لكل السوريين

بديل معدوم.. أزمة النوادي الصيفية للأطفال في حماة

حماة/ جمانة الخالد

مع بداية موسم الصيف وارتفاع درجات الحرارة لتلامس الأربعين مئوية، تتحول محاولة العثور على نشاط مفيد وآمن للأطفال في مدينة حماة إلى تحدٍّ حقيقي لمعظم الأسر. فالنوادي الصيفية، التي كانت فيما مضى تشكّل متنفساً للأطفال وفرصة للتعلم والترفيه، تعاني اليوم من مشكلات متراكمة جعلت استمرارها شبه مستحيل. البعض منها أُغلق بسبب نقص التمويل، وبعضها الآخر بات محصوراً في فئة محدودة نتيجة الارتفاع الكبير في التكاليف، فيما توقفت العديد من المبادرات تماماً بسبب غياب أي دعم حكومي أو أهلي فعّال. آلاف الأطفال اليوم محرومون من فرصة لقضاء عطلة صيفية بنّاءة، في ظل شبه انعدام للبدائل المجانية أو منخفضة التكلفة.

المقارنة مع ما كان قائماً قبل سنوات تبرز حجم التراجع بوضوح. ففي السابق، كانت النوادي الصيفية في حماة تزخر بالأنشطة الثقافية والرياضية والفنية، وكانت متاحة في مختلف الأحياء تقريباً. من الرسم والمسرح إلى الرحلات الترفيهية والرياضة، كانت البرامج غنية ومتنوعة. أما اليوم، فهي إما غائبة تماماً أو محصورة في بعض الأحياء الراقية، مما يحرم الغالبية العظمى من الأطفال في المناطق الشعبية من الوصول إليها. خالد، أب لثلاثة أطفال، يتحدث عن ذكرياته مع النوادي الصيفية في حي العزيزية حيث تعلّم السباحة والنجارة في طفولته، لكنه اليوم يصطدم بواقع مختلف حين يحاول تسجيل أطفاله. “حتى النوادي التي ما زالت موجودة صارت تفرض رسوماً باهظة، والانتظار فيها طويل. لم يعد أمام أطفالي سوى الشارع أو الجلوس أمام الهاتف طوال اليوم”، يقول بحسرة.

هذه الأزمة لا تقتصر على الوضع الاقتصادي، بل تشمل أيضاً انهيار البنية التحتية للمراكز التي كانت تشكّل فضاءات لتجمّع الأطفال. الكثير من المباني القديمة التي احتضنت أنشطة النوادي لعقود، باتت متهالكة وغير صالحة للاستخدام، دون أن تحظى بأي إصلاحات أو رعاية من الجهات المعنية. سمر، وهي أم لابنة تبلغ من العمر 9 سنوات، تضطر لترك طفلتها في المنزل بمفردها خلال الصيف لأنها لا تستطيع تحمّل تكاليف النادي الوحيد القريب من منزلها. “أخاف عليها من الوحدة أو من أن تتعرض لمكروه. لكنها تبقى في المنزل لأن لا خيار آخر لدينا”، تقول سمر بمرارة.

في بعض الأحياء الشعبية، تحاول بعض الجمعيات الأهلية ملء الفراغ من خلال تنظيم أنشطة تطوعية، لكنها جهود تبقى محدودة وعاجزة عن استيعاب العدد الكبير من الأطفال. أحمد، متطوع في إحدى هذه الجمعيات، يقول إنهم يستخدمون إحدى قاعات المسجد لتنظيم ورش رسم وألعاب تعليمية، لكن الإمكانيات شديدة التواضع. “حتى الورق والألوان لا تتوفر لدينا. لا يمكننا أن ننافس الشارع أو الأجهزة الإلكترونية بما لدينا”، يوضح أحمد، مشيراً إلى أن أغلب الأطفال في الحي يمضون وقتهم في الشارع لأنهم لا يجدون ما يشغلهم.

ولا تقف آثار هذه الأزمة عند حدود العطلة الصيفية، بل تمتد إلى تأثيرات نفسية وسلوكية خطيرة على الأطفال. فالعزلة والملل قد يتحولان إلى بوابة للتسرب إلى الشوارع، أو الانخراط في سلوكيات ضارة. بعض النوادي الخاصة، ورغم قدرتها على الاستمرار، لا تقدم برامج متوازنة أو تراعي الجوانب الثقافية والفنية، بل تركز على دروس مكثفة تشبه استمراراً للعام الدراسي. كثير من العائلات تجد نفسها مجبرة على دفع مبالغ مرتفعة في مقابل أنشطة لا تنسجم مع احتياجات الطفل في هذه المرحلة.

المؤلم في المشهد أن حماة، المدينة الغنية بحدائقها ونهر العاصي وتراثها العريق، تملك كل المقومات اللازمة لتحويل الصيف إلى موسم للتنمية الطفولية. النهر وحده يمكن أن يكون قاعدة للأنشطة الرياضية والمائية، والبيوت الأثرية تصلح لورش التراث والحرف اليدوية. لكن كل هذه الإمكانات تبقى معطّلة في ظل غياب التخطيط والدعم الجدي من الجهات الرسمية.

الحلول موجودة لكنها بحاجة إلى إرادة. يمكن للبلديات بالتعاون مع المنظمات المحلية أن توفر فضاءات آمنة ومجانية أو رمزية التكلفة للأطفال. كما يمكن استثمار الساحات المدرسية والمرافق العامة خلال العطلة الصيفية بدلاً من تركها مغلقة. لكن الأهم من ذلك هو أن يُنظر إلى النوادي الصيفية باعتبارها جزءاً من عملية بناء الإنسان، وليست ترفاً أو خدمة هامشية. ما لم يُنظر إلى الطفل بوصفه أولوية في خطط التنمية، ستبقى العطلات الصيفية في حماة مواسم ضياع وفرص مهدورة، يدفع ثمنها أطفال يزدادون عزلة وفراغاً عاماً بعد آخر.

- Advertisement -

- Advertisement -