لكل السوريين

شبح “الرشاوي” و “المحسوبيات” يلاحق متضرري الزلزال ويزيد معاناتهم

حلب/ خالد الحسين

بعد الزلزال العنيف والكارثي الذي ضرب المنطقة بشكل عام في السادس من شباط الماضي أخلى عدد كبير من سكان مدينة حلب منازلهم وتوجهوا لمراكز الإيواء التي أقامتها الحكومة في المدارس والمراكز العامة الخاصة لحالات الطوارئ.

دفع محمد صباغ مبلغ 200 ألف ليرة سورية، كباقي سكان البناء، للفريق الهندسي، مقابل الكشف على البناء الذي خرجوا منه خوفاً على حياتهم.

وبغصة يقول صباغ (60 عاماً)، من سكان حي بستان الباشا بحلب، شمالي سوريا: “سنبقى نعاني من التعامل مع مجموعة من العصابات التي لا تعرف من الإنسانية سوى المال”.

ويرى الرجل الستيني، أن مجلس المدينة (البلدية)، “يضع تعقيدات وعراقيل كبيرة”، أمام طلبات الكشف على الأبنية، لقاء “منفعة مادية”، ويقول: “خاصةً أننا كمتضررين لم نعد نملك الإمكانية لدفع رسوم النقابة”.

وفي حديث مع السوري، أرجع “صباغ” سبب التصدع في البناء، إلى أن المالك الأساسي كان أزال أعمدة القبو للعمل في توسيعها. وبعد قرار إخلاء المنازل يتابع “صباغ” بشكل يومي مع مختار الحي وفرق مهندسي السلامة العامة وضع البناء، حتى يحصل على كشف بأن البناء بحاجة إلى ترميم.

ولكن قرار الفريق كان الهدم، بحسب قوله، وأخبروه “ما منتحمل مسؤولية إعادة السكان”، بينما طلب المستشارون في الفرق الهندسية مبلغ ثلاثة ملايين ليرة مقابل إعداد تقرير إنشائي، أن البناء يحتاج إلى تدعيم بدلاً من الهدم.

وشكلت نقابة المهندسين بحلب نحو 115 لجنة، توزعت على 269 مهندس مختص، للتعاون مع مجلس المدينة للكشف الحسي على المباني المتضررة وإعادة السكان إلى منازلهم التي لا تشكل خطورة عليهم.

وبحسب تقارير فرق اللجان تم الكشف عن 23,921 بناء منذ منتصف شهر آذار/ مارس الفائت، منهم 877 بناء يجب هدمه، توزعت على: (306 في حي قاضي عسكر و181 في باب النيرب، و130 بناء في مركز المدينة و95 بناء ضمن حي السليمانية و81 في حي الأنصاري الشرقي و36 بناء في المدينة القديمة و22 بناء ضمن حي السريان القديمة و16 بناء في مدينة هنانو وعشرة أبنية في منطقة النيرب).

كما تم هدم 413 بناءً بتصنيف عالي الخطورة و5301 من الأبنية التي تحتاج إلى تدعيم، وبلغ عدد الأبنية السليمة من العدد الكلي بعد الكشف 17,743 بناء، فيما وصل عدد العائلات التي خرجت من بيوتهم إلى 863 عائلة.

ويعيش “صباغ” مع زوجته وابنتين له ضمن مركز إيواء الأصمعي، في حي سليمان الحلبي الذي يضم نحو 600 شخص، على أمل أن تجد فرق الاستجابة الطارئة حلولاً لمشكلة المتضررين في بناء مساكن جديدة لهم.

ويعمل كادر الجهد الهندسي العراقي، التابع للحشد الشعبي، على إنشاء نحو 500 وحدة سكنية بسعة 37 متراً للمتضررين، بالتعاون مع الحكومة المحلية في حلب في منطقة جبرين شرقي المدينة.

وقال أحد المسؤولين في نقابة المهندسين بحلب للسوري، إن التقرير الإنشائي والأضرار “قد يتجاوز مبلغ المليون ليرة سورية، كون النقابة لها مصاريف وتعاقد مع المكاتب الهندسية، والدراسات تحتاج إلى الكثير من الجوالات التي تتحمل نفقات لا تتحملها النقابة”.

وأضاف : “مبلغ 200 ألف ليرة مبلغ بسيط كرسوم لتقرير إنشائي، لبناء متهدم أو يشكل خطورة، والنقابة تعمل ضمن القوانين الداخلية وخفضت الرسوم بعد صدور المرسوم الرئاسي الذي نص على إعفاء المتضررين من رسوم إعادة البناء”.

وأصدرت الحكومة المرسوم التشريعي رقم 3 لعام 2023 في الثاني عشر من آذار/ مارس الفائت، وأعطت المتضررين فرصة الاقتراض من المصارف العامة لمبلغ يصل إلى 200 مليون ليرة وبلا فوائد.

ووضع المشرع تعريفاً للمتضررين، حصراً بأنهم مالكو أو شاغلو العقارات التي تعرضت منشآتهم أو محالهم أو منازلهم أو أبنيتهم الواقعة ضمن المناطق المنكوبة للهدم الكلي أو الجزئي أو التصدع الذي يحتاج إلى تدعيم.

ولم يجد وسام العلي (38 عاماً)، من سكان حي الغزالات في حلب، اليد الحنونة من الحكومة في مساعدة المتضررين، حين حصل على تقرير الأضرار من قطاع السليمانية.

دفع الرجل الثلاثيني ما يقارب 300 ألف ليرة سورية، بالإضافة لـ 14 عائلة تقطن البناء، بين القطاع ولجان المهندسين، حتى تحول التقرير النهائي بأن البناء يحتاج إلى تدعيم بدلاً من الهدم.

ووصل نحو 100 مسكن مسبق الصنع من جمهورية الصين الشعبية إلى مدينة حلب، بمساحة 18 متراً مربعاً، تم تسليمها إلى مجلس المدينة لتجهيزها في منطقة جبرين، لمتضرري الزلزال.

وتتساءل بتول سكري (45 عاماً)، من سكان بستان الباشا بحلب، “إذا كانت الحكومة لم تساعدنا في إعمار دمار الحرب فكيف تبني ما دمره الزلزال؟ منذ شهرين واللجنة المسؤولة في المحافظة تنقلنا من مدرسة إلى مجمع”.

وانتهت التنقلات بعائلة “سكري”، في غربي حلب ضمن مدرسة، قاموا بتقطيع الصفوف بلوح خشبي إلى غرفتين على شكل مركز إيواء مع حمامات مشتركة، لا مطابخ ولا حياة فيها سوى الذل، بحسب قولها.

وتعمل محافظة حلب على إخلاء المدارس التعليمية التي تحولت إلى مراكز إيواء، ضمن الأحياء السكنية إلى مناطق خارج المدينة، بعد ما منعت كافة أشكال الخيم في الطرقات، لتفادي نقل أوجاع المتضررين تحت غطاء تنظيم الأماكن ووصل الدعم للمستحقين من المتضررين.