لكل السوريين

الفرحة في حياتنا

إنَّ الفرحة في حياة المرء نسبية، وإنَّ كل من يشاركونك تلك الفرحة لا يهمّ أن يفرحوا من خلال فرحتك، وإذا نجحت في امتحان، أو رقيت في وظيفتك، أو شعرت بالحب يصفق بين جوانحك، فلا بد أن تتردد على مسامعك كلمات التهنئة المختلطة أحياناً بالغيرة أو بالحسد! .

فالحب موجود، إذا كنت لا تنتظر مقابلاً له، ولا تتوخى أصداء تأتيك ممن تحب.

الحب قدرة على التضحية، و إذا كانت نفسك مليئة بهذه العاطفة الجميلة، فلن ترى الناس إلّا أحبّاء، ولن تسمعهم إلّا منشدين يُغنّون ويعزفون!

العاطفة موجودة، إذا كنت تُربي إبنك ليكون عضواً مفيداً وعاملاً في المجتمع الذي يحيط بك، وترى في إبنتك أمومة جديدة تسقي المستقبل من الحنان والمحبّة. فالعاطفة لا تجعلك تنتظر من إبنك أن يتكفلك بعد عجزك وشيخوختك لأن زمنه القادم أكثر قسوة من زمنك، فيكفيه ما سيواجهه.. والعاطفة لا تدفعك إلى مطالبة ابنتك بأن تنسى نفسها وتتذكرك أنت، لأن واجبها القادم سيكون أكبر من واجبك، و ستكون منشغلة باثبات الحب في بيتها الجديد بكل صوره ومواقفه المتعددة.

فالأبناء لن يكونوا امتداداً للآباء، ولكنهم قدرة جديدة وقدر يختلف عن قدرك، وطموح يتضاعف عن طموحاتك، ولكنها الآمال التي تكبر في نفسية سُقيت بالخير والمحبّة، وتتضاءَل في نفسية عانت من الفرقة، والأسى والحزن!

إنَّ الحياة بدون حب، هذا يعني انفتاح النفس على التعب، وانفتاح القلب على الفرح بالأمل دائماً!

لذلك، فالناس يتعبون من هروبهم المستمر، ومن تحديدهم المتعاقب، ومن حجم الفرح وحجم الألم، ويتعبون ـ تبعاً لذلك ـ من أفراح الآخرين، لأنها تنفُذ إلى أعماقهم، وتكشف عن بلل محصور في تلك الأعماق!

ولكي تُسعِد الناس، ينبغي أن تُدخل السرور إلى قلوبهم ليحبوك أكثر، أو على الأقل حتى لا يفكروا في كراهيتهم لك!

إنَّ فلسفة الرابطة الإنسانية أصبحت تُرهق الناس.. فالأب يخافُ من عقوق إبنه إذا كبر، والأم تخافُ من انشغال ابنتها عنها إذا شاخت، أو إذا صعقتها الحياة بخبر فجائي أفقدها التفكير وشل قدرتها على الحركة.. والزوجة تخاف من تبدل زوجها وانسياقه وراء الماديات أو الشهوات، والزوج يخاف من دعة زوجته واهمالها له، والابن يفكر في مستقبله كلما ازداد عُمره، وما الذي سيكون عليه أبناؤه من عاطفة نحوه.. والبنت تفكر في أسلوب المحافظة على زوج المستقبل، لئلا تسرقه منها مشاغل الحياة أو تأخذه منها فجَائع العصر!

ورغم أبعاد هذه الفلسفة للرابطة الإنسانية، فقد أخذ الإنسان يعدو خلف مطامعه، وهرباً من خوفه الذي ينذر به الغد القادم.

أصبحت الماديات هي الاهتمام المباشر الذي يتسلط أحياناً على عاطفة المرء.. فترى الأب لا يرى أبناءَهُ لعدّة أيام، وترى الابن في زهوة شبابه يركض خلف المباهج ومفرحات الحياة دون قياس أو تأمّل و قبل أن تقتحمه مسؤوليات الحياة!

 

عبد الكريم البليخ