لكل السوريين

الحسكة… وما أدراك ما الحسكة؟

صالح مسلم 

الحسكة هي سوريا الصغرى بتنوع خيراتها وانتماءاتها العرقية والعقائدية. نظر إليها النظام السوري مصدراً لنهب الخيرات دون الاهتمام بالإنسان والمجتمع على مدى عقود خلال القرن العشرين، مثلما أهمل الفسيفساء السورية من حيث الانتماء. بل عمل على الإيقاع بين المكونات من خلال تحويل الاختلافات إلى خلافات ونزاعات بدلاً من بث الديموقراطية والحريات والعيش المشترك وقبول الآخر، وأبرز ما يذكر بهذا الصدد هو مشروع محمد طلب هلال سيء الصيت.

مع الثورة السورية سحب النظام السوري جميع القوات السورية لحماية “سوريا المفيدة” حسب تسميته، أما باقي أنحاء سوريا فلم تكن مفيدة حسب النظام وتركها فريسة لكل من هب ودب من فصائل إرهابية مدعومة من قوى إقليمية لديها أطماعها ومخططاتها ولم يبق أمام الشعب إلا أن يعتمد على نفسه وإمكانياته في التصدي لما يجري، ونظراً للتنوع الموجود في الحسكة بدأت كل الأطراف باللعب على ورقة الحسكة وكان لكل منها نصيب. وكانت المقاومة الشرسة في وجه الفصائل الإرهابية على أشدها من طرف وحدات حماية الشعب والمرأة في جميع أنحاء الشمال السوري بما فيها الحسكة، وعندما ظهر داعش قادماً من العراق لم تتم مواجهتها بصرامة لأن القوى المسيطرة لم تكن على خلاف كبير مع داعش على الصعيد الإيديولوجي، فاستطاعت داعش التمدد بسهولة وصولاً إلى وسط سوريا وشمالها.

هذا التمدد السريع والعنيف أصيب بأول انكسار له على صخرة كوباني التي مثلت إرادة الشعب السوري الحقيقية، وعندما وجد التحالف الدولي ذلك التصميم من الشعب على مقاومة الإرهاب وقف إلى جنبه، وهكذا بدأ مسار انحسار الإرهاب انتهاء بباغوز، ولكن حدثت أمور كثيرة خلال ذلك، فوحدات حماية الشعب تحولت إلى قوات سوريا الديموقراطية وباتت تمثل كافة مكونات شمال وشرق سوريا، والكانتونات التي تم تشكيلها في عفرين وكوباني والجزيرة توسعت لتضم مجالس مدنية في كل من منبج والطبقة والرقة ودير الزور تحت اسم الإدارات الذاتية في شمال وشرق سوريا.

نظراً لأن الإدارات الذاتية وقوات سوريا الديموقراطية لم تحارب الدولة السورية ومؤسساتها وإنما النظام السوري وأدواته أبقت على جيبين للنظام في كل من الحسكة وقامشلي حقناً لدماء السوريين وحفاظاً على مصالحهم، وعملاً بأن الأزمة السورية ستصل إلى حل ديموقراطي، وبما أن هذه المناطق سورية وستبقى كذلك، فلا بد من أن يقبل النظام بإرادة الشعب وتطلعاته في الحرية والتعبير عن تنوع الثقافة والانتماء. ولهذا يمكننا البقاء هكذا إلى أن يتحقق الحل السوري.

لكن يبدو أن الأمور لا تسير كما يمليه علينا العقل والمنطق السليم، فالنظام السوري لم يغير من ذهنيته قيد أنملة ولا زال يعتقد أن الشعب قطيع سيعود إلى حظيرة النظام بعد هذا السيل من الدماء والدمار الذي هو نتيجة لفشله في إدارة البلاد. وأنه قادر على الفتنة والإيقاع بين المكونات بعد أن تخلى عنها وقت الضيق واستطاعت هذه المكونات التخلص من الإرهاب ووجدت ضالتها في أسس الأمة الديموقراطية المتمثلة في حرية الأفراد والمجموعات، والعيش المشترك وأخوة الشعوب واستطاعت تأسيس إداراتها الديموقراطية رغم ظروف الحرب والعدوان المستمر من الجيران.

لهذا السبب مد النظام أياديه القذرة إلى الحسكة لأن فيها العربي والكردي والسرياني والآشوري والتركماني والشيشاني والمسلم والمسيحي والإيزيدي، ليجعل منها منطلقاً لبث الفتنة في كل أنحاء شمال وشرق سوريا بعد التنسيق مع جار السوء تركيا وفاشيتها التي هي بوابة كل مصائب سوريا بل كل كوارث الشرق الأوسط. وفي سيناريو متفق عليه تقوم الفاشية التركية بالإعتداءات المباشرة المستمرة بالقصف المدفعي ومحاولات التقدم ومزيد من السيطرة كما يحدث في عين عيسى وتل رفعت، وتفعيل خلايا داعش النائمة المرتبطة بها من جهة، ويقوم النظام بالمضايقات وخلق البلبلة وفرض الحصار على كل من الشهباء والشيخ مقصود والأشرفية في حلب، وإرسال خلاياه المجرمة لاغتيال الشخصيات المجتمعية والوجهاء والعاملين في الإدارات ومحاولة شراء بعض الشخصيات من جهة أخرى. حتى لا يتركوا خياراً أمام الشعب وإداراته في شمال وشرق سوريا ليصبحوا كمن يستجير من الرمضاء بالنار، أي ترغمهم الضربات التركية على الارتماء في حضن النظام دون قيد أو شرط.

الأنظمة الاستبدادية تحبذ مجتمعات القطيع لتفعل بها ما تريد، ونحن نعتقد أن مجتمعنا لم يعد مجتمعاً قطيعاً، بل وصل إلى مستوى من الإدراك والإرادة بحيث يرسم مستقبله ونمط حياته بيديه، ولهذا هو قادر على التصدي لكل ما يحاك له في السر والعلن، ولن يسري في هذا الوطن سوى ما يريده الشعب السوري.