لكل السوريين

الانتخابات التشريعية الفلسطينية.. تأكيد على الثوابت الوطنية.. واختبار إرادات

في ظل الظروف المعقدة السائدة على الساحة الفلسطينية، تستمر الجهود لإجراء الانتخابات التشريعية في موعدها على أمل أن تعيد اللحمة للشعب الفلسطيني، وتمكنه من الصمود في وجه الضغوط المفروضة عليه لتمرير “صفقة القرن”، في حين يقلل المشككون فيها من أهمية هذه الانتخابات، ويطرحون مجموعة من التساؤلات حول إمكانية توفير حرية الترشيح والاقتراع، وممارسة الحملات الانتخابية دون ملاحقات أو مضايقات من أي جهة، ومن إمكانية الوصول إلى انتخابات حقيقية للمجلس الوطني الفلسطيني لإعادة تشكيل اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير.

ويسود اعتقاد بعدم وجود ضمانات لإجراء الانتخابات، والاعتراف بنتائجها إذا تمت، من قبل جميع الأطراف الفلسطينية المتنازعة، وخاصة بين غزة والضفة الغربية.

بينما يرى المتحمسون لها أن مجرد إجراء الانتخابات في موعدها يعتبر إنجازاً وطنياً لكونها استحقاقاً طال انتظاره، ويعتبرها بعضهم فرصة مهمة لإعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني على أسس من الشرعية والديمقراطية والاستقرار، وللمساهمة في إنهاء الانقسام، والانتقال إلى مرحلة جديدة من الشراكة الوطنية لمواجهة التحديات التي تتمثل في إعادة توحيد المؤسسات الوطنية، وإعادة توحيد الوطن، والقضية الفلسطينية.

ويرى معظم المراقبين أن هذه الانتخابات خطوة مرتبكة وغير مضمونة في ظل غياب حكومة فلسطينية واحدة تنظّمها وتشرف عليها، ويتوقعون، في حال إنجازها، أن تكون نتائجها هزيلة ومعرضة للانهيار بفعل أي ضغط أو قرار داخلي أو خارجي.

مركزية القدس في الانتخابات

تربط السلطة الفلسطينية بين إجراء الانتخابات في موعدها، وبين موافقة إسرائيل على إجرائها في القدس، باعتبار أن ذلك حق لا يمكن التنازل عنه.

وقبل وقت قصير من موعد إجراء الانتخابات، بدأت السلطة حملة سياسية واتصالات دبلوماسية عالمية في محاولة للضغط على تل أبيب لكي تسمح بإجرائها في القدس، في ظل اتهامات موجهة للسلطة حول استخدامها لقضية القدس “ذريعة لإلغاء الانتخابات”.

حيث تصاعدت خلال الأيام الماضية، الجهود واللقاءات والتصريحات من قبل السلطة الفلسطينية، وبعض الفصائل الوطنية الأخرى، للمطالبة بإجراء الانتخابات في القدس باعتباره حقاً سيادياً للفلسطينيين، وتأكيداً على أن القدس عاصمة لدولة فلسطين، ولا يحق لأحد أن يتنازل عن هذا الحق، وأن إجراء الانتخابات من دونها يعتبر “تنازلاً عنها واعترافاً بضم إسرائيل لها بوصفها عاصمة موحدة لها”.

القدس ليست ذريعة

قالت لجنة الانتخابات المركزية الفلسطينية إنها ترفض إجراء الانتخابات من دون القدس،

وأكد عضو في اللجنة المركزية لحركة فتح أن “القدس ليست ذريعة كما يقول البعض”.

واعتبر عضو في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير أن مشاركة الفلسطينيين في القدس بعملية الانتخابات “ليست عملية فنية لكنها سياسية، وترمز إلى عدم تنازل القيادة الفلسطينية عنها والاعتراف بها عاصمة لإسرائيل”.

وقال إن تأجيل الانتخابات يعتبر “خياراً واقعياً” في ظل المعطيات التي تشير إلى أن إسرائيل لن تعطي موافقة على إجرائها في القدس بسبب الأزمة السياسية الإسرائيلية، وعدم ظهور أطراف الأزمة بصورة المتنازل عن القدس”.

وبدورها، حذّرت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين من “محاولات بعض القوى جعل قضية رفض إسرائيل مشاركة المقدسيين في الانتخابات شماعة لإلغاء الانتخابات”، وأكدت على ضرورة إجراء الانتخابات في القدس “من دون انتظار الإذن من إسرائيل”.

بيمنا انضمت حركة “حماس” إلى الأصوات الرافضة لربط إجراء الانتخابات بموافقة إسرائيل، مؤكدة على لسان عضو مكتبها السياسي أن الحركة ضد “تأجيل الانتخابات والتذرع بعدم إجرائها في القدس”.

لا انتخابات من دون القدس

نظم فلسطينيون من القدس وقفة أمام المجلس التشريعي في رام الله للتأكيد على أن الانتخابات دون القدس تعد تنازلا عن الثوابت الوطنية، وخروجاً عن الصف الوطني الجامع للقضية الفلسطينية.

وأكد الناطق باسم فتح، أن الحركة مصممة على إجراء الانتخابات في القدس، واعتبر أن إجراء الانتخابات دون القدس تنازل عن الثوابت وتطبيق لصفقة القرن.

وفي حين أكد عضو باللجنة المركزية للحركة تمسكها بإجراء الانتخابات، ولكنه أكد أيضاً أن ذلك لن يكون بأي ثمن، وأضاف أن “موضوع القدس رقم واحد في الانتخابات، ولن نبيع القدس من أجل الانتخابات”.

وشدد على أنه “لا انتخابات من دون القدس، ولن نسمح إطلاقاً بإجراء الانتخابات دون القدس، لأن ذلك يمثل تسليماً بصفقة القرن، وبأن القدس عاصمة لإسرائيل”.

وسارعت فصائل فلسطينية إلى دعم موقف حركة فتح الرافض لإجراء الانتخابات إذا لم تسمح بها إسرائيل في القدس، فيما بدا اصطفافاً ضد موقف حركة حماس التي ترفض تأجيل الانتخابات بذريعة القدس.

وقال الأمين العام لجبهة التحرير الفلسطينية إن إجراء الانتخابات في القدس ترشحاً وانتخاباً يحظى بأهمية خاصة، في ظل محاولات الاحتلال تغييبها لتنفيذ مخطط صفقة القرن.

وأكد أن أي تصريحات تشير إلى احتمالية استثناء القدس من الانتخابات، لا يمكن القبول بها.

كما أكد أمين سر “هيئة العمل الوطني” في قطاع غزة، أن الانتخابات التشريعية “لن تجرى من دون مشاركة المواطنين في القدس المحتلة ترشيحاً وانتخاباً، لأن الإجماع الوطني يعدّ المدينة وحدة جغرافية مع كل الأراضي الفلسطينية”.

وعبر “حزب الشعب” عن استغرابه من التلميحات حول إجراء الانتخابات من دون القدس. وقال على لسان عضو في مكتبه السياسي إن “هذه المسألة غير قابلة للمساومة، ولا يجوز إخراج المدينة من العملية الانتخابية تحت أي حجة”.

وجاءت هذه التصريحات بعد يوم واحد من تصريح لقيادي في حركة حماس، قال فيه إن حركته “ضد تأجيل الانتخابات، والتذرّع بعدم إجرائها في القدس”.

حماس متفائلة

أبدى متحدث باسم حركة حماس، تفاؤله بإجراء الانتخابات في موعدها، ونفى وجود أي معيقات “تحول دون عقد الانتخابات أو تؤدي إلى تأجيلها”.

وأكد أن الحركة معنيّة بـ “إتمام الانتخابات، وستذلل العقبات وتقفز عنها لإنجاح هذا المسار”.

وتابع: “كل ما من شأنه تأجيل الانتخابات سنتغلب عليه سواء فيما يتعلق بملف كورونا أو الانتخابات في مدينة القدس المُحتلّة”، مجدداً تأكيد حركته على تمسّكها بإجراء الانتخابات في مدينة القدس.

وأشار إلى وجود جهود “للضغط على الاحتلال لمنع تدخله في مسار العملية الانتخابية، أو منع إجرائها في القدس”.

ويرى المراقبون أن إصرار حركة حماس على إجراء الانتخابات في موعدها، والتفاؤل الذي تبديه حولها، ناجم عن توقعاتها بأن تكون هذه الانتخابات مريحة بالنسبة لها، قياسا مع منافسيها في ظل قوتها التنظيمية، وصعوبة خروج قوائم أو شخصيات منها خارج إطارها التنظيمي.

بيمنا يتوقع متابعون للشأن الفلسطيني أنه لن يكون من السهل على الحركة أن تحصل على أصوات الناخبين من خارج دائرتها الحزبية، في ظل عدم قدرتها على تحسين ظروفهم المعيشية والاقتصادية.

التأجيل غير وارد

يرى سياسيون فلسطينيون، أن إجراء الانتخابات التشريعية بموعدها المقرر بات شبه مؤكد، رغم الضغوط الإسرائيلية والإقليمية التي تسعى إلى إلغائها أو تأجيلها.

ويعتبر بعضهم أن الانتخابات “مطلب إقليمي، واستحقاق دستوري، وشرط أساسي للدخول في أي عملية تسوية”.

كما هو شرط يمكّن الفلسطينيين من مجاراة المتغيرات المتسارعة، والسياسات والتوجهات الجديدة في المنطقة “بعد ترتيب بيتهم الداخلي”.

وذكرت تقارير صحفية “أن الفلسطينيين وصلوا إلى مرحلة لا يمكن فيها التراجع على الإطلاق عن إجراء الانتخابات”.

واستبعدت التقارير الواردة من المناطق الفلسطينية وجود عوامل جديدة تدفع باتجاه تأجيل إجراء الانتخابات في موعدها.

وأشارت هذه التقارير إلى أن صدور المراسيم الخاصة بالانتخابات، كان قائماً على تفاهمات محسوبة، فيما يتعلق بالموقف الإقليمي أو الدولي.

وفيما يتعلق بالموقف الإسرائيلي أكدت التقارير أن إسرائيل تدخّلت منذ إصدار مراسيم الانتخابات، ووجّهت تهديدات للمرشحين وللسلطة، لكن تل أبيب تعيش الآن أزمة سياسية قد تضعف من موقفها الرافض للانتخابات.

ويراهن المراقبون على أن الانقسامات الداخلية في حركة فتح، لن تصل إلى حد تأجيل الانتخابات خوفا من الخسارة فيها.

اختبار إرادات

تأتي مواقف الفصائل الوطنية الرافضة لإجراء الانتخابات بدون القدس انطلاقاً من الثوابت الوطنية الفلسطينية التي تعتبر مدينة القدس جزءاً من الأراضي الفلسطينية، وتعتبر هذه الفصائل أن التهاون في هذا الأمر يعني انصياع الفلسطينيين لإرادة الاحتلال بتهويد المدنية، وهو الأمر الذي تسعى إسرائيل إلى تأكيده وتحويله إلى أمر واقع، وتسعى من خلال محاولة تعطيل الانتخابات إلى اختبار الإرادة الفلسطينية حول إمكانية الرضوخ لهذا الأمر.

بينما يبعث شعار “لا انتخابات بدون القدس” رساله حازمة لسلطات الاحتلال، مفادها أن الشعب الفلسطيني يرفض بإصرار التنازل عن القدس تحت أي مسمى، وفي أي ظرف.

كما أن الموقف الفلسطيني الثابت حول هذه القضية، يعتبر رسالة فلسطينية إلى العالم لتأكيد أهمية القدس في الهوية الفلسطينية النضالية باعتبارها عاصمة للدولة الفلسطينية.

ولدفعه إلى ضرورة القيام بمسؤولياته القانونية والسياسية والأخلاقية من خلال الضغط على حكومة الاحتلال للسماح للفلسطينيين بإجراء الانتخابات في مدينيه القدس المحتلة.

ولاختبار الإرادة الدولية، حول إمكانية القيام بذلك عملياً، وعدم الاكتفاء بالخطابات وبيانات التنديد فقط.

ميثاق الشرف

توقع كثير من المراقبين أن يساهم “ميثاق الشرف” الذي وقعته الفصائل الفلسطينية المختلفة في القاهرة، في إنجاز الانتخابات الفلسطينية وإنجاحها، والالتزام بمحدداتها ونتائجها.

واعتبر بعضهم الميثاق خطوة مهمة من أجل إجراء انتخابات تؤكد تمسك الشعب الفلسطيني وقيادته بالخيار الديمقراطي لاختيار ممثليه في مؤسساته الوطنية، واستعادة دور المواطنين في انتخاب ممثليهم، لتكريس دور المؤسسة المنتخبة كبديل عن القرارات الفردية، والعمل على إنهاء كل اشكال الانقسام ما بين قطاع غزة والضفة الغربية.

بينما حذر أخرون من أن يكرس هذا الميثاق الانقسامات الداخلية بسبب غياب الأسس الحقيقية لتنفيذه في ظل الانقسام العميق بين فتح وحماس، وسعي كل منهما للتفاوض على تقاسم الوطن فيما بينهم، مع استمرار انقسامهم.

وفي حالة كهذه، يصعب تصور إمكانية اجراء انتخابات نزيهة في ظل نظامين منقسمين ومنفصلين، ولا يلتزم كل منهما غالباً بما يوقّع عليه.

الاتحاد الأوروبي يدعم

أكد مسؤول الإعلام لدى الاتحاد الأوروبي في القدس، أن الاتحاد “يدعم إجراء الانتخابات في كل الأراضي الفلسطينية بما فيها القدس “لإنجاز انتخابات نزيهة وشفافة وديمقراطية”.

وطالب إسرائيل بعدم عرقلة الانتخابات.

وأكد أن الاتحاد الأوروبي يرى أن “الاتفاقات الموقعة بين الإسرائيليين والفلسطينيين، تنص على إجراء الانتخابات في القدس الشرقية”، وأنه يدعم إجراءها وتمكين المجتمع الدولي من الرقابة الجادة عليها لضمان نزاهتها.

وأشار المسؤول الإعلامي إلى عدم وجود رد إسرائيلي بالسماح للبعثة الأوروبية بالدخول إلى فلسطين للرقابة على الانتخابات التشريعية المقبلة.

يشار إلى أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس أصدر عام 2007، قراراً بشأن الانتخابات العامة، وحل القرار محل قانون الانتخابات الصادر عام 2005، وتبنى هذا القرار نظام الجولتين لانتخاب الرئيس الفلسطيني، بينما كان القانون السابق يعتمد نظام الاكثرية في انتخاب رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية.

ويعتمد نظام الجولتين على أساس اشتراط حصول المرشح الفائز على أغلبية الأصوات، وإذا لم يحصل أي مرشح على الأغلبية المطلقة، يتم اللجوء إلى جولة ثانية بين المرشحين الحاصلين على أعلى الأصوات، ويفوز المرشح الحاصل على أغلبية أصوات الجولة الثانية.