لكل السوريين

وقعة الشاطر

الشاطر في العرف الشعبي هو الشخص الذي يستطيع التغلب على الصعوبات التي تواجهه والعوائق التي تعترض سبيل وصوله إلى هدفه بذكاء ومهارة بغض النظر عما إذا كان ذلك الهدف شرعياً أو غير شرعي، أو أخلاقياً أو غير أخلاقي، ولعل أبرز ما ورد في ذلك هو الميكيافيلية التي تعمل من قاعدة “الغاية تبرر الواسطة”.

هذا الشاطر يمكننا رؤيته في الحياة اليومية لدى المجتمعات، وهناك كلام شعبي دارج يتردد في كثير من الأوضاع التي نعيشها حيث يقال “حلال على الشاطر” أي أنه إذا حقق هدفه بأية وسيلة لا يهم. ربما بالسرقة أو الكذب أو المكيدة أو بأي وسيلة أخرى يعرفها الشطار. ومن ميزة الشطار أنهم يستهترون بعقول الآخرين ويستغلون جهلهم أو طيبة قلوبهم أو حسن ظنونهم في شخص يتظاهر بالصدق والنزاهة أو يتستر برداء الدين أو المبادئ.

وعندما نتحدث عن وقعة الشاطر فإننا نتحدث عن ذلك الشاطر الذي تنكشف حقيقته وحقيقة ممارساته فيكون ذلك السقوط (الوقعة) مؤلمة بقدر حجم وعمق الشطارة التي مارسها على مجتمعه أو الجهات التي مارس معها وسائله أو مكائده، وتكون بحجم كارثة إذا كان الشاطر سياسياً أو قيادياً في مجتمع ما، نظراً لأن شظايا تلك السقطة (الوقعة) تطال الجميع.

هؤلاء الشطار منهم الصغير ومنهم الكبير وهم متواجدون في كل المجتمعات وميادين الحياة، فمنهم التاجر ومنهم المهني ومنهم السياسي …. إلخ. أما كثرتهم أو قلتهم فيعتمد على مدى الوعي لدى المجتمعات ومدى سريان المبادئ وقواعد الأخلاق والقوانين التي يضعها المجتمع للأفراد والمؤسسات في سبيل الحفاظ على سلامة المجتمع.

أبرز مثال يمكننا سرده في هذا الموضوع هو مثال رجب طيب أردوغان الرئيس التركي الراهن، فقد نشأ رجب طيب ضمن أسرة فقيرة في حي “قاسم باشا” الشعبي لأسرة فقيرة لم تستطع تلبية متطلبات أبنائها لحياة رغيدة ومرفهة حيث درس رجب طيب في المدارس الحكومية المجانية ثم واصل تعليمه في مدارس الأئمة والخطباء ليكون إماماً أو خطيباً. وفي ذلك الحي كان من الشبيبة المتهورة (القباضايات) ولاعباً في فريق الحي. عندما أنهى دراسته إختار أن يكون بائعاً متجولاً للكعك (سيميت) لأن ذلك لا يحتاج إلى رأسمال أو خبرة، وكان يرتاح في المسجد كلما تعب من التجول إلى أن التقاه أحد أنصار فتح الله غولان وتعرف عليه وكان يعمل في حزب سياسي يرأسه نجم الدين أرباكان. ونظراً لشطارته ضمن الحزب ودعم فتح الله غولان له استطاع التدرج في الحزب حتى ترشح لرئاسة بلدية استانبول وفاز، حيث الشهرة والإمكانيات. عندها بدأ يفكر مع مجموعة ضمن الحزب الإنشقاق عن أرباكان وحزبه مع كتلته أمثال عبدالله غول وفتح الله غولان (الجماعة). ثم توجه إلى الولايات المتحدة ليأخذ الضوء الأخضر لتأسيس حزب العدالة والتنمية.

الحزب الجديد حاز على الأغلبية في البرلمان بقيادة عبدالله غول وبدعم من القوى التي دعمته خارجياً أي أميريكا والقوى الغربية التي كان لديها مخطط الشرق الأوسط الكبير، وداخلياً من طرف جماعة فتح الله غولان. إلا أن رجب طيب لم يستطع الترشح في الانتخابات لوجود حظر قانوني عليه، وبتحايل ما دفع أحد النواب إلى الإستقالة ليحل محله بانتخاب محدود حيث تم تنصيبه رئيساً للوزارة وعبدالله غول رئيساً للجمهورية. ثم أراد التخلص من فتح الله غولان نظراً لثقل جماعته في التيار الديني في تركيا، فقام بترتيب إنقلاب مصطنع للتخلص منهم، واتهم انصار الجماعة به ليأخذها ذريعة للتخلص منهم ضمن كل مؤسسات الدولة، مما اضطر إلى الإستعانة بحزب الحركة القومية المتطرف وبعصابات المافيا السياسية والمالية التي تتحكم بكل الأعمال غير القانونية (كلاديو تركيا) للبقاء على كرسي الحكم ولا زال يعمل مع هذا الإئتلاف.

على صعيد السياسة الخارجية استطاع إقناع القوى التي خططت للشرق الأوسط الكبير ليجعل من تركيا رأس حربة لتنفيذ مخططها، ويشارك في كل التدخلات التي حدثت في تونس وليبيا ومصر وفي سوريا، للتغطية على مشروعه الخاص الذي يهدف إلى إنشاء العثمانية الجديدة من خلال دعم الفصائل الجهادية وخاصة داعش. ولكن تلك الفصائل التي صنعتها تركيا أصبحت تستهدف مصالح القوى التي تعمل على إنشاء الشرق الأوسط الكبير، فحاولت تلك القوى منع تركيا من ذلك دون جدوى، وأصر أردوغان على المضي في مخططه باللعب على التناقض القائم بين روسيا والقوى الغربية، أي الولايات المتحدة والناتو. وعندما التقى الغرب والروس وناقشوا المسائل العالقة بينها أنكشفت ألاعيب ومكائد الشاطر أردوغان. ونظراً لأنه واثق من شطارته طلب الاجتماع بكل من بايدن وبوتين على إنفراد بعيداً عن الوزراء والرسميين لتقديم تنازلات خلف الأبواب المغلقة، ولكنه لم تفده شطارته في إقناع الرئيسين نظراً لإنكشاف ألاعيبه السابقة التي مارسها، وهنا كانت وقعة الشاطر. ولكن هذه الوقعة لن تلحق الضرر بشخصه فقط، فقد توصله أعماله وجرائمه إلى محاكم في الداخل والخارج مثل محكمة الجنايات الدولية، وناهيك عن الضرر الذي لحق بشعوب المنطقة، فالحرب التي يخوضها في الداخل والخارج أوصلت الاقتصاد التركي إلى الحضيض بعد أن كان مزدهراً، وتراكمت ديون تركيا لتصل إلى مئات المليارات، وباتت تركيا في عزلة لاتثق بها كل دول العالم، فحتى لوتخلصت تركيا من شاطرها في هذا اليوم فالآثار السلبية التي سيتركها ذلك الشاطر ستستمر لعقود قادمة.

وما علينا إلا أن نقول “الله يستر الشعوب من هكذا شطار”.