لكل السوريين

‏ محافظة السويداء.. مشهد أمني قلق وحراك شعبي متجدد

السويداء/ لطفي توفيق 

رغم تراجع أعداد المشاركين في وقفة بلدة القريّا الاحتجاجية الأخيرة، مقارنة بالاحتجاجات التي سبقتها، يبدو أن الحراك بالمحافظة صار أكثر تقبلاً من قبل شرائح مجتمعية جديدة، وأكثر تنظيماً، حيث توقفت الاحتجاجات المتفرقة التي كانت تتم بالقرى والبلدات بشكل عفوي، وأصبح التجمع مركزياً يرتبط بلجنة منظمة تحدد المواعيد وأماكن التجمع.

ويحاول منظمو الحراك تجنب الاحتكاك مع القوى الأمنية والتعزيزات التي انتشرت بشكل مكثف في السويداء، ويشاع أن هدفها التصدي للعصابات وللخارجين عن القانون، في حين يشكك الأهالي بذلك كونها قدمت إلى المحافظة بعد أيام قليلة من بدء الاحتجاجات فيها.

ويؤكد منظمو الحراك الاحتجاجي على تمسكهم بحقهم المشروع في التعبير عن رأيهم وتحقيق مطالبهم بالعيش الكريم لكل السوريين وعدم التخلي عن حق المواطن السوري أينما وجد، برغيف الخبز والحياة الكريمة في بلده.

ويؤكدون على طابع الحراك الأهلي الشامل للجميع، حيث شارك في وقفتهم مجموعة من البعثيين يحملون العلم الممثل للحكومة.

ويخططون لوقفات جديدة في الأيام القادمة، بعد أن انتهوا من إعداد ورقة المطالب التي تتعلق بالأوضاع الاقتصادية والمعيشية المتردية والخدمات الغائبة بسبب السياسات الفاشلة التي تنتهجها السلطة في إدارة شؤون البلاد، وبوضع حد للفاسدين في مفاصل السلطة.

‏لقمة العيش الصعبة

أدى تطبيق قرار رفع الدعم الذي صدر مطلع شباط الماضي إلى حرمان عشرات العائلات من شراء الخبز، وكساد كميات كبيرة منه في الأفران بسبب عدم قدرة الكثيرين على شرائه بالسعر غير المدعوم، حيث كسدت أكثر من مئة ربطة خبز في فرن واحد بريف السويداء الشرقي، والوضع مماثل في معظم القرى الأخرى، وهو ما يوكد حرمان مئات العائلات في المحافظة من هذه الكميات من الخبز.

وفي الوقت الذي يشير فيه مدير فرع المخابز بالمحافظة إلى عجز كثير من الأسر عن شراء الخبز بسبب قرار رفع الدعم عنه، يتحدث عن فرض غرامة مالية قدرها 1250 ليرة على المخبز، و3700 ليرة على المعتمد، لكل ربطة خبز لا يتم الحصول عليها وفق البطاقة.

وساهمت الأخطاء التقنية التي رافقت قرار رفع الدعم، والأخطاء في قاعدة البيانات الحكومية، وغيرها من المشاكل التي رافقت القرار، بتفاقم الأزمة وإصرار السلطة على استمرار سياستها الاقتصادية التي ستجهز على ما تبقى من دور الدولة الرعائي، وتستنزف أخر ما تبقى من المال في جيوب الناس.

المشهد الأمني

لا يزال هدف انتشار التعزيزات الأمنية التي وصلت إلى السويداء غامضاً، حيث تتوزع تلك التعزيزات بين المراكز الأمنية والحكومية، وتنشر نقاط تفتيش مؤقتة على مداخل المدينة، ولا توجد مؤشرات على أنها ستتخذ المزيد من الإجراءات، ولم تقم بأي خطوة لمكافحة الفلتان الأمني حتى الآن.

وقبل أيام أوقف فرع الأمن الجنائي يافعاً في مدينة صلخد، بحجة وجود مذكرات بحث ضده، لكن مشاركة مجموعة محلية مسلحة أفرادها من المطلوبين في عملية القبض على اليافع، أثارت الشكوك حول إجراء التوقيف، خاصة أن عائلة اليافع على خلاف مع تلك المجموعة.

ولم يظهر أي دور للتعزيزات الجديدة بهده العملية أو بغيرها.

وقامت مجموعة من فصيل “الدفاع الوطني” بتوقيف ثلاثة أشخاص وتسليمهم لفرع الأمن الجنائي بتهم سرقة ممتلكات عامة وسيارات وتحطيب جائر، بذريعة أن الفصيل يؤازر القوى الأمنية التي وصلت مؤخراً لملاحقة الخارجين عن القانون، لكن الفصيل قام بمفرده بتنفيذ المهمة دون مؤازرة هذه القوى الأمنية.

تمشيط البادية

‏اطلقت تشكيلات من الجيش السوري عمليات تمشيط جديدة، في بعض مناطق بادية السويداء،

وقال مصدر عسكري إن هذه العمليات ستشمل عدة محاور في البادية، خصوصاً المناطق ذات التضاريس القاسية، وتلك التي لا تغطيها نقاط الجيش المنتشرة في البادية.

وأشار إلى احتمال تثبيت نقاط رصد على مشارف بعض القرى الشرقية بعد أن تحدثت “تقارير أمنية” عن تحركات مريبة لتنظيم داعش الإرهابي في المنطقة.

وشاركت طائرات مسيرة روسية، بعمليات مسح وتصوير في المنطقة، حسب المصدر الذي قال إن عمليات التمشيط، انطلقت بناء على تقارير أمنية تفيد بتسلل عناصر من تنظيم داعش إلى مناطق وعرة، في بادية السويداء، بعد فرار المئات من سجن غويران نحو البادية السورية.

ومنذ خسارة التنظيم الإرهابي آخر معاقله المأهولة قبل ثلاث سنوات، لم يوقف نشاطه، وبقيت المناطق الصحراوية من بادية السويداء، إلى بادية دير الزور، نقاط نشاط محتملة في أي وقت نظراً للمساحات الشاسعة، وعدم وجود كثافة سكانية، وانتشار التضاريس القاسية، وخطوط التهريب، إضافة إلى أسباب أخرى.

ولذلك يعتبر أهالي محافظة السويداء أن الحذر مطلوب من تجدد نشاط التنظيم في المنطقة،

ولكنهم يستهجون عدم ظهور هذه التقارير الأمنية إلّا بعد بدء الحراك المطلبي بالمحافظة،

ويعتبرون التركيز عليه في هذا الوقت يثير التكهنات بأن الهدف لفت الأنظار عن الحراك فيها.

الحراك يجدد وقفته

تجمع عشرات المواطنين من أهالي محافظة السويداء أمام مقر الهيئة الدينية في المدينة، لإعلان مطالب الحراك الشعبي الاحتجاجي، الذي شهدته المحافظة منذ مطلع الشهر الماضي.

وتلا أحد المحتجين بيان مطالب الحراك الذي بدأ بتحية للرئيس الروحي لطائفة المسلمين الموحدين الدروز الشيخ حكمت الهجري على موقفه المؤيد لحقوق المواطنين المحتجين، ومطالبته بتنحية المسؤولين الفاسدين.

وأكد البيان أن الحراك السلمي الشعبي الوطني في السويداء يعبر عن حقوق وحاجات ومطالب أبناء السويداء، ويعبر في ذات الوقت عن مطالب وحقوق جميع السوريين المحكومين بالفساد والاستبداد، كما أكد على أن هذا الحراك مستمر لتحقيق المطالب التالية:

– دولة ديمقراطية عادلة وتداول السلطة دون تمييز حزبي أو طائفي أو عرقي أو احتكار للسلطة، بل دولة قانون ومؤسسات دون فساد واستبداد.

– فتح ملف الفساد ومحاسبة المسؤولين الفاسدين.

– إعادة المال المنهوب إلى خزانة الدولة ولا يجوز رفد الخزينة من أموال الشعب.

– إلغاء البطاقة الذكية وتأمين كافة حقوق المواطن السوري وفق الدستور وتأمين جميع متطلباته من المياه والمحروقات ولوازم المستشفيات والمواد الغذائية والكهرباء، بأسعار مدعومة بكل وقت وبدون قيود.

– إلغاء الموافقات الأمنية في البيوع العقارية والوكالات، وإلغاء قانون البيوع العقارية والعقارية من حيث الضرائب والودائع البنكية.

– إلغاء الرسوم الجمركية.

– رفع القوة الشرائية للمواطن السوري وضبط الأسعار بما يتناسب مع دخله.

– الكشف عن مصير المعتقلين حسب القوائم وعرضهم على القضاء النزيه ومتابعة ملف المفقودين ومعرفة مصيرهم.

– دعم المزارعين لتمكينهم من استثمار أراضيهم وفق خطط مدروسة للنهوض بواقع الإنتاج الزراعي مثل حفر الآبار وتقديم التسهيلات اللازمة لهذه الغاية وتسويق الإنتاج الزراعي ودعم الثروة الحيوانية وحل مشكلة الأعلاف.

– التصدي ومنع  ظاهرة المخدرات الدخيلة على المجتمع السوري، وأن لا تكون السويداء معبراً للمخدرات إلى دول الجوار.

–  الاستقصاء عن المحتاجين الحقيقيين الذين لا دخل لهم والوقوف عند مطالبهم وتعديل قانون الضمان الاجتماعي

– المطالبة بحقوق الشهداء والجرحى على امتداد مساحة الوطن السوري دون تمييز.

بيان الرئيس الروحي

وكان الرئيس الروحي لطائفة المسلمين الموحدين قد أصدر بياناً مطولاً دعا فيه إلى الاستجابة لمطالب الاحتجاجات السلمية بالمحافظة، والكشف عن المسؤولين الفاسدين ومحاسبتهم.

وأشار إلى أنه “أينما حل الفساد، كان منه البلاء ودنس البلاد، فلنكن كلنا من صغيرنا إلى كبيرنا مكافحين لكل فساد بعد أن استشرى وأصبح ثقافة عامة، وقبل أن يسري في عروق الأجيال القادمة”.

وجاء في البيان “من كل جهة، ومن كل ركن، وبالأطياف والتلاوين الدينية والسياسية والاجتماعية كلها، نجتمع تحت سقف بلد واحد، وتاريخ واحد ومصير واحد، في دولة واحدة، فما نزفت دماء أبنائنا لتجبل بهذا الأديم مختلطة ببعضها إلّا ليبقى التراب واحداً دون تفريق ودون تمييز ودون تقطيع”.

وقال إن السوريين صبروا ودافعوا عن أرضهم بمختلف مشاربهم، وقدموا التضحيات “لتبقى بلادنا راسخة شامخة، لا لأن يركب الموج مسؤول سيء فيقطف الثمار ويسقط الحق من عليائه، ويحرق تلك الأوراق الثمينة التي قدمها للوطن أبناؤه البررة”.

ودعا “لعيش كريم تحت سقف دولة العدل والقانون، دولة الصدق، وكل من قصّر بواجبه ودوره في موقع المسؤولية فليتنحّ جانبا دون أن يعامل من يصرخ بطلب حقه بالقوة”.

وقال “لا نريد أن يريق الأخ دم أخيه كما حصل سابقا، ونكره أن يشهر الاخوة سلاحاً في وجه بعضهم”

وقد حمى المواطنون وطنهم وقيادتهم لتحميهم وتبقيهم في عيش كريم ، فلا تنكروا عليهم حقوقهم، واصدقوهم القول”.

فقد ملّ الشعب الخطاب والتبريرات.. وإننا نحتاج للصادقين المخلصين لبناء الوطن، نحتاج أن نصرخ ..ونجاب”.

ولفت سماحة الشيخ إلى أنه في ظل “صمت الإعلام الرسمي وتقصيره ، يأتينا إعلام دخيل على حياتنا ومجتمعاتنا أو ما يشبه الإعلام ، فتتداخل الفتن بأخبار من حجرات صغيرة باسم وسائط التواصل ، حيث زاد البلاء وعم الخراب بهذا الغزو البشع ممن لا يحسنون التعامل به بشكل سليم ، ما زاد حاجتنا للمصداقية والمرجعية الإعلامية المواكبة والغير مسيّرة”.