لكل السوريين

القمة الأوروبية في بروكسل.. نتائج متواضعة.. وتركيا تلعب على تناقضاتها

في ظل استمرار نظام أردوغان بأعمال التنقيب عن الثروات الباطنية في منطقة شرقي المتوسط رغم رفض معظم دول العالم لهذه الأعمال التي تخالف القوانين والأعراف الدولية.

تتصاعد حدة الخلافات السياسية بين تركيا والاتحاد الأوروبي الذي يعتبر ما تقوم به أنقرة استفزازياً. وتشن وسائل إعلام غربية حملات على تركيا وتعتبرها الصداع الرئيسي لأوروبا.

وترى صحيفة الفايننشال تايمز إنه بين التحديات الأساسية لقمة بروكسل مراجعة علاقات الكتلة الأوروبية مع تركيا، التي تقترب من الانفجار.

ويعتبر برلمان الاتحاد الأوروبي أنشطة التنقيب التي تقوم بها تركيا عن الغاز في شرق البحر المتوسط غير قانونية.

وبلغ الخلاف بين برلمان الاتحاد وبين النظام التركي ذروته في شهر تشرين الثاني الماضي، عندما اتخذ البرلمان قراراً “غير ملزم” بفرض عقوبات على تركيا، بعد قيام النظام التركي بفتح جزء من منطقة فاروشا الحدودية بين شقي جزيرة قبرص.

وكان رئيس النظام التركي قد قام بزيارة إلى منتجع فاروشا منتصف الشهر الماضي، وقال من هناك “زيارتنا إلى منطقة مرعش “الاسم التركي لفاروشا” بشمال قبرص التركية تعكس إصرارنا على اتخاذ الخطوات اللازمة لإحياء المنطقة.

وفي إشارة واضحة لأهداف هذه الزيارة أضاف أردوغان “من يرون زيارتنا إلى منطقة مرعش مجرد نزهة لم يستوعبوا رسائلنا”.

ومنذ البداية يقوم النظام التركي بمناورات خبيثة لتجنب العقوبات الأوروبية، كما يعترف المحلل السياسي التركي طه عودة الذي قال “كان من المتوقع فرض عقوبات أوروبية على تركيا في القمة التي عقدت في تشرين الأول”، وأشار إلى أن ذلك لم يتم “بفضل المناورات التركية”.

وذكر أنه “لا تزال أمام أنقرة فرصة في اللعب على التناقضات بين الدول الأعضاء في الاتحاد، في ظل عدم وجود رؤية جامعة وشاملة لديه لفرض عقوبات على تركيا”.

اجتماع وزراء الخارجية

بحث وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي الوضع في شرق المتوسط، والعلاقة مع تركيا، خلال اجتماعهم الذي سبق قمة زعماء الاتحاد، دون أن يتخذ الوزراء أي قرارات في الاجتماع، ولكنهم بحثوا المعلومات التي سيقدمونها للقادة قبيل قمتهم، وتركوا القرارات لزعماء الاتحاد الذين طلبوا من تركيا في قمة تشرين الأول الماضي التوقف عن التنقيب في المياه المتنازع عليها شرقي البحر المتوسط.

وقال مفوض الشؤون الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل عقب مباحثات وزراء الاتحاد إنهم لم يشاهدوا أي تغيير في سلوك تركيا في شرقي المتوسط.

وأشار المفوض إلى أن الدبلوماسية وجدت لحل الخلافات سلمياً عبر الحوار، وأن الاتحاد الأوروبي يحاول القيام بذلك مع تركيا.

ورفض بوريل إعطاء تفاصيل عن الإجراءات التي سيتم اتخاذها، مكتفياً بالقول إن الاجتماع ناقش الوضع في شرق البحر المتوسط، والعلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي، ومؤكداً أنه لا يوجد خلاف جوهري في موقف وزراء الخارجية حيال تركيا، وأن تقييمهم ليس إيجابيا.

ولفت إلى أن أنشطة البحث والتنقيب التركية لا تزال مستمرة شرقي المتوسط، وأن الوضع الحالي ينبغي تقييمه من قبل جميع الأعضاء وليس فقط من قبل اليونان وقبرص اليونانية.

وأضاف “يحزنني أن أقول إننا لم نرَ تقدما منذ آخر قمة أوروبية”.

اليونان تطالب بإجراءات

على هامش اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، طالب وزير خارجية اليونان نيكوس دندياس الاتحاد الأوروبي باتخاذ إجراء بشأن سلوك تركيا المشين، وأشار إلى أن أنقرة تقاعست عن الرد على بوادر حسن النية التي أبداها الاتحاد الأوروبي.

وكان رئيس الوزراء اليوناني، كرياكوس ميكوتاكيس، قد قال إن “قمة الاتحاد الأوروبي في تشرين الأول الماضي، منحت تركيا فرصة لكن أنقرة لم تتقيد بهذه الأجندة الإيجابية”.

وأشار إلى أن “استمرار التوتر لن يكون في صالح تركيا، وينبغي على أنقرة إعادة تقييم علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي”.

ولفت إلى أن بلاده مستعدة للحوار مع تركيا حول تحديد الجرف القاري ومناطق الصلاحية البحرية، مؤكدا أنه في حال عدم التوصل إلى حل فإنه مستعد للذهاب إلى محكمة العدل الدولية.

وألمانيا تحث على مواصلة الحوار

أكد وزير الخارجية الألماني هايكو ماس ضرورة مواصلة الاتحاد الأوروبي الحوار مع تركيا،

وقال ماس في تصريحات صحفية أدلى بها عقب اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي إن قمة قادة الاتحاد ستبحث مستجدات العلاقات مع تركيا.

وأعرب عن اعتقاده بضرورة مواصلة الاتحاد الأوروبي الحوار مع تركيا من حيث المبدأ، مشيراً إلى أن بلاده بذلت جهوداً كبيرة لبدء هذا النقاش، ولكن التوتر بين تركيا واليونان وقبرص لم يسمح بذلك، ولم تفلح جهود ألمانيا بعد في تحقيق توافق بين اليونان وقبرص اليونانية من جهة، وتركيا من جهة أخرى.

ولفت إلى أن الاتحاد الأوروبي يرغب في أن يحصل إجماع بين أعضائه حول كيفية الرد على تحركات تركيا شرقي المتوسط.

وأضاف “لهذا السبب، سنتحدث عن أي العواقب ينبغي علينا أن نفرضها”.

وفرنسا تحذر

منذ البداية كانت اللهجة الفرنسية أشد حزماً في مواجهة نظام أردوغان، حيث أعلن سكرتير الدولة الفرنسي للشؤون الأوروبية، كليمان بون، أن بلاده ستؤيد فرض عقوبات على المستوى الأوروبي ضد تركيا، في الوقت الذي يتصاعد فيه التوتر بين الاتحاد الأوروبي وأنقرة على خلفية عدة ملفات.

وقال في كلمة له بمجلس الشيوخ الفرنسي “سنؤيد تدابير أوروبية تعكس ردة فعل قوية، من بينها أداة العقوبات المحتملة”.

وعندما أعلنت أنقرة أنها ستعيد إرسال سفينة

التنقيب إلى منطقة في شرق البحر المتوسط، طالبتها فرنسا بضرورة الإحجام عن أي استفزازات جديدة وإظهار حسن النية، وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الفرنسية أنييس فون دير مول: “نتوقع من تركيا أن تفي بالتزاماتها، وأن تمتنع عن أي استفزازات، وأن تظهر دليلاً ملموساً على حسن النية، حسب وكالة رويترز.

لعبة القط والفأر

هدأت التوترات قليلاً عندما أعادت تركيا سفينة التنقيب “عروج ريس” إلى موانئها أواخر شهر تشرين الثاني الماضي، وعندما أعادتها لمتابعة عملها، شدد الاتحاد الأوروبي موقفه إزاء أنقرة.

ونقلت وكالة رويترز عن مسؤول كبير في الاتحاد الأوروبي قوله “ليس لدي علم بأي حكومة في الاتحاد تتحدى وجهة النظر القائلة إن الوضع أسوأ مما كان عليه في تشرين الأول الماضي، وإنه يجب على الزعماء أن يفكروا في العواقب”، وتابع “طالبنا بتغيير ولم يتحقق”.

ودعا رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال تركيا إلى التوقف عن ممارسة لعبة “القط والفأر”، من خلال تقديم تنازلات تتراجع عنها بعد ذلك.

وذكر أن تركيا سحبت سفينة التنقيب قبل عشرة أيام فقط من قمة الاتحاد الأوروبي، مشيراً إلى أنه على أنقرة أن تكف عن هذه الألاعيب، وتتخذ خطوات ملموسة لتخفيف التوتر.

العمى الاستراتيجي

من جهته وصف رئيس النظام التركي سياسة الاتحاد الأوروبي بـ “العمى الاستراتيجي”. ودعا أردوغان الاتحاد إلى الإسراع في التخلص من هذا العمى بشرق المتوسط. وزعم أن تركيا لا تسعى للتصعيد في شرق المتوسط، بل تعمل على حلّ الخلافات بالتعاون وبشكل عادل.

وطلب من الاتحاد الأوروبي جمع كل الفاعلين في المنطقة على طاولة المفاوضات، مدعياً أن أنقرة اقترحت تنظيم مؤتمر تشارك فيه جميع البلدان المطلة على المتوسط، بما فيها الشطر التركي من قبرص، ومؤكدا أن هذا المقترح لا يزال قائما.

عقوبات مخملية

وافق قادة الاتحاد الأوروبي على توسيع العقوبات الفردية ضد أنقرة، دون أن تؤثر على الاقتصاد التركي، وذلك رداً على أعمال التنقيب التي أطلقتها تركيا في شرقي البحر المتوسط.

وجاء في بيان مشترك صدر عن قمة قادة دول الاتحاد في بروكسل، “تعهد الاتحاد الأوروبي بتوسيع قائمة الأتراك المستهدفين بحظر السفر وتجميد الأصول”.

وأشار البيان إلى أن دول الاتحاد لم تفرض عقوبات اقتصادية مؤلمة ضد الحكومة في أنقرة،

ولكن قادة دول الاتحاد أعطوا الضوء الأخضر للعمل على توسيع “القائمة السوداء” المعمول بها حالياً، وربما إدراج بعض الشركات والمنظمات الحكومية في العقوبات، “إذا استمرت أنقرة في التنقيب بالمتوسط”.

ونوه قادة الدول في بيانهم إلى إمكانية التفكير في المزيد من الإجراءات العقابية، في القمة القادمة التي ستعقد شهر آذار 2021، في حال واصلت أنقرة أعمال المواجهة شرقي المتوسط.

وأكد الزعماء في البيان على أن “الاتحاد الأوروبي لا يزال ملتزماً بالدفاع عن مصالحه ومصالح دوله الأعضاء وكذلك الحفاظ على الاستقرار الإقليمي”.

أردوغان يستخف بالقمة

في رده على نتائج قمة زعماء دول الاتحاد الأوروبي زعم رئيس النظام التركي أن “البلدان الحكيمة في الاتحاد الأوروبي أحبطت مخططا ضد تركيا عبر طرح مواقف إيجابية خلال القمة”.

ولفت أردوغان إلى وجود حديث عن تحضيرات جديدة لاستصدار عقوبات ضد تركيا في القمة الأوروبية القادمة، ومناقشة هذا الأمر هناك.

وزعم أنه “لا يمكن أن يتمخض شيء عن تلك القمة أيضا”.

وأردف: “لدينا علاقات سياسية واقتصادية متجذرة بعمق سواء مع الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي، والطرفان لا يرغبان بالتأكيد تجاهلها أو خسارتها”.

بينما أعربت وزارة خارجية النظام التركي عن رفضها لموقف زعماء الاتحاد الأوروبي في قمة بروكسل بشأن تركيا.

وجاء في بيان صدر عنها “نرفض الموقف المتحيز وغير القانوني، والذي لم يتم تبنيه من قبل غالبية دول الاتحاد الأوروبي، وتم إدراجه في نتائج قمة الاتحاد الأوروبي بسبب ضغوط التضامن بين دول الاتحاد وحق النقض، خصوصاً فيما يتعلق بقضايا قبرص، وشرق الأبيض المتوسط وبحر إيجة والقضايا الإقليمية”.

وأشار البيان إلى أنه بسبب السياسات الضيقة لدولتين، لم تتمكن الجهود المبذولة للتواصل والحوار بين تركيا، وبين العديد من دول الاتحاد الأوروبي بما فيها رئيس الدورة الحالية، من تحقيق أجندة إيجابية منذ قمة زعماء الاتحاد الأوروبي في تشرين الأول الماضي.

وأكد البيان أن بعض الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي تستغل التضامن بسبب العضوية وحق النقض في الاتحاد، عبر إثارة مطالب متطرفة ضد أنقرة، لوضع العلاقة بين الاتحاد وتركيا في حلقة مفرغة، الأمر الذي يلحق الضرر بالمصالح المشتركة للجانبين، وبأمن واستقرار المنطقة.

يذكر أن أعضاء البرلمان الأوروبي سبق أن عبروا عن “قلقهم إزاء النزاع المستمر والمخاطر المصاحبة للتصعيد العسكري بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، ودولة مرشحة لعضوية الاتحاد”.

وأعربوا عن “تضامنهم مع اليونان وقبرص على خلفية التصعيد بينهما وبين تركيا في شرق المتوسط، داعين أنقرة إلى وقف أعمال الحفر والتنقيب في تلك المنطقة”.

وأدان البرلمان الأوروبي بشدة “ممارسات تركيا في منطقتهما الاقتصادية الخالصة، في قرار صوت عليه 601 نائب مقابل 57 نائباً رافضاً، مع امتناع 36 برلمانياً عن التصويت”.

وطالب البرلمان الأوروبي أنقرة بعدم انتهاك المجال الجوي اليوناني والمياه الإقليمية اليونانية والقبرصية، ووضع حد لخطابها القومي الحربي.

تقرير/ لطفي توفيق