لكل السوريين

ليبيا تنجز خطوة مهمة على طريق خلاصها.. وتركيا تضع العصي بالدواليب

تقرير/ محمد الصالح 

بعد محاولات كثيرة، وجهود مضنية، اختار ملتقى الحوار السياسي الليبي في جنيف، سلطة تنفيذية جديدة ومؤقتة فاز فيها كل من محمد المنفي رئيسا للمجلس الرئاسي، وعبد الحميد دبيبة رئيسا للوزراء، وعضوي المجلس موسى الكوني وعبد الله حسين اللافي.

وستتولى السلطة الجديدة إدارة شؤون البلاد بشكل مؤقت إلى أن تجرى انتخابات رئاسية وبرلمانية في شهر كانون الأول المقبل.

ومن المقرر أن تقوم بإطلاق عملية مصالحة وطنية على مبادئ العدالة، وتعزيز ثقافة التسامح، ودعم اتفاق وقف إطلاق النار بشكل كامل، وهو ما يتطلب إجراءات حازمة وخاصة فيما يتعلق بانسحاب جميع القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا.

وكان جميع المرشحين لرئاسة الحكومة قد تعهدوا خطيا بالالتزام بنتائج التصويت، وبخارطة الطريق المتفق عليها في تونس، ومراعاة تشكيل الحكومة وفق الكفاءة والجدارة والتنوع العادل للتمثيل السياسي والجغرافي، ومشاركة المكونات الثقافية والمرأة والشباب على ألا يقل تمثيل النساء عن 30% من المناصب القيادية بالحكومة.

وتميزت التشكيلة الجديدة بأنها تتألف من شخصيات تكنوقراط، ولم تساهم بشكل مباشر في أي حروب أو نزاعات أو صراع عسكري داخلي.

وكان كل المرشحين للسلطة التنفيذية الانتقالية في ليبيا قد فشلوا في الحصول على 70 % من الأصوات المطلوبة خلال المرحلة الأولى، لينتقل الاقتراع في جنيف إلى المرحلة الثانية، بنظام القوائم.

وفي الوقت الذي تشيد فيه الأمم المتحدة والأوساط الدولية بهذه النتائج, وتراها تقدماً مهماً في القضية الليبية، لا تزال الشكوك تنتاب الكثيرين داخل ليبيا وخارجها، بنجاح السلطة التنفيذية الجديدة في مهمتها بعد انهيار جهود دبلوماسية سابقة، ومع عدم الالتزام بالبنود الرئيسية لوقف إطلاق النار.

ويخشى مراقبون من أن الخاسرين في تلك العملية سيرفضونها، أو أن يرفض القادة الانتقاليون التخلي عن سلطتهم بمجرد تنصيبهم، أو أن تعمد القوى الأجنبية وخاصة التركية، إلى تخريب العملية سعياً خلف مصالحها.

ردود فعل داخلية

توالت ردود الفعل الداخلية على اختيار قيادة ليبية جديدة، وهنأ مسؤولون وسياسيون الشخصيات الفائزة برئاسة السلطة التنفيذية المؤقتة، وطالبوهم بالتركيز على مهمتهم المتمثلة بإرساء استقرار ليبيا، وتهيئة الظروف للاستحقاقات الانتخابية القادمة.

وجاء أول رد فعل من وزير الدفاع صلاح الدين النمروش، الذي أعلن دعم القيادة الليبية الجديدة لتوحيد المؤسسات بما يعزز قوتها لبلوغ الأهداف الوطنية في مرحلة بناء وتأسيس ليبيا الجديدة.

وبارك فايز السراج رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني نجاح ملتقى الحوار السياسي في الوصول إلى اختيار سلطة تنفيذية جديدة، ودعاهم إلى تحمل مسؤولياتهم في هذه الظروف الصعبة، متمنيا لهم النجاح في أعمالهم.

كما بارك رئيس حزب العدالة والبناء محمد صوان، وعضو المجلس الرئاسي للحكومة محمد عماري زايد تشكيل السلطة التنفيذية الجديدة.

ومن جانبه رحب المجلس الأعلى للدولة بنتائج انتخابات السلطة التنفيذية، وبنتائج حوار جنيف الخاص بإعادة تشكيل السلطة التنفيذية برعاية البعثة الأممية، ودعا السلطةَ الجديدة إلى تحمل مسؤولياتها، والتعلم من أخطاء من سبقها.

وأخرى خارجية

زعمت وزارة خارجية النظام التركي أنها ترحب باختيار حكومة ليبية مؤقتة جديدة، وتعتبره فرصة لإرساء الوحدة السياسية، وحماية سيادة ليبيا واستقلالها ووحدة أراضيها.

واعتبرت قطر أن انتخاب ممثلي السلطة التنفيذية المؤقتة يمثل علامة فارقة في مسيرة الشعب الليبي ونضاله وتضحياته من أجل الاستقرار والازدهار.

كما رحبت السعودية بنتائج التصويت، وأعربت عن أملها في أن يحافظ هذا الإنجاز على وحدة وسيادة ليبيا.

ورحبت وزارة الخارجية الإماراتية بتشكيل السلطة التنفيذية الليبية الجديدة، وأكدت تعاونها الكامل معها، وتمنت أن تحقق للشعب الليبي الأمن والاستقرار.

كما رحبت كل من وزارة الخارجية المصرية والكويتية والبحرينية والأردنية، بهذه الخطوة وأعربت عن أملها بنجاحها.

دعم ومراقبة

رحبت المبعوثة الأممية إلى ليبيا بالإنابة، ستيفاني وليامز، بنتائج عملية التصويت، وأشارت إلى أن المجتمع الدولي سيدعم نتائجها، وسيراقب أعمال من تم انتخابهم.

وأشارت إلى أنه على اللجنة التنفيذية الجديدة أن تواجه الظروف الاقتصادية الصعبة في ليبيا.

وأكدت على ضرورة أن تحقق الحكومة الليبية المقبلة العدالة الاجتماعية، وأن تلتزم بخارطة الطريق وإجراء الانتخابات في موعدها.

وقالت “إن التحديات لم تنته بعد حيث يتوجب على رئيس الوزراء المكلف تشكيل حكومته وتسليمها خلال 21 يوما، إلى مجلس النواب لمنحها الثقة، وفي حالة تعذر ذلك يتم تقديمها لملتقى الحوار الوطني”.

وأشارت إلى أن الحكومة الجديدة يجب أن تكون حكومة كفاءات، وأن تمثل كافة شرائح الشعب الليبي.

ومن جانب آخر دعت وليامز إلى ضرورة العمل على المسارات الخاصة بإجلاء القوات الأجنبية، والتغلب على التحديات الداخلية، واتخاذ إجراءات عاجلة للتمسك بموعد الانتخابات الوطنية في الرابع والعشرين من كانون الأول المقبل، وهو ما يقتضي من الحكومة الجديدة أن تقدم دعمها لمفوضية الانتخابات الوطنية، والمؤسسات المعنية لاستكمال الترتيبات الدستورية اللازمة وفق الجدول الزمني المحدد.

وأكدت على التزام الحكومة الليبية المقبلة باتفاق وقف إطلاق النار، وإخراج المرتزقة من البلاد.

مهام مجلس الرئاسة

سيعمل مجلس الرئاسة رئيسا مؤقتا للدولة مع سلطة الإشراف على الجيش وإعلان حالات الطوارئ واتخاذ قرارات الحرب والسلام بالتشاور مع البرلمان.

ويعد ميزانية موحدة ويشرف على خارطة طريق للانتخابات ويقرر هيكل وإدارة هيئات ومؤسسات الدولة، ويدير عملية المصالحة الوطنية.

وسيؤلف رئيس الوزراء حكومة جديدة ويقدمها للبرلمان لتنال ثقته.

وخضع المرشحون لمجلس الرئاسة ورئاسة الوزراء لاستجواب مباشر عبر التلفزيون قبل التصويت وتعهدوا بعدم الترشح في انتخابات كانون الأول إذا تم اختيارهم.

تركيا تضع العصي بالدواليب

رغم الدعوات العالمية المتكررة لإخراج المرتزقة من ليبيا، إلا أن تركيا لا تكترث بهذه الدعوات، ومازالت تواصل إرسال المسلحين إلى هذا البلد الذي يحاول الخروج من مستنقع الفوضى بمساعدة المخلصين له، والحريصين على استفلاله ووحدة أراضيه.

وتواصل عملية تجنيد المرتزقة في الشمال السوري لإرسالهم إلى ليبيا.

وبعد أيام على دعوة مجلس الأمن الدولي لإخراج آلاف المقاتلين والمرتزقة الأجانب من ليبيا، وتحديد مهلة 90 يوماً، لخروجهم منها بعد اتفاق طرفي الصراع الليبي أواخر شهر تشرين الأول الماضي.

وبعد انتهاء المهلة لا يوجد أي مؤشر على خروج مرتزقة تركيا من ليبيا، ولكن جرت عمليات تبديل تعود خلالها دفعات من المرتزقة مقابل مغادرة دفعات مقابلها.

وإثر اجتماع حاسم في بوزنيقة بالمغرب، خرج الفرقاء الليبيون بنتائج مهمة تتعلق بالعديد من القضايا المتعلقة بقضايا الدولة السيادية، وأهم بنودها رحيل القوات الأجنبية والمرتزقة عن ليبيا، لكنه لم يصدر أي إعلان عن رحيل القوات التركية عنها.

وفي مطلع شهر كانون الأول الماضي، كشفت مبعوثة الأمم المتحدة بالإنابة عن وجود عشرين ألف عنصر من القوات الأجنبية والمرتزقة في ليبيا، واعتبرت ذلك انتهاكا “مروعا” للسيادة الوطنية، وأشارت إلى وجود 10 قواعد عسكرية في ليبيا، تشغلها بشكل جزئي أو كلي قوات أجنبية ومرتزقة معظمها من تركيا.

وبالتزامن مع تصريحات ويليامز، مددت تركيا نشر جنودها وخبرائها ومرتزقتها في ليبيا لمدة 18 شهرا.

وأرسلت طائرات مسيرة ومدربين ومستشارين عسكريين ومرتزقة سوريين إلى ليبيا بموجب اتفاق موقع مع حكومة الوفاق.

وذكرت صحيفة “أحوال” التركية أن أنقرة تريد أن تبقى لاعباً أساسياً في الساحة الليبية للسيطرة على ثروات وموارد هذا البلد ومشاريعه التنموية عن طريق أذرعها من المرتزقة والجماعات المسلحة الموالية لها، وشراء الولاء من عدد من السياسيين الليبيين.

 تتريك المدن الليبية

لتنفيذ سعيها إلى تتريك مدن الغرب في ليبيا، قامت تركيا عبر ميليشيات تابعة لحكومة طرابلس المدعومة منها، بنبش القبور وإزالة وهدم العديد من الأضرحة بمدينة صرمان على غربي طرابلس لطمس معالمها وتاريخها.

وتوطين مجموعات المرتزقة والتكفيريين الأجانب، وأصحاب التوجه والفكر المتطرف فيها.

ويؤكد الخبراء على نية النظام التركي بدعم الإرهاب في البلاد، وتنفيذ مخطط يهدف لمد الفكر الأصولي المتطرف داخل المجتمع الليبي.

وتحويل تجربة تتريك مدن الشمال السوري إلى لغرب الليبي بعد تنفيذ خطوة غسل عقول المواطنين في هذه المدن.

بينما أكد مصدر ليبي أن “كل ما يتم من حشد عسكري هائل من قبل النظام التركي لصالح المليشيات الموالية له في غرب ليبيا، يهدف لفرض أمر واقع على المنطقة والمجتمع الدولي والليبيين”.

واعتبر المصدر أن مهمة النظام التركي الأولى هي “اقتطاع الغرب الليبي من بيئته الحقيقية، ودمجه في الغلاف التركي الذي يسعى الرئيس رجب طيب أردوغان من خلاله لإحياء خلافة عثمانية جديدة على الطراز الإخواني، عبر مشروع الوطن الأزرق العابر للبحار ومناطق القوقاز والبلقان والشرق الأوسط وشمال إفريقيا”.

“تيكا” حصان طروادة

لم تكن الخطوات التركية لتعزيز وجودها في ليبيا عبر العمل العسكري وحده، بل عبر منظمات استخباراتية مغلفة بوجه مدني وغطاء خيري، لعبت أيضا دورا بارزا في هذا الصدد.

فقد أعلنت وكالة التعاون والتنسيق التركية “تيكا” عن تقديم مساعدات طبية لذوي الاحتياجات الخاصة في مدينة الزنتان شمال غربي ليبيا، جنوب غربي طرابلس.

وذكرت الوكالة في بيان لها أن “الأطقم العاملة بالوكالة قدمت 150 كرسياً متحركاً وعكاكيز طبية لذوي الاحتياجات الخاصة في الزنتان، بعد أن تمت مراسم توزيع المساعدات الطبية على متضرري الحرب في مديرية الخدمات الاجتماعية ببلدية المدينة”.

وحرصت تركيا على أن تبدو هذه الخطوة في الزنتان وغيرها من المناطق كمساعدات مقدمة إلى الليبيين، وإخفاء ما تحمله في طياتها من أغراض خبيثة لا تقل خطورة عن دور أنقرة في إغراق الغرب الليبي بالميليشيات والمرتزقة.

وتأسست وكالة التنسيق والتعاون التركية المعروفة باسم “تيكا” كمنظمة خيرية عام 1992 للعمل على “التعاون في مجالات التنمية والاقتصاد والتعليم والإعلام والثقافة وتقارب الشعوب والمجتمعات”، وكل ما يندرج تحت مسمى التعاون.

وبعد تولي حزب العدالة والتنمية، الحكم بدأت “تيكا” تتحول من منظمة خيرية إلى استخباراتية، ومن تقديم المساعدات الإنسانية للشعوب المتضررة، إلى تقديم المعلومات الاستخباراتية لأجهزة الأمن والمعلومات التركية.

وعين أردوغان فيدان، الذي يشغل اليوم منصب مدير الاستخبارات التركية، على رأس “تيكا” عام 2003، بعد سنوات قليلة من إعداده رسالة ماجستير بعنوان “مقارنة بين نظام الاستخبارات الأميركي والبريطاني والتركي”.

وركز خلال رسالته على حاجة تركيا لشبكة استخبارات خارجية قوية “تمتلك القدرة على الانتشار في كافة أرجاء المعمورة، وتعتمد على عدد ضخم من العناصر تحت غطاء مدني”.

وها هي “تيكا” تقوم بدور حصان طروادة في ليبيا، وربما في أرجاء أخرى من المعمورة.