لكل السوريين

المَأسسة والسياسة

حسن مصطفى

مع اقتراب استحقاق الانتخابات الرئاسية للولايات المتحدة الأمريكية واستمرار الحملات الانتخابية، واستعار أوار المنافسة بين الحزبين الرئيسيين الجمهوري الذي يسعى جاهداً للفوز بولاية جديدة للرئاسة، والديمقراطي الذي يعمل بكل طاقاته لإزاحة الرئيس ترامب وحزبه الجمهوري، مستغلاً الأخطاء التي وقع فيها الرئيس خلال فترة ولايته.

سواء على صعيد السياسة الداخلية أو على صعيد السياسة الخارجية، وبالرغم من الحملات المستعرة بين الفريقين والاتهامات المتبادلة بينهما الهادفة إلى النيل من بعضهما عبر تصيد الهفوات والزلات وتسجيل النقاط بهدف تحقيق مكاسب انتخابية لهما.

إلا أنهما أي كلا الحزبين يعملان وفق رؤية استراتيجية، هدفها تحقيق المصالح الأمريكية وتعزيز الأمن القومي الأمريكي، ولكن لكل منهما مفهومه وأسلوبه ومنهجه في تحقيق ذلك وبما لا يتعارض مع المبادئ والقواعد الأساسية التي استند إليها دستور الولايات المتحدة، الذي أجمع عليه الشعب الأمريكي منذ إعلانه الأول في الرابع من شهر آذار 1789، والذي سبق أن تم اقتراحه في المؤتمر المنعقد في السابع عشر من سبتمبر(أيلول)من العام 1787، وقد جرى عليه سبع وعشرون تعديلاً كان آخرها في العام 1971م.

وما يحدث في الحملات الانتخابية وقبيل الانتخابات يدخل في إطار اللعبة الديمقراطية، التي باتت تتقنها الدول الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة وفي جميع الأحوال فـ أياً كان الرئيس الذي سيدخل البيت الأبيض، فإنه سيبقى أسير الرؤية الاستراتيجية للسياسة الأمريكية سواء الداخلية منها أو الخارجية، مع منحه هامشاً للحركة والتصرف قد يوحي في لحظة ما أنه خارج عن المألوف والمرسوم لتلك السياسة.

ولكن الحقيقة غير ذلك فالسياسة الأمريكية الداخلية منها والخارجية لا يمكنها أن تحيد عما هو مرسوم من قبل عتاة السياسة الأمريكية، وبتفاصيل أكثر من دقيقة ولكن ما يحدث أن الهامش المتاح لصاحب البيت الأبيض قد يبدو للآخرين فيه خروج عن المرسوم والمعتاد، لكن الواقع يدل على أن هذا الخروج هو مرسوم أيضاً ومحدد في الزمان والمكان.

لأن السياسة الأمريكية وكغيرها من سياسات الدول المتقدمة تحكمها وتوجهها مؤسسات عريقة يعمل بها كبار الخبراء والمستشارين، ومن العاملين السابقين في السياسة الأمريكية ممن اكتسبوا الخبرة أثناء أداءهم لمهامهم الرسمية، التي كانوا يشغلونها.

وهذا الأمر يفسر لنا سر نجاح وتفوق السياسات الدولية مقارنة بالسياسات الشرق أوسطية، التي هي على الغالب منفعلة وليست فاعلة آنية وليست استراتيجية سطحية وليست متجذرة، الأمر الذي يجعلنا في حالة تراجع مستمر وتخلف ليس على المستوى السياسي فحسب.

وإنما على كافة المستويات من هنا يتوجب علينا أن نعمل على مأسسة أنظمتنا السياسية أولاً، كمقدمة لابد منها من أجل تحقيق النجاح في مأسسة منظوماتنا الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والادارية، لضمان استمرار تقدمنا في مسيرة الألف ميل الذي يوصلنا إلى المستقبل المنشود الذي نصبو إليه جميعاً.