني عشر الميلادي خلال حكم البابا انوست الثالث، وتبرير هذا الخطاب بأن حواء قد خلقت من ضلع آدم وبذلك هي ليست مساوية له بل تابعاً مكملا له، وبالتالي يتوجب على أبناء آدم مراقبتها جيداً ومعاقبتها إذا تطلب الأمر ذلك وكانت مهمة الكنيسة هو تحديد حجم العصا التي يصح للزوج أن يضرب زوجته بها أن لم نقل تربيتها، حيث قال القديس أوغسطين في هذا الصدد أن الرجل هو الروح السامية، وإن الأنثى تصنف بالمرتبة الأدنى فالجسد يمثل الشهوة الجنسية كما برر القديس أوغسطين نص التوراة بأن المرأة يجب أن تغطي رأسها كونها هي المسؤولة عن الإثم كله، فوجب عليها أن تغطي رأسها احتقارا لهذا الرأس المدنس بالآثام.
خلال القرنين الرابع عشر والخامس عشر0 عاشت أوروبا كوارث طبيعية متتالية وانتشرت فكرة الخوف من الشيطان، فانتشر خلال هذه الفترة علم الشياطين فظهرت فكرة عن الشياطين أنهم تزوجوا مع النساء، الأمر الذي زاد في اشتداد الحرب على النساء
كما أن الكنيسة لعبت دورا كبيرا في تكيف الرأي العام مع هذه الثقافة من خلال تكريس فكرة أن المرأة ما هي إلا للأهواء والغرائز الشهوانية، ومنها تكون الحياة الهمجية المتوحشة وكل ذلك دعم فكرة دونية المرأة أكثر وأكثر، فأصبحت خلال هذه الفترة هي مصدر للشرور والآثام ومنبعا للمعاصي وخليفة للشيطان على الأرض.
ومع تطور أشكال الملكيات أصبحت قيمة الرجل في مقدار ما يملكه من أرض وثروات أو مصانع، فأصبحت النساء أدوات للحصول على الاملاك من خلال بيعهم وهذا زاد في العنف بحق المرأة، حيث شرع القانون البريطاني عام 1805 أنه يحق للزوج بيع زوجته لشخص آخر إذا كان محتاجاً للمال، وبذلك بقيت المرأة في إطار البيت لتلبية الرغبات الشهوانية وكونها مصنعاً لأنجاب الأطفال
طبعاً، هنا لأبد من ذكر أن التحريف الذي طرأ على الإنجيل في الديانة المسيحية ما هو إلا لخدمة مصلحة الرجل بالدرجة الأولى وتكريس دونية المرأة بحجة الصالح العام وكانت الكنيسة شريك في ذلك، و بالانتقال إلى المجتمعات العربية لم يكن الحال يختلف كثيرا عند العرب عن المجتمعات الأخرى، فكلنا يعلم أن المجتمعات العربية مرت في فترتين الجاهلية والإسلام.
في العصر الجاهلي تباينت نظرة العرب في الجاهلية بحق المرأة، فهناك من أظهرها بمظهر مسلوب الإرادة والحق وهذا يختلف من قبيلة لأخرى، لذلك المرأة التي تنتمي لقبيلة أو عشيرة أو عائلة رفيعة النسب يكون لها حضورها الاجتماعي والاقتصادي، والمرأة التي ليس لها هذا السند العشائري يكون الرجل هو صاحب سلطان عليها وعليه فإنه مكانة المرأة كانت تختلف بحسب المجتمعات هناك كما أسلفنا.
لكن بالحالة العامة الرجال هم الطرف الأقوى وهم القادرون على صد الهجمات، لذلك كانوا يفضلون الذرية الذكور لأنهم جنود القبيلة وحماتها ووجود الإناث مكروه لأنها قد تتعرض للسبي أثناء المعارك، وهذا يجلب العار للقبيلة وكلنا يعلم كيف كان شائعا وأد الإناث لتلك الأسباب، وعلى صعيد الزواج عرف العرب تعدد الزوجات فمن حق الرجل أن يتزوج أي عدد من النساء بدون حد أقصى، وعند بعض القبائل كانت الزوجة تورث إلى أكبر أبناء الزوج واستمرار ذلك حتى حرمه الدين الإسلامي، أما فيما يخص ميراث المرأة الحرة في الجاهلية فقد حرّم عليها الميراث، حيث كانت التركة تنتقل إلى الأبناء البالغين من الذكور دون الأبناء الصغار والإناث.