لكل السوريين

الحدادة مهنة قديمة تناضل من أجل الاستمرار بالوجود

إعداد/ سلاف العلي

مهنة تاريخية قديمة قدم التاريخ والتي سادت لعقود طويلة وتربعت فيما مضى على عرش مهن ذلك الزمن، هي مهنة الحدادة، بالرغم من التقدم التقني والتكنولوجي الذي شهدته حياتنا المعاصرة، يبقى للمهن والحرف اليدوية، الأثر الكبير في المجتمع الذي ينتمي لإرث إنساني عريق، مهن بقي بعضها، فيما يجهد بعضها الآخر ليظل على قيد الحياة بانتظار من ينقذه.

التقينا في مدينة جبلة العربقة بالقدم, أحد شيوخ كار مهنة الحدادة العربية , وقال لنا السيد الفاضل عمرابو فاروق, والذي كان يشتغل بحرفة الحدادة العربية , منذ اكثر من خمسين سنة, تعلمت مهنة الحدادة من جدي ووالدي بعمر 11 سنة، ولأن اكثرية الناس بهذاك الوقت  يعتمدون على الزراعة، ويحتاجون الى تأمين مستلزمات الفلاح الزراعية لتساعده على العمل في أرضه، خاصة أثناء درس الحصاد حيث يتزايد الطلب على معظم الأدوات الزراعية ويقل الطلب على غيرها ، حتى أن فلاحي المدن الأخرى في السقليبية ومحرده كانوا يأتون الينا للحصول على بضاعتنا المشهود لها بالقوة و المتانة.

أكثر الأدوات المطلوبة كانت في هكذا وقت من السنة، المناجل الخاصة بالحصاد ومناجل الحطب وسككك الفلاحة والفراعة والسكاكين، وكنا نقوم بتصليح أي قطعة حديدية يجلبها لنا الزبون، وأحلى شي بالقصة كان هو: أن الحدادين كانوا قادرين على تصنيع أدواتهم التي يستخدمونها في حرفتهم على عكس باقي الحرفيين.

وادوت شغلنا كانت مكونة من المطرقة والسندان والفحم الحجري والجلخ والإزميل والملقط، حيث تصقل القطعة بدرجة حرارة مرتفعة وتعطى الشكل المطلوب.

واخبرنا السيد أبو فاروق: في ذلك الزمن البعيد كانت حياتنا وحياة الفلاحين، تعيش على مبدأ نعيش خبزنا يكفي يومنا , ولم تكن المصاري في متناول يد الجميع سوى قلة من الناس، لذلك كنا نسجل أسماء الفلاحين في دفتر الديون، وننتظر قدوم موسم الحصاد أو موسم الزيتون ونذهب إليهم لجمع ثمن البضاعة ويتم الدفع بطرق مختلفة، فمنهم من يدفع المصاري ومنهم الحنطة والبعض الآخر كان يعطينا زيت الزيتون، وكنا نتصافى بالعدل

الشيخ الفاضل أبو انس , وهو حداد قديم اورث مهنته الى ولديه عبد القادر وسليمان قال لنا: أن العديد من الحرف شهدت تطورا منذ القدم حتى عصرنا الحالي، وتحولت بعض الحرف إلى صناعة في الأزمنة الماضية ، باستخدام تقنيات متطورة، ومنها كيفية صناعة الأدوات من معدن الحديد ومن ثم ظهرت حرفة الحدادة العربية، وطورت بعض المعدات كالمنجل والمنكوش والفراعة وحدوة الخيل وفخاخ الصيد والأقفاص وغيرها، وكان الهدف  في ذلك الزمن, هو دعم وتطوير طرق الصيد ومواسم الحصاد وبناء المنازل وصنع الأثاث وسواها، ولكن مع مرور الزمن بدأت هذه الحرف تشهد تطورا مختلفا وفق الحاجة، وأصبح العديد منها مهددا بالانقراض، وقد حافظت قلة قليلة على هذه الحرف التي أصبحت من التراث.

وكان لا بد من البحث عن طرق للحفاظ عليها ودعم استمرار الحرفيين العاملين بها، فالواقع الاقتصادي يفرض حاله، ولقمة العيش صعبة وقاهرة، لذلك نبحث عن تأمين دخل لهم يمكنهم العيش بالحد الأدنى.

السيد جديع أبو نزار اكد لنا يؤكد على استمرار البحث عن طرق مختلفة لإبقاء هذه المهن التي توارثناه اب عن جد وعن جد ولا نعرف نهاية لها, طالبنا منذ زمن بعيد  بالدعم للعاملين بمهنة الحدادة العربية، وتخصيصهم بمقاسم في المناطق الصناعية ، بالإضافة إلى وجود بعضها في بعض المناطق بجبلة وريفها ، وهناك حرف يدوية متعددة تم إنقاذها من الاندثار من خلال إقامة المعارض والدورات التدريبية، وتسليط الضوء عليها من خلال الوسائل الإعلامية المتعددة، ومنذ سنتين أحدثنا سوقا لهذه الحرف في مدينة جبلة، وتم افتتاح سوق حرف يدوية ومهن تراثية وتقليدية في مدينة القرداحة وفي اللاذقية ، ولكن تبقى هناك حرف مهمة مهددة بالاندثار تحتاج لحماية ودعم يفوق القدرات والمخصصات، وهي صناعة السفن الخشبية وقوارب الصيد والنزهة على سواحل جبلة ، لقلة عدد العاملين بها ودخول معظمهم العقد الخامس وما فوق، و في حال عدم مراعاة خطر اندثارها وتقديم الدعم والتسهيلات لاستثمار خبرات من يتقنون صناعتها وتعليمها للأجيال، سنكون قد ساهمنا في اندثار حرفة بدأت منها صناعة السفينة الفينيقية الأولى على سواحل سورية منذ قبل الميلاد.

وهنا تدخل الحج أبو خالد وهو حداد قديم في المدينة , ومعروف للريف والمدينة, وقال ان كل الاهتمام الحكومي والتدابير غير كافية للوصول إلى شاطئ الأمان لهذه الحرف، كون معظمها هذه المهن تتضاءل تدريجيا, وتطويرها يحتاج إلى تدابير مختلفة من جميع الجهات المعنية، من وزارات مختصة كالنقل والإدارة المحلية والزراعة والصناعة ومديريات السياحة والزراعة, والطلبة المهنيين لاكتساب الخبرة للارتقاء بكافة الحرف، وهكذا سيصبح لدينا جيل حرفي متعلم يحافظ على موروث الأجداد ويتم دمجه بإعادة البناء والتطوير، لإنشاء جسرا يمتد من الماضي إلى الحاضر إلى المستقبل .