لكل السوريين

كورونا.. الأسباب والمآلات

لم يعد بالإمكان تجاهل التأثير الكوني لفيروس كورونا فقد استطاع الفيروس ولأول مرة في التاريخ أن يوحد العالم الذي كان ولا يزال يعيش حالة من الصراع والتنافس والحرب بأشكالها المختلفة.

وأحد أشكال هذه الحرب هو الحرب الاقتصادية التي اشتعل أوارها منذ ما يزيد على ثلاثة عقود بين القطبين العالميين الولايات المتحدة والصين الشعبية بعد انهيار المنظومة الاشتراكية (حلف وارسو) عقب سقوط الاتحاد السوفييتي وتفككه نتيجة فشله المتراكم في المواجهة مع حلف الناتو إبان الحرب الباردة التي رافقها سباق محموم للتسلح، أدى إلى انهيار شبه كامل للاقتصاد السوفييتي، فكان السبب الحاسم لبلورة القطبية الواحدة عالميا جراء غياب الدور السوفييتي قسريا عن الساحة العالمية.

ونتيجة التنافس الشديد بين القوتين الاقتصاديتين أمريكا والصين؛ كان كل منهما يسعى للإيقاع بالآخر بالرغم من البون الشاسع جغرافيا بينهما، فالولايات المتحدة وبرأي مراكز الدراسات والأبحاث الاستراتيجية متأكدة من حقيقة؛ لطالما سعى السياسيون وصناع القرار الأمريكي لتغييرها وتأجيل تحققها، ومفادها أن العالم مقبل على تغير هام في الخارطة الاقتصادية الكونية مع نهاية العام2030، سيؤدي إلى تبوء الصين للمركز الأول اقتصايا في العالم، وتراجع الولايات المتحدة عن مركزها الحالي، وهذا الأمر بات مبعث القلق لديهم، من هنا نفهم هذا التوجه المتشدد لدى الإدارة الأمريكية في سياساتها التجارية مع الصين الشعبية من خلال فرض الرسوم والضرائب بهدف الحد من تدفقها وغزوها للأسواق الأمريكية والعالمية.

وبالمقابل؛ يبدو أن الصينيين أدركوا منذ فترة ليست قريبة أن المنافس الأمريكي لن يتردد في استخدام كل الوسائل والأسلحة من أجل فرمتة الاقتصاد الصيني، وإجباره على التراجع في المواجهة الاقتصادية، وكشكل من أشكال الرد الاستباقي الصيني؛ سارع المارد الأصفر إلى اللجوء لأحد الأسلحة الأكثر فتكا وتأثيرا في الاقتصاد وهو السلاح البيولوجي، والتي كانت مدينة ووهان مركز انتاجه واختباره بنجاح ومن ثم اطلاقه لينتشر عالميا، والآن وبعد هذا الانتشار الدولي للفيروس عقب خروجه من الساحة الصينية وما رافقه من خروج معظم استثمارات جراء حالة الهلع الشديد الذي انتاب العالم نتيجة الانتشار المتسارع له، مما أدى إلى تمكن السلطات الصينية من الاستحواذ على تلك الاستثمارات وبصفقات يمكن أن نسميها صفقة القرن بامتياز.

واليوم، وبعد هذا الانتشار الكبير للوباء عالميا، مما دفع الكثير من دول العالم المتقدم لدخول مختبراتها في سباق ماراثوني من أجل التوصل لعقار لمواجهة هذا الفيروس، وقد تناقلت الوكالات الأخبار عن بعض النجاحات المتحققة في هذا المضمار والذي سيؤدي حتما إلى انتاجه على مستوى اقتصادي وتجاري يغطي احتياجات دول العالم، التي اجتاحها الوباء، بعد أن زاد عددها عن مئة دولة، ومثل هذا الأمر يعني أن هناك صفقات تجارية بمليارات الدولارات، ومن المتوقع أن يزيد الطلب العالمي على العقار عن التريليون من الدولارات وهذا بحد ذاته يعادل ميزانية القارة الإفريقية برمتها.

من كل ما سبق، من المتوقع أن يؤدي الصراع العالمي في مواجهة الكورونا إلى تراجع دول عن ترتيبها في الخارطة الاقتصادية العالمية، وخاصة دول القارة الأوروبية التي اجتاحها الوباء بشكل غير مسبوق سيكون له نتائج كارثية على مستقبلها الاقتصادي.

وبالمقابل سيتعزز دور القطبين العالميين الصين والولايات المتحدة في الهيمنة الاقتصادية على العالم، أما دول العالم الثالث فهي بانتظار ما يجود به العالم المتقدم عليها من مساعدات لهذه المواجهة، لأنها لم يأن الأوان بعد لأخذ دورها وتبوء موقعها المناسب في معادلات العالم السياسية والاقتصادية.