لكل السوريين

احتجاجات ومواجهات ساخنة في تونس هل يجدد راعي الأغنام انتفاضة البوعزيزي

بعد أيام من ذكرى الثورة التونسية التي أطاحت بحكم الرئيس زين العابدين بن علي،

تفجرت احتجاجات في عدة محافظات تونسية وفي أحياء من العاصمة، تخللتها أعمال شغب واشتباكات بين قوات الأمن والمتظاهرين الذين قاموا بقذف القوات بالزجاجات الحارقة، وقطع الطرق بإطارات السيارات المشتعلة، واقتحام المراكز التجارية.

وأثارت تلك الاحتجاجات اهتمام المراقبين بشأن دوافعها في ظل غياب أي  شعارات أو مطالب سياسية أو اجتماعية في بدايتها، وهو ما أثار العديد من التساؤلات حول أهدافها ودوافعها، وهل جاءت نتيجة للأحوال الاقتصادية والسياسية المتردية التي آلت إليها تونس بعد مرور عشر سنوات على الثورة.

وكانت الاحتجاجات قد بدأت ليلية في مناطق بعيدة عن العاصمة، ثم وصلت إليها، وتطورت إلى احتجاجات نهارية، ورفعت سقف مطالبها إلى أن وصلت إلى شعار “الشعب يريد إسقاط النظام”.

رفع سقف الشعارات

في البداية أشعلت حادثة اعتداء عنصر أمن على راعي أغنام هذه الاحتجاجات، وأعادت إلى الأذهان قصة محمد بوعزيزي الذي فجّر الانتفاضة التي أطاحت حكم بن علي، بإحراق نفسه.

ثم رفع المحتجون مطالب معيشية تركز على الوظائف والخدمات.

ولكن وفاة متظاهر أصيب خلال اشتباكات مع الشرطة في ولاية القصرين، غربي تونس، صعدت من حالة التوتر، وساهمت برفع سقف مطالب المحتجين، فرفعوا شعارات ذات طبيعة اقتصادية واجتماعية، تعبر عن استيائهم من الأزمة الحادة في البلاد.

وتصاعد سقف شعاراتهم إلى المطالبة بإسقاط النظام السياسي في البلاد، وإقصاء حركة النهضة الإخوانية، التي تعد أبرز دعائم هذا النظام.

ويتهم كثيرون في تونس حركة النهضة بمحاولة السيطرة على مفاصل الحكم في البلاد، عبر التحالف مع رئيس الحكومة هشام المشيشي، وإبعاد المقربين من الرئيس قيس سعيّد.

سياسة الخطابات

مع تواصل الاضطرابات والمسيرات الاحتجاجية والمواجهات بين الشرطة والمواطنين الغاضبين، تواصلت مساعي المسؤولين في تونس لتهدئة الأوضاع ولكن بسياسة خطابات يبدو أن نتائجها جاءت عكس ما أراد أصحابها.

فبعد أيام من بدء المواجهات بين الشرطة والمحتجين، واعتقال ما يزيد عن 600 شاب أغلبهم من القصّر، واتهامهم بإحداث الشغب والاعتداء على ممتلكات الغير، وعلى أفراد قوات الأمن،

وبعد خروج المحتجين للمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين في الأيام السابقة، وضمان حق التظاهر، رافعين شعار “الشارع ملك الشعب”.

ألقى رئيس الحكومة التونسية هشام المشيشي خطاباً قال فيه إنه “يتفهم مطالب الشباب التونسي”.

وفيما هو أقرب إلى التهديد، منه إلى التهدئة قال المشيشي في خطابه: “صوتكم مسموع، وغضبكم مشروع، لكن الفوضى مرفوضة، وسنتصدى لها بقوة القانون وبوحدة الدولة”.

تونس حائرة بين قصرين

يبدو أن الخطابات الرنانة، والشعارات المغرية،  والبيانات الجذابة لم تعد تثير اهتمام الشباب في تونس، حيث حملت احتجاجاتهم رسائل واضحة تشير إلى يأسهم من الطبقة السياسية الحاكمة، والمنقسمة على نفسها، وتحميلها مسؤولية الالتفاف على شعارات الثورة وتحويلها من مطالب اجتماعية واقتصادية إلى مغانم سياسية.

فالرئيس قيس سعيد يبدو راغباً باستمرار السير على نهج الثورة التونسية وتحقيق أهدافها،  ولكن الدستور لا يمكّنه من ممارسة صلاحياته كاملة، ولا يستطيع أن يتجاوز مواد الدستور.

ورئيس الوزراء يبدو راغباً بحرف الثورة عن أهدافها، ولا يقبل بأقل من الصلاحيات التي يمنحها له الدستور.

والدستور التونسي بشكله الحالي، يجعل رئاسة البلاد أقرب إلى الموقع الرمزي منه إلى الموقع الفاعل في الحياه السياسية.

وهكذا تبدو تونس حائرة بين قصرين، قصر يسكنه الرئيس بصلاحيات مقيدة بحكم الدستور. وآخر يسكنه رئيس الوزراء، ولا يريد لصلاحياته أن تقل عما يقول به هذا الدستور.