لكل السوريين

أضغاث أحلام

كثيرة هي الأحلام التي يعيشها المرء أحياناً وهو في حالة اليقظة، حيث يبدأ برسم عوالم وخيالات ومشاريع في مخيلته يستغرق انجازها عقود من الزمن إن لم تكن سنين، وتراه مندمجا ً غارقاً في احلامه لا يلتفت لما يجري حوله، ولكنه فجأة يعود للواقع جراء صدمةٍ أو تنبيهٍ أو إشارة ٍأو صوتٍ قويٍ يعيده للواقع ليصطدم به فيقع محبطاً أمام حقيقة الواقع الصعب المعاش، الذي لا يتفق مطلقاً مع رغباته وأمانيه، بل على العكس إن لم يكن على النقيض من ذلك الطموح وتلك الرغبة والأماني.

وفي الواقع تلك هي حقيقة الأحلام التركية التي تعيشها اليوم السلطنة العثمانية الجديدة وعلى رأسها السلطان أردوغان، الذي بات يتصرف كما لو أن الزمن قد عاد لأكثر من مئتي سنة، حين كانت السلطنة العثمانية تتحكم بحوض البحر الأبيض المتوسط، حين كانت الدول العربية المتوسطية تحت هيمنة السلطنة، في عالم كانت فيه الدول الأوروبية متصارعة متناحرة.

أما الآن فقد تغير الوضع بمعدل مئة وثمانون درجة، فالعالم اليوم بات كما يقال قرية كونية تتحكم به قوى العولمة وعلى رأسها الولايات المتحدة ومن خلفها الدول الأوروبية، التي توحدت فيما بينها لمواجهة تحديات المستقبل المحتملة.

من هنا فإن على السلطان الجديد أن يعيد النظر قراءته للمشهد السياسي العالمي عامة والمتوسطي خاصة، وأن يعي حقيقة قد تبدو غائبة عن عقله أو أنه يتجاهلها، وهي أن حوض المتوسط لم يعد كما كان قبل قرون، بل هو اليوم ساحة صراع بين الدول الكبرى، ولامجال هنا للاعبين الصغار لأنهم قد يخسروا أنفسهم كفروق حسابات في معادلات السياسة الدولية، لذا فإن ما يحلم به نظام الحكم التركي لن يكتب له النجاح، وما يقوم لا يعدو عن كونه اللعب في الوقت الضائع، ومثل هذا اللعب لن يكتب له الدوام والنجاح، لأنه سيكون كالعازف النشاز في فرقة سيمفونية لا يلبث قائد الفرقة السيمفونية أن يخرجه من بين العازفين لضمان الانسجام والتناغم  الموسيقي بين أفراد جوقته الموسيقية، من أجل تقديم معزوفة موسيقية جميلة يستمتع بالسماع لها متذوقي الموسيقى واللحن الجميل.

وهكذا فإن العازف التركي قد يضطر في مرحلة ما للخروج من جوقة حلف الأطلسي، لأنه بدأ يغرد تغريداً نشازاً خارج سرب حلف الناتو، وهذا الأمر لم يعد مقبولاً، وسيضطر المغامر التركي لدفع أثمان وعواقب تلك المغامرات الطائشة التي تسببت في زعزعة الأمن والاستقرار ونشر الفوضى في أكثر المناطق حيوية في العالم، وفي هذا تجاوز وخرق للكثير من ممنوعات السياسة الدولية التي باتت كثوابت وأعراف للسياسة العالمية لا يسمح بخرقها أو تجاوزها تحت أي مسوغ أو مبرر.