لكل السوريين

مستقبل الأزمة السورية والتطورات السياسية

حسن مصطفى

لاشك أن العام المنصرم شهد جملةً من المتغيرات والتطورات الهامة التي أثرت على مسار الأزمة وطرحت العديد من السيناريوهات التي ستسهم في تغيير مسارات الحرب المندلعة منذ ما يقارب التسع سنوات، وبالمقابل ظهرت بوادر أمل حقيقي لعودة المحيط العربي ليلعب دوره في حل معادلات هذه الأزمة التي يبدو أن العالم قد عجز حتى الآن عن إيجاد حل لها, وكانت تباشير هذا الأمل هو قرار الإمارات العربية المتحدة بإعادة فتح سفارتها في دمشق, وهذا القرار قد يستتبعه قرارات عربية أخرى تدخل في ذات التوجه والسياق وهو بلا أدنى شك سيسهم في كسر حالة الاحتكار الحصري للأطراف الخارجية وتحكمها بمسارات وتطورات الأزمة, وبالمقابل هناك أمر آخر كان له وقع الصاعقة على المشهد السوري وهو قرار واشنطن المفاجئ بسحب قواتها من منطقة شمال شرق سورية وما نجم عنه من تحولات هامة في مجال خارطة التحالفات المحلية والإقليمية والدولية.

فمع بدء الولايات المتحدة انسحابها من قواعدها في شمال شرق سورية وتحول التهديدات التركية إلى حيز التنفيذ الحقيقي على الأرض من خلال مهاجمة مناطق تل أبيض ورأس العين والمنطقة الممتدة بينهما بذريعة ايجاد المنطقة الآمنة وما يروجه النظام التركي من أهداف هذه المنطقة الآمنة والتي أثبتت الوقائع زيف تلك الادعاءات وتكشف حقيقة النوايا والأهداف التركية التي تعمل منذ الأيام الأولى للغزو إلى إعادة تغيير الخارطة الديمغرافية للمنطقة الحدودية في شمال شرق سورية عبر عمليات التهجير القسري الذي رافق هجماته الوحشية واستهدافه المتعمد للمدنيين من كل المكونات السورية، ومن ثم شروعه بإدخال الآلاف من عوائل المرتزقة الذين جلبهم ممن جرى إخراجهم من مناطق النزاع السورية المختلفة وهم على الغالب كانوا من المتشددين، في محاولة مكشوفة من السلطات التركية لنشر حلفائها وعملائها على امتداد الشريط الحدودي السوري تمهيداً لمرحلة مستقبلية قادمة تتمثل بضم تلك المناطق إلى السلطنة العثمانية عبر تثبيت واقع جديد على الأرض، من جانب آخر يبدو أن المشهد السوري يزداد تعقيداً مع انسحاب القوات الامريكية وظهور توافقات أمريكية – روسية من جانب وتفاهمات تركية – أمريكية من جانب آخر، نظراً لكون المصالح التي تجمع هذه الدول تتجاوز في طبيعتها وأهدافها الجغرافية السورية.

ولكن المؤكد أن المرحلة الحالية ستكون متميزة، وستشهد عملية ترتيب وضبط الأمن والاستقرار في منطقة شرق الفرات بالرغم من الانسحاب الأمريكي وعودته بصيغته الجديدة الخاصة بحماية حقول النفط، إضافة إلى الحضور الروسي المتميز في المنطقة الذي جاء عقب التفاهمات العسكرية بين قوات قسد وحكومة دمشق، وهذا الدور الروسي سيجعل من الدور التركي محدود التأثير بالنظر إلى حرص  حكومة أردوغان على تعزيز التعاون والتنسيق مع روسيا عقب تصاعد الخلافات مع الجانب الأمريكي والتهديدات الأمريكية، والتحذيرات العديدة التي سبقت ورافقت عملية الغزو التركية لشمال شرق سورية.

من هنا ندرك بأن الاوضاع في سورية تحتاج إلى فترة زمنية قادمة نأمل أن لا تكون طويلة من أجل تبلور تفاهمات سياسية دولية واقليمية لشكل وصيغة الحل السياسي الذي يطمح إليه السوريون من جهة، ومن جهة أخرى يحقق مصالح الدول المؤثرة والفاعلة في الشأن السوري، على أن يكون مستنداً إلى مبادئ الشرعية الدولية وبيان جنيف الأول والقرار الدولي /2254/ الذي يعتبر المفتاح للحل والبوابة الحقيقية التي يمكن العبور من خلالها إلى التسوية السياسية الواقعية والصحيحة التي تحقق مصالح وطموحات وأهداف كل السوريين وبلا تمييز وحتى ذلك الوقت علينا أن نتحلى بالمزيد من الحكمة والعقلانية عبر عودتنا إلى جوهرنا السوري الذي هو الملجأ والأمان لكل السوريين.