لكل السوريين

تصريف العملات في دمشق.. أسعار وهمية وفوضى في الأسواق

دمشق/ مرجانة إسماعيل

يحتار السوريون اليوم في استيعاب هذه المعادلة الاقتصادية الغريبة، التي تجعل قيمة الليرة ترتفع، بينما يشحّ تواجدها بين العملاء والمستهلكين، وفي المقابل تضعف القدرة الشرائية عند المواطن، بسبب عدم هبوط الأسعار انسجاماً مع ارتفاع قيمة الليرة.

انتشرت مؤخراً ظاهرة جديدة في سوريا، من شأنها أن تعزز من عمليات المضاربة بالنقد الأجنبي، وتطيح بأي محاولات لترسيخ الاستقرار في سوق الصرف والقطاع المالي السوري، حيث ازدادت حالات تحويل الدولار إلى حسابات مصرفية شخصية، يعرض أصحابها سعراً أعلى كثيراً من السعر الرسمي، لينافس بذلك المعروض في السوق السوداء.

ويستغل البعض هذه التحويلات في التخلص من رصيدها بالعملة المحلية وتحويلها إلى دولار، من خلال الإعلان عنها عبر صفحات ومجموعات على فيسبوك وغيره من مواقع التواصل الاجتماعي أو عبر معارفهم، حتى يتمكنوا من تصريف الدولار مقابل حوالة بنكية بأسعار مغرية تتصاعد كلما زادت قيمة الحوالة.

بالنسبة لقيمة الحوالة فإن أقل كمية يُقبل بشرائها هي 1000 دولار، وتختلف الأسعار بحسب الكميات المبيعة، فيحسب الدولار بـ 15000 ليرة إذا كانت الكمية تتراوح ما بين 1000-2500 دولار، و15200 ليرة إذا كانت الكمية 3000-6000 دولار، و15500 ليرة إن كانت الكمية 6500-9500 دولار. أما إذا كانت الكمية تفوق الـ 10000 دولار، فإن السعر هو 15800 ليرة.

ويشترط في الشخص الذي سيبيع دولارات أن يكون لديه حساب بنكي، ويكون تسليم الدولار باليد مقابل أن يقوم هو بالتحويل إلى حسابه البنكي بالليرة السورية، ليسحب هو أمواله يومياً من طريق الصرّافات التابعة للمصرف المتعامل معه وفق الكمية المسموح بها، وهناك إقبالًا كبيرًا من قبل المواطنين على ذلك، نظراً لكون سعر الصرف في السوق الرسمية يبلغ نحو 12 ألف ليرة للدولار الواحد، وهو ما يقترب من السوق السوداء.

وأرجع خبراء الاقتصاد هذه الحالة التي وصفت بغير السوية إلى عدة أسباب، تتعلق بأخطاء السياسات الحكومية.

ويعود انتشار هذه الظاهرة بكثرة إلى تقييد السحب البنكي، إضافة إلى وجود أشخاص لديهم أموال بمليارات الليرات في منصة تمويل المستوردات، ما أدى إلى البحث عن وسائل لتسييل هذه الأموال أو تكييفها وتحويلها إلى كاش بالمعنى السوقي، إذ يحتاج الكثير من هؤلاء الأفراد إلى سيولة للاستمرار في أعمالهم، أو لدفع مستلزمات حياتهم اليومية، حتى وإن خسروا جزءاً من قيمة أموالهم.

من المستبعد أن يكون لبيع الحسابات البنكية بأسعار مختلفة ضررًا مباشرًا على الاقتصاد الوطني، بينما تعكس هذه الظاهرة خللاً في الكتلة النقدية الموجودة، وقد يتعرض الفرد للاستغلال نتيجة احتياجه للسيولة، من خلال القبول بأسعار مرتفعة.

وعلى سبيل المثال وصل سعر صرف الدولار في حلب من طريق التحويلات البنكية إلى 18 ألف ليرة للدولار، أي إن الفرد يخسر حوالى 50 بالمئة من قيمة أمواله، ويبقى هذا الأمر مرهوناً بمدى قدرة “مصرف سوريا المركزي” على التدخل وإنعاش السوق الاقتصادية وضخ الكتلة النقدية في السوق، وفتح السحوبات المصرفية لجميع المتعاملين، وإلا فسينعكس هذا الأمر على سعر الصرف الحقيقي في السوق إن استمر بشكل كبير.

كما أن لهذه الظاهرة عدة تأثيرات سلبية في الاقتصاد الوطني، خصوصاً إذا كانت هذه العمليات تحصل عبر حوالات مصرفية مشبوهة، فقد تُسحب الدولارات من النظام المصرفي الرسمي لصالح جهات غير خاضعة للرقابة.

فيما يتمثل الأثر الآخر بتشويه سوق الصرف، لكون هذه الممارسات تزيد من عدم الاستقرار في سوق الصرف وتوسع الفجوة بين السعر الرسمي والسوق الموازي، إضافة إلى أن هذه العمليات من الممكن أن تستخدم من قبل جهات غير مشروعة لتبييض الأموال أو تمويل أنشطة غير قانونية، فعندما يلجأ المواطنون إلى قنوات غير رسمية، يفقدون الثقة بالمصارف الرسمية، ما يزيد الأزمة النقدية.

وقد تكون هناك جهات (متنفذون أو سماسرة) تستخدم هذه الآلية لامتصاص الدولارات من السوق وتكديسها خارج القنوات الرسمية، إذ تبرز مجموعات في ظل الأزمات الاقتصادية، تستفيد من الفوضى النقدية لتعزيز سيطرتها على سوق الصرف، مرجحًا حدوث عمليات نصب واحتيال على المواطنين من خلال هذه الممارسات.

لذا لا بد أن يقوم “المصرف المركزي” بتضييق الفجوة بين السعر الرسمي والسوق الموازي إلى أدنى حد ممكن، من خلال تعديل سعر الصرف الرسمي ليكون أقرب إلى الواقع، ما يقلل الحافز للجوء إلى السوق الموازي، ويترتب عليه أيضاً تسهيل سحب العملة، من خلال رفع سقوف السحب اليومي وتقليل الانتظار الطويل لسحب الأموال من الحسابات، وتعزيز الرقابة على الحوالات المصرفية، من طريق مراقبة التحويلات المشبوهة التي تحصل بكميات كبيرة وبأسعار غير معتادة.