لكل السوريين

الهوية الوطنية السورية وتحديات نحو المستقبل

إعداد/ اـ ن

تُعتبر الهوية الوطنية السورية اليوم في قلب التحديات السياسية والاجتماعية، حيث أصبحت مسألة معقدة وجامعة نتيجة لتعدد المكونات الاجتماعية والثقافية في البلاد، بالإضافة إلى التأثيرات العميقة للثورة السورية والحرب المدمرة التي بدأت عام 2011. هذا التحدي التاريخي يتطلب مراجعة عميقة ومؤسسة لمفهوم الهوية الوطنية السورية، خاصة مع تعمق التجاذبات السياسية والاجتماعية التي أثرت على الهوية السورية على كافة الأصعدة.

منذ بداية الحرب، أظهرت الثورة السورية مجموعة من الهويات الثقافية والعرقية والدينية التي كانت مختبئة أو مكبوتة تحت سطح المجتمع السوري، لتطفو على السطح مجدداً. وقد ظهرت بشكل خاص هوية الإسلام السياسي، حيث تم إحياؤها في ظل تداعيات الصراع. إلى جانب ذلك، ظهرت مطالب بعودة الهوية الاجتماعية القومية السورية على خلفية تدهور العلاقة مع النظام العربي، وتفاقم الأزمة السياسية والاقتصادية. وفي هذا السياق، طرح مفهوم “العروبة” بشكل مستمر في الدوائر السياسية، وكان يعكس مناداة لبعض الفئات للعودة إلى القيم القومية في تعريف الهوية السورية.

الهوية السورية اليوم تُعاني من تأثيرات عميقة بسبب تداعيات الحرب التي ألقت بظلالها على هذه الهوية، لتصبح مُجرد مفهوم مشوّه أو غير مكتمل. فقد كُسرت الهوية الوطنية السورية بفعل الحرب، وزادت تعقيداتها بظهور الصراعات بين الهويات الفرعية التي تنافس الهوية الوطنية الجامعة. لكن، رغم هذه الظروف الصعبة، يظل الشعب السوري يمتلك قدرة على تثبيت هوية موحدة تقوم على أسس راسخة من القيم والمبادئ التي تعزز من وحدتهم على الرغم من الانقسامات الظاهرة.

وتعتبر المنطقة السورية جغرافياً وتاريخياً مفتوحة على حضارات متنوعة، وقد ساهمت هذه الحضارات في بناء هذه المنطقة المميزة. من هنا، ينادي العديد من المفكرين والسياسيين بضرورة تجاوز الإطار القومي المؤدلج والتركيز على الشراكة بين شعوب هذه المنطقة. في ظل النزاع المستمر، فإن تجديد طرح مفهوم الهوية السورية في هذا السياق لا يعد أمراً ترفياً فكرياً بل ضرورة مُلحة. فإعادة طرح الهويات في سوريا، سواء كانت قومية أو دينية، من شأنها أن تؤدي إلى استمرار الصراع في المنطقة، مما يؤدي إلى استنزاف طويل الأمد للموارد والمقدرات. لذا، فإن التحول إلى إطار الشراكة بين الشعوب في المنطقة هو السبيل الأفضل للخروج من دائرة الصراع المزمن.

وبالحديث عن أهمية طرح هذا الموضوع في ظل الأزمة السورية، نجد أن هوية الشعب السوري اليوم قد تعرضت للعديد من التشوهات التي خلقتها الحرب والصراعات الداخلية والخارجية. فعلى الرغم من وجود هوية وطنية واحدة، إلا أن الأزمات والتحديات جعلت بعض السوريين يتساءلون عما إذا كانت سوريا اليوم تمتلك هوية واحدة أم هويات متعددة. وقد ظهرت هويات متطلعة نحو الخارج، مما جعل موضوع الهوية الوطنية السوري يصبح في قلب النقاشات الفكرية والجماهيرية.

إن الحديث عن الهوية السورية في مرحلة ما بعد الحرب لا يمكن فصله عن الضغوط الداخلية والخارجية التي تعرضت لها سوريا طوال سنوات الأزمة. هذه الضغوط قد أسفرت عن تصدعات في المفهوم الوطني، وجعلت السوريين يواجهون تساؤلات حاسمة تتعلق بهويتهم: “من نحن؟” و”كيف نتمكن من الحفاظ على الهوية الوطنية في ظل تنوعنا الثقافي والديني والعرقي؟” هذه التساؤلات تزداد إلحاحاً في ظل واقع يتطلب الحفاظ على الجغرافية السورية والهوية المشتركة بين أبناء الوطن.

وفي هذا السياق، يُؤكد المفكرون أن الهوية ليست ثابتة بل هي حركية، تتطور وفقاً للظروف الحالية والسابقة والمستقبلية. إذ أنها تتأثر بالواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وتعكس قدرة الشعب السوري على التكيف والتجديد. والمكون الأساسي للهوية الوطنية السورية في ظل الأزمة هو مفهوم “المواطنة”، الذي يعكس الارتباط بالأرض والدولة. فالمواطنة هي الأساس الذي يحدد الانتماء والهوية الوطنية، ويجب أن تستند إلى قيم أساسية مثل المساواة، الحرية، وحرية التعبير، لضمان وحدة المجتمع السوري.

يجب أن تُعزز هذه الهوية عبر ثقافة المواطنة، التي تُمكن المواطن السوري من تحقيق حقوقه وحرياته في إطار الدولة الحديثة. فمن خلال المواطنة الحقيقية، تتجسد الهوية الوطنية السورية التي تشمل الجميع وتبني على أسس من العدالة الاجتماعية والمساواة بين جميع فئات الشعب السوري. وهذا يساهم في صيانة الوحدة الوطنية السورية ويعزز من صمود المجتمع في مواجهة التحديات المستقبلية.

إن مواجهة هذا التحدي والانتقال إلى مفهوم شراكة حقيقية بين جميع مكونات الشعب السوري، بعيداً عن الهويات الفرعية، هو السبيل الوحيد لتوحيد السوريين وبناء هوية وطنية جامعة تقف في وجه كل التحديات التي تواجههم.

- Advertisement -

- Advertisement -