لكل السوريين

في ظل تغير المشهد السياسي الفرنسي وقلق العواصم الغربية.. جولة حاسمة بين ماكرون ولوبان

تشير معظم التوقعات إلى إعادة انتخاب ماكرون لفترة رئاسة ثانية خلال الجولة الثانية من الانتخابات التي ستجري بعد أربعة أيام، في ظل تغير ملامح المشهد السياسي الفرنسي لصالح اليمين المتطرف.

ومع أنه من المستبعد أن يتعرض ماكرون للهزيمة في هذه الجولة، فقد يفوز بفارق ضئيل يقلل من فرص حصوله على مساحة كافية من الحرية تمكنه من تنفيذ سياساته خلال ولايته الثانية.

خاصة أن حملته الانتخابية خلت إلى حد كبير من مناقشة القضايا المحلية، مما يحد من قدرته على القيام بأي تغيير جوهري خلال هذه الولاية.

ولم يتمكن اليسار الفرنسي خلال انتخابات هذا العام من الاتفاق على مرشح واحد، مما شتت قواه، وفسح المجال أمام صعود اليمين المتطرف، بما يمكن أن يعطيه زخماً يمكّنه من إحداث تغييرات جوهرية في السياسة الداخلية والخارجية لفرنسا.

وهو ما يثير قلق العواصم الغربية من احتمال تغيير الموقف الفرنسي من الحرب في أوكرانيا.

ويعزز هذا القلق احتمال أن يعاد انتخاب ماكرون نتيجة الظروف التي تفرضها هذه الحرب، وليس بسبب برنامجه السياسي أو الدعم الشعبي لهذا البرنامج.

مشهد سياسي جديد

أشارت نتائج الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية إلى تغيير ملفت في المشهد السياسي الفرنسي، حيث حصل مرشح الحزب الجمهوري الذي ينتمي إليه الرئيس السابق نيكولا ساركوزي على أقل من خمسة بالمئة من الأصوات، بينما كان هذا الحزب قوة مهيمنة في الساحة السياسية الفرنسية.

كما حصل الحزب الكبير الآخر، وهو الحزب الاشتراكي على أقل من اثنين بالمئة من أصوات الناخبين.

بينما حصل مرشح أقصى اليسار جان لوك ميلينشون، على نسبة 22% من الأصوات، واحتل المركز الثالث في هذه الجولة، وتمكن من وضع حزبه “فرنسا الأبية” بالمرتبة الثالثة في المشهد السياسي الفرنسي.

أما اليميني المتطرف إيريك زمور الذي أظهر طموحات كبيرة خلال الحملة كما فعل أنصاره، فحصل على نحو 7% من الأصوات في هذه الجولة.

في حين جاءت نتائج مرشح حزب الخضر، يانيك جادوت، أسوأ من المتوقع، حيث حصل على نسبة 4.4 % من الأصوات.

خطر اليمين المتطرف

للمرة الأولى في تاريخ فرنسا يحصل ممثلو أحزاب اليمين المتطرف على نسبة ثلاثين بالمئة من أصوات الناخبين في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، وترجع هذه النتائج بشكل رئيسي، إلى تشتت أصوات ناخبي أحزاب اليسار بسبب تعدد مرشحيهم.

وتشير الظروف الحالية إلى أن ممثلة اليمين المتطرف مارين لوبان تتمتع باحتياطي مهم من الأصوات، من خلال الناخبين الذين صوتوا لمرشح حزب “الاسترداد” إيريك زمور، بما يمكّنها في حال فوزها بهذه الانتخابات، من إحداث تغييرات جوهرية في السياسة الداخلية والخارجية لفرنسا، باعتبار أن مرشحة “التجمع الوطني” تتبنى مواقف معادية للتكامل الأوروبي، وتدعو إلى سحب فرنسا من القيادة المتكاملة لحلف شمال الأطلسي.

ولن يكون أمام ماكرون سوى الفوز بهذه الانتخابات ولو بنسبة ضئيلة، ليتمكن من قطع الطريق على احتمال حدوث هذه التغييرات الخطيرة على التحالف الغربي لمواجهة روسيا.

قلق العواصم الغربية

تشير التقارير إلى تزايد قلق العواصم الغربية، وخاصة واشنطن بسبب استطلاعات الرأي حول جولة الانتخابات الرئاسية الثانية التي تظهر سباقاً محتدماً بين الرئيس  ماكرون ومنافسته.

ويشير بعضها إلى إمكانية فوز اليمينية المتطرفة، مارين لوبان، ما قد يربك استقرار التحالف الغربي ضد موسكو، ويقلب دور فرنسا، كقوة أوروبية رائدة، رأسا على عقب، ويزعزع ثقة قادة آخرين في حلف شمال الأطلسي بشأن البقاء في الحلف.

وبحسب الإعلام الغربي، يضع فوز لوبان الاتحاد الأوروبي أمام أكبر أزمة منذ خروج بريطانيا من الاتحاد، كونها تتعاطف مع مبررات بوتين لغزو أوكرانيا، وترفض بعض الإجراءات المتشددة التي اتخذها التحالف الغربي ضد روسيا، وخاصة في مجال النفط والغاز.

وذكرت مجموعة من التقارير الإعلامية أن مسؤولين أميركيين كبار يراقبون أي مؤشرات على أي تدخل روسي محتمل في هذه.

جولة حاسمة

بعد فوزه بالجولة الأولى من الانتخابات، قال الرئيس الفرنسي لمؤيديه “لم يحسم شيء بعد”.

وأضاف ماكرون “عندما يمثل اليمين المتطرف بجميع أشكاله جزءاً كبيراً من بلدنا، لا يمكننا أن نشعر أن الأمور تسير على ما يرام”.

وأعرب عن أمله في أن ينضم إليه في هذه الجولة الذين لم يصوتوا في الجولة الأولى، والذين صوتوا لمرشحين متطرفين.

وبدورها دعت لوبان الذين لم يصوتوا لماكرون في الجولة الأولى للتصويت لها في هذه الجولة.

وقالت إنها ستكون “رئيسة كل الشعب الفرنسي” إذا تم انتخابها في هذه الجولة.

وأعادت طرح جميع الموضوعات التي تناولتها في حملتها الانتخابية، بما في ذلك “إعادة تأكيد القيم الفرنسية والسيطرة على الهجرة وضمان الأمن للجميع”.

ومن المتوقع أن تتابع العواصم الغربية هذه الجولة باهتمام كبير، لأن نتائجها ستحدد ملامح السياسة الفرنسية لمدة خمسة سنوات على الأقل.