حلب/ خالد الحسين
في قلب حي السليمانية بمدينة حلب، تقف كنيسة السريان الأرثوذكس “مار جرجس” شامخة بتاريخها العريق الممتد منذ تأسيسها عام 1931، لتكون رمزاً روحياً وثقافياً لطائفة السريان الأرثوذكس الذين شكلوا جزءاً أصيلاً من النسيج الحلبي المتنوع.
تتميز الكنيسة بطراز معماري سرياني فريد، يجمع بين البساطة والرهبة، مع قبة رئيسية مصنوعة من الحجارة الحلبيّة تعلوها صليب يرمز إلى الصمود والإيمان. كما تزين جدرانها أيقونات قديمة تجسد حياة السيد المسيح والقديسين، وعلى رأسهم مار جرجس، الذي يظهر في أيقونته وهو يمتطي حصانه ويصارع التنين، رمز الانتصار والخير.
تستضيف الكنيسة صلوات يومية وقداديس في المناسبات الدينية الكبرى، تقام باللغتين السريانية والعربية، وسط أجواء روحانية تعبق بالتراتيل السريانية القديمة التي تعيد الحضور إلى جذور المسيحية الأولى.
في تصريح خاص لـ “السوري”، أكد الأب جورج شاشان، أحد رجال الكنيسة، أن “مار جرجس ليست مجرد مكان للعبادة، بل بيت لكل سرياني ولكل من يبحث عن السكينة. نسعى لنقل هذا التراث إلى الأجيال الشابة والحفاظ على لغتنا وتراتيلنا التي ورثناها عن أجدادنا”. وأضاف أن الكنيسة تعرضت لأضرار جزئية خلال الحرب، لكن الإيمان لم يُمسّ، ويتم حالياً العمل على ترميمها لإعادة الحياة إلى المجتمع.
ولم تقتصر الكنيسة على الجانب الديني فقط، بل لعبت دوراً ثقافياً واجتماعياً من خلال تنظيم لقاءات شبابية، ودروس في اللغة السريانية، ومحاضرات دينية وفكرية، ما جعلها مركز إشعاع فكري وروحي في الحي.
وفي لقاء مع الشابة جوليا حداد من سكان حي السليمانية، عبرت عن شعورها بالطمأنينة لقرب منزلها من الكنيسة، قائلة: “نشعر بالراحة عندما نسمع صوت الأجراس، فهي جزء من تراثنا وحياتنا اليومية”.
رغم الأزمات والصراعات التي شهدتها مدينة حلب، تبقى كنيسة مار جرجس للسريان رمزاً للصمود والإيمان، ومكاناً يجمع القلوب على المحبة والتسامح، حاملةً في جدرانها ذاكرة جماعية حية لطائفة ساهمت في تشكيل وجه المدينة الحضاري، وستظل منارة مضيئة في تاريخ حلب وتراثها العريق.