لكل السوريين

صناعة ” المكدوس ” من أهم طقوس المونة لدى نساء حلب

حلب/ خالد الحسين

يتربع “المكدوس” على عرش المونة لدى الأسر السورية، لكن حركة الإقبال على شراء مستلزماته كانت أقل خلال الفترة القليلة الماضية، مع ارتفاع تكاليف تحضيره عدة أضعاف عما كانت عليه قبل سنوات.

أم مهند من سكان مدينة حلب تفضّل مع عائلتها المكدوس بشكلٍ كبيرٍ ولا سيما على الفطور، لكن وضعهم المادي السيء يعيق تحمّل تكاليف مستلزماته، لذلك عمدت إلى إدخال بعض التعديلات على الحشوة، كي تستطيع تحضير كمية كافية للمونة وبسعرٍ منخفض.

تقول أم مهند : “اشتريت باذنجان متوسط الجودة (باذنجان حمصي) سعر الكيلو ٤٥٠٠ بدلاً ٦٠٠٠ ليرة، إضافةً لتخفيض كمية الجوز، بحيث وضعت نصف كيلو جوز متوسط الجودة لكل عشر كيلو باذنجان بسعر ٤٠٠٠٠ ليرة سورية، أو وضع كيلو فتسق عبيد بدل الجوز بـ (٢٨٠٠٠ ليرة للكيلو)، إضافةً لــ 2 كيلو دبس فليفلة (٧٠٠٠ ليرة)، ورأس ثوم (١٠٠٠ ليرة) وملح (٢٠٠ ليرة)، كما قمت باستبدال زيت الزيتون بزيت نباتي خفيف (سعر الليتر ١٤٠٠٠ليرة سورية)، بحيث أضع ليتر واحد لكل عشرة كيلو”.

تضيف أم مهند قائلةً: “اعتماد تلك المكونات السابقة كفيلة للحصول على مكدوس بسعر مناسب، بحيث تبلغ تكلفة تحضير عشرة كيلو حوالي ١٠٠ ألف ليرة سورية، وهذه التكلفة تناسب أصحاب الدخل المتوسط والمحدود، لذلك يسمى مكدوس الدراويش، ومن خلال هذه الطريقة يمكن تحضير خمسين كيلو مكدوس بحوالي ٥٠٠ ألف ليرة سورية، والتي تكفي كامل مونة الشتاء”، مشيرةً الى أنه “يمكن الحصول على مكدوس الدراويش بنكهة مقبولة، في حال وضع نصف كيلو جوز لكل عشرة كيلو باذنجان، بدلاً من كيلو فستق عبيد، وخلط القليل من زيت الزيتون مع الزيت النباتي”.

“بأية حالٍ عدت يا مكدوس” بعبارةٍ ممزوجةٍ بين السخرية والحزن من الواقع، تصف سهى الحمد من سكان حلب، كيف استقبل السوريون شهر المونة، والذي يكون فيه المكدوس دائماً على رأس القائمة، لكن ظروفاً كثيرة هذا العام عكّرت بهجة وطقوس تحضيره، فقررت بعض الأسر العزوف عن تحضير المكدوس، أو إجراء تغييرات على مكوناته، ليتسنّى لهم ادخاله في مونتهم في ظل إمكانياتهم المتواضعة، بينما استمر آخرون في تحضيره بالطريقة المعتادة.

اعتاد السوريون كل عام بين شهري آب وأيلول على تحضير المكدوس، الذي يعتبر من الأكلات الشعبية المفضّلة لديهم، وتكاد لا تخلو مائدة فطورٍ منه، لكن موسم المونة هذا العام حلّ ثقيلاً على ميزانية المواطن.

تزامن إعداد المونة مروراً بموسم المدارس وشراء اللوازم المدرسية التي تقصم أسعارها الظهر، وليس انتهاءً بفاتورة المحروقات المقبلة التي يجب تجهيز مخصصاتها المادية سلفاً، ومازاد الطين بلّة، الانهيار الكبير في قيمة الليرة السورية والتي انعكست سلباً بطبيعة الحال على واقع الأسعار.

ومع حساب التكلفة وفق المكونات المتوفرة، نجد أن تكلفة كيلو المكدوس الأصلي ١٨٠٠٠ ليرة، ومع افتراض أن كيلو الباذنجان يحتوي ١٣ حبة، فبالتالي تكلفة قطعة المكدوس الواحدة ١٤٠٠ ليرة، أما “مكدوس الدراويش” فإن سعر الكيلو منه ١٠٠٠٠ ليرة، وبالتالي تكلّف القطعة الواحدة ٧٥٠ ليرة.

وتعتبر تكاليف المكدوس أكثر مقارنةً بالعام الماضي، حيث كان يبلغ تكلفة الكيلو الأصلي ١٠٠٠٠ ليرة، ومكدوس الدراويش ٦٥٠٠ ليرة، ويرى الباحث الاقتصادي منتظر الحاج، أن “الارتفاع هذا العام في تكاليف تحضير المكدوس، يعود بالدرجة الأولى إلى تراجع قيمة الليرة السورية إلى ١٤٠٠٠ أمام الدولار، إضافةً إلى ارتفاع أجور نقل مستلزمات المكدوس من باذنجان وفليفلة وزيت زيتون”.

ويعتبر شهر أيلول شهر المتاعب للسوريين، ففي هذا الشهر عليهم تأمين المونة وعلى رأسها المكدوس، إضافةً إلى البامية والفاصولياء وغيرها من الخضروات الصيفية التي يتم تموينها للشتاء، وبنفس الوقت هناك المستلزمات المدرسية وتكاليف شراء مواد التدفئة لفصل الشتاء.

في المقابل لجأت بعض النساء إلى الاستفادة من موسم المكدوس، وبات فرصة عمل لهن لتأمين مصدر دخل، خاصةً لمن لا يملكن معيل، مرام من ريف مدينة حلب وتسكن المدينة، استفادت من خبرتها في عمل المكدوس واتفقت مع أحد أصحاب المحلات لتحضير المكدوس مقابل أجر مادي.

وأضافت مرام “صناعة المونة هي مصدر دخل مناسب، ولاسيما أني معيلة لأربعة أطفال بعد وفاة زوجي بحادث سير، ومع بدء موسم المكدوس اتفقت مع صاحب المحل على الكميات المطلوبة وأجرتها والوقت المحدد للتسليم، ومن ثم استلمت منه كل مستلزماتها، وهنا أبدأ العمل بمساعدة بناتي الصغار اللواتي تعلّمن المهنة مني، وأتقاضى ٤٠٠٠ ليرة على كل كيلو مكدوس، وكل ما زادت الكمية زادت أجرتي، وتابعت قائلةً: “خبرتي في العمل، شجعت أًصحاب محلات أخرى للتعاقد معي على صنع كميات أكبر من المكدوس”.

ويعتبر المكدوس غذاء متكاملاً، نظراً للفوائد الصحية التي تحويها مكوناته: (الثوم، الجوز، الفستق، زيت الزيتون، الفليفلة، والباذنجان)، حيث تمد تلك المكونات جسم الإنسان بكل أنواع الطاقة، وتساهم في الوقاية من السرطان والأمراض القلبية، وتخفض ضغط الدم المرتفع، وتعزز عمل الجهاز المناعي، وتمنع امتصاص الكوليسترول السيء الضار بالشرايين، وتقلّل الشعور بالجوع، وتكافح شيخوخة البشرة.