تقرير/ جمانة الخالد
حصدت مخلفات الحرب أرواح المدنيين في سوريا على الرغم من توقف الأعمال القتالية في البلاد، حوالي مئتي مدنياً على الأقل، بينهم أطفال قتلوا منذ سقوط النظام في سوريا في 8 ديسمبر 2024 من جراء الألغام أو الذخائر غير المنفجرة.
تنتشر مخلفات الحرب على مساحات واسعة من الأراضي الزراعية ما يجعل الاستفادة منها في الوقت الحالي أمراً مستحيلاً ويحرم آلاف المزارعين من باب رزقهم.
فبعد سنوات من حرمانهم الاستثمار في أرضيهم بسبب المعارك ثم سيطرة النظام البائد عليها، تمكن مزارعو سهل الغاب بريف حماة من العودة إلى حقولهم والبدء بزراعة الموسم الصيفي من بندورة وخيار وباذنجان، في عودة موسعة لمزارعي المناطق التي كانت على حدود التماس أو التي احتلها النظام البائد خلال السنوات الماضية.
وعاد المزارعون إلى المنطقة الواقعة بالقرب من معسكر جورين في ريف حماة بعد سقوط النظام الذي أدى إلى إسكات مدفعية المعسكر عن استهدافهم إلى الأبد، فقد كان المزارعون لا يستطيعون الوصول إلى أراضيهم بسبب القصف المستمر، بينما اختلف الوضع اليوم وبات بالإمكان حراثة وزراعة الأرض خاصة مع توفر المياه في المنطقة.
ومن المرجح في ظل استعادة الفلاحين لأراضيهم أن يشهد القطاع الزراعي نشاطاً كبيراً قد لا يبدو مؤكداً هذا العام بسبب الجفاف، لكنه يجعل الخبراء الزراعيين متفائلين بالنسبة للمستقبل القريب.
وفي ظل حالة الجفاف القاسية التي تمر على البلاد ولم تتكرر منذ 40 سنة، تبرز الحاجة الملحة إلى التغلب على تحدي الري، مع وجود مشاريع ري معطلة في المنطقة يزيد الأمر سوءاً.
ومن التحديات الأخف، تبرز مسألة اللوجستيات الزراعية التي يمكن للمزارعين أنفسهم أن يتكفلوا بها، إذ يمكن لكل مزارع تجهيز المحراث والحصادة وسائر أدوات الفلاحة من دون الاعتماد حاليا على أي جهة داعمة، ريثما يتم تنشيط هذا القطاع وإحياء المساحات الزراعية الواسعة، أو بالاستناد إلى بعض المشاريع التي يمكن أن تطرحها المنظمات أو الحكومة والتي تتمثل بتقديم أقساط لتمويل المزارعين، على غرار مشاريع كانت يعمل بها سابقاً في المناطق الشمالية من سوريا.
وتقف ظروف الجفاف الحالية تقف عائقاً أمام حدوث الوفر الاقتصادي في قطاع الزراعة نظراً للمساحات الشاسعة الصالحة للزراعة، إذ تسهم مناطق الشمال الغربي في نسبة تتجاوز الـ 30% من مجمل الإنتاج الزراعي للبلاد، في حين كانت ظروف المناخ مختلفة وتم تمويل مشاريع الري والحبوب.
ومن المستبعد أن يحقق الموسم الزراعي الحالي فروقات كبيرة على مستوى مجمل الإنتاج، خاصة في ظل وجود مخاطر تطول بعض المساحات الزراعية المزروعة بالألغام والذخائر غير المتفجرة، والتي تتطلب وعياً مجتمعياً وحكومياً لتلافي انعكاساتها السلبية سواء على حياة المزارع أو على إخراج مساحات زراعية من الخدمة.
وتوضح دراسة صادرة عن مركز جسور للدراسات في عام 2024 اختلاف المساحات المزروعة بالمحاصيل الزراعية والصناعية منذ عام 2010 وصولاً إلى عام 2021، فعلى سبيل المثال كانت المساحة المزروعة للقمح عام 2010 تُقدَّر بـ 1599 ألف هكتار، ثم انخفضت عام 2021 بشكل بسيط إلى 1567.3 ألف هكتار (−2%)، وعام 2023 كانت المساحة المخطط زراعتها هي 1493 ألف هكتار (−6.6%) وما تم تنفيذه في مناطق النظام هو 536 ألف هكتار أي الثلث تقريباً مقارنةً بالمساحة المخطط زراعتها في عموم البلاد.
وكانت المساحة المزروعة للقطن عام 2010 تُقدَّر بـ 172 ألف هكتار، ثم انخفضت بشكل ملحوظ عام 2021 إلى 29.3 ألف هكتار (−83%)، وفي الموسم الزراعي 2023-2024 من المخطط زراعة 0.5 ألف هكتار فقط (−99.7%).
وبحسب الدراسة، فإن أبرز المحاصيل الزراعية التي تضررت بوضوح هي القمح والشمندر السكري والشعير بنسب مختلفة في المساحة المزروعة والمخطط لزراعتها والكميات المنتَجة، بينما يلاحَظ زيادة المساحة المزروعة بالأشجار المثمرة مثل الزيتون والفستق الحلبي بالتوازي مع انخفاض إنتاجها.
وتعزو الدراسة هذا التضرر إلى أسباب مختلفة مثل الاشتباكات وعمليات القصف التي أدت إلى تراجع الاهتمام بالأراضي وحرقها أحيانا وقتل المزارعين وهجرة آخرين عن أراضيهم، فضلا عن تراجع الدعم الحكومي عن الكثير من المحاصيل والاهتمام بأخرى، ما عكس التفاوت في الإنتاج، إضافة إلى تأثير المناخ والكوارث على المواسم الزراعية بشكل يختلف عن الفترة ما قبل عام 2010.