لكل السوريين

التجربة البرلمانية السورية3

تقرير/ لطفي توفيق 

تعتبر التجربة البرلمانية في سوريا من أولى التجارب في المنطقة، حيث تم انتخاب أول مجلس نيابي في بلام الشام، التي كانت تضم سوريا ولبنان وفلسطين والأردن، في السابع من حزيران عام 1919، تحت اسم المؤتمر السوري، وعقد أول اجتماع له في دمشق بمشاركة 85 نائباً، ومثّل أول صيغة برلمانية فريدة من نوعها في الوطن العربي، وتتالت التجارب البرلمانية في سوريا تحت تسميات مختلفة.

وقبل ذلك، بدأت محاولات أولى للتجربة البرلمانية، ولكنها كانت تتهمش أو تتعطل أو تلغى، بسبب فرمانات الإمبراطورية العثمانية، أو قرارات الانتداب الفرنسي، أو عدم الاستقرار السياسي وتتالي الانقلابات العسكرية في مرحلة الاستقلال وما بعدها.

ورغم قصر هذه التجارب، وتعثرها غالباً، لكنها ساهمت في بلورة العمل البرلماني، وتراكم الخبرات خلال هذه التجارب، قبل أن تصل إلى مرحلة النضج في بعض مراحلها.

 التجربة البرلمانية في ظل الاستعمار الفرنسي

نشأت في سوريا خلال سنوات الحرب العالمية الأولى أحزاب ومنظمات سياسية متعددة، وتبلورت فكرة إقامة هيئة تعبر عن مصالح سكان مختلف مناطق البلاد.

وتجسدت هذه الفكرة في المؤتمر السوري الذي كان عبارة عن جمعية تمثيلية انتخب إليها الكثيرون من ممثلي نخبة المثقفين السوريين.

ويسجّل التاريخ اسم “المؤتمر السوري العام “كأول برلمان يمثّل السوريين بعد الاستقلال عن الدولة العثمانية، والصوت الأول الذي نادى باستقلال سوريا بحدودها الطبيعية باسم “المملكة العربية السورية “.

نشأ المؤتمر السوري العام من تجمّع أعضاء من جميع مناطق سوريا الطبيعية، واجتمعوا للمرة الأولى في “النادي العربي بدمشق”، وانتخبوا “محمد فوزي العظم” رئيساً للمؤتمر في شهر حزيران عام 1919.

ثم عقد المؤتمر جلستين رئيسيتين لغاية شهر تموز من عام 1920، وقد وضعت خلالها لجنة الدستور مشروعاً مؤلفاً من 148 مادة لـ “المملكة العربية السورية”.

واختارت اللجنة الشكل النيابي الدستوري لحكومة ملكية نيابية مسؤولة أمام المجلس النيابي، وكانت الملكية في مشروع الدستور مقيدة، والسلطة التشريعية موزعة على مجلسين “النواب والشيوخ”، اقتباساً من نموذج الملكيات الدستورية الأوروبية.

وصاغ دستور المؤتمر السوري الأول مفهوم المواطن بغض النظر عن أي تحديد ديني أو اثني له، وأطلق ذلك على جميع أفراد المملكة العربية السورية، فالمواطن السوري هو كل فرد من أهل المملكة، وليس من يتكلم العربية فقط.

وكان الدستور السوري الأول دستوراً علمانياً، حدد دين الملك بالإسلام، وتجلت فيه الهوية العربية أكثر من الإسلامية، واستوعبت مواده التغيرات السياسية والاجتماعية التي طرأت على البلاد بعد خروج الأتراك العثمانيين منها.

ولكن دخول القوات الفرنسية إلى سوريا بقيادة الجنرال غورو عام 1920، بعد استشهاد وزير الدفاع السوري يوسف العظمة في معركة ميسلون البطولية، عرقل تحقيق الأهداف التي أعلنها المؤتمر الوطني، وحال دون أن يصبح هذا المؤتمر حجر الزاوية في تشييد صرح الحياة البرلمانية في سوريا.

حيث فرضت فرنسا، وفق معاهدة سان ريمو، وقرار عصبة الأمم المتحدة، الانتداب على سوريا ولبنان.

ومنذ البداية، عملت السياسة الفرنسية على تجزئة البلاد إلى دويلات اثنية واقليمية، وهي حلب ودمشق والزور وجبل الدروز وجبال العلويين ودولة لبنان الكبير.

وجرت في ظل الاستعمار الفرنسي عام 1923 انتخابات برلمانية في المناطق السورية طبقاً لأوامر السلطات الاستعمارية الفرنسية.

وأسفرت هذه الانتخابات عن تشكيل مجلس يضم 33 عضواً برئاسة بديع المؤيد، ودخل فيه ممثلون عن “دول” دمشق وحلب والمنطقة الساحلية والداخلية في اتحاد فيما بينها.

وتم انتخاب صبحي بركات رئيساً للمجلس.

ولكن هذا المجلس لم يكن يتمتع بأية صلاحيات فعلية، ولم يكن لقراراته أثر يذكر.